فإذا انضاف إلى ما ذكر من أخلاق البزاز أنه خزاز، فإنا لله وإنا إليه راجعون! صلان في الثمة وأرقمان في الهشيمة، وشبوتان في سك واحد، وذئبان وقعا في الفريقة. إلا أن البزاز قد يكون غير خزازًا والشرة بحالها والشيمة ليست بالمغيرة عن سوئها.
والخزاز قد يكون غير بزاز، فلا يعرف به بأس يؤدي الأمانة ويصدق في الشهادة ويعترف بالحقوق، وتصلح معه المبايعة، ويحكم عليه فيما صنع بأحكام المسلمين.
فإذا كان الرجل بزازًا خزازًا قزازًا، فالمستغاث بالله ممن تجتمع هذه الخلال فيه: أما البز فحدث عظيم، وأما الخز إذا وقع في حين البز فنائبة ينسى البز معها ويغتفره الصالحون عندها، وأما القز فأيسر من الخز، وأصحاب القز قد يكونون صلحاء أخيارًا.
ومن العجائب أن كل ملك من بني أمية وبني العباس، كانوا في أول أمورهم قزازين. ولو سمع هذه المقالة بعض موالي قريش لغضب منها وعبد.
وقد علم عالم الأسرار أني لم أدع في ذلك باطلًا. ومن غريب الحديث وصحيحه أنه كان " بالكوفة " قز عند القزازين يتكلم ويشرب ويأكل من غذائهم، إلى أن ملوه فطردوه. ولا يعرف أن الخز والبز تكلما قط.
وفي هذه البلاد رجل من أغلظ الناس وأجفاهم بشرة، يحتطب مع المحتطبين ويحمل الجندل إلى أصحاب البناء، يحاك الحجر فلا يدميه.
ويماس الحديد فلا يضره إذا رفق به. ومتى أصاب جلده الخز أدماه. أفليس هذا بعجب، وإنما ألين ثيابه الكرادي الوخشة؟ وقد ذكر أنه كان في الأرض قزازًا ما سمع بشر منه: يتعمد أذية المسلمين ويقطع عليهم صلواتهم ويفرح بانهدام المساجد وقطع الزكوات، ويحث على الغيبة ويزين لإمام القوم أن يصلي بهم على غير طهر، ويحسن للقضاء أخذ الرشوة، ويتقدم إلى الولد بعقوق الوالد، ولو سمعني يهود بلدنا جاز أن يظنوني عنيت " القزاز والد منشى بن إبراهيم " وما عنيت ذلك، والذي قصدته لم يمت، وصاحبهم قتل ابنه ومات هو.
ولا أقول في الخياطين إلا خيرًا. إلا أن كل خياط وجد في الجوامع والمساجد والطرق، فقتله حلال. وكان في بلدنا قاض دين يجيز أكل لحم الخباز والخبازة، وأن يطبخ باللبن والخل.
وكان في هذا البلد جندي أبح، أقام أربعين سنة يدخل على القضاة والأمراء، وهو في ذلك لا يذوق النوم. وكان ذا وجهين.
وكان ها هنا قصاب يذبح الضأن صغارها وكبارها والأمات منها والأولاد، وما ذبح خروفًا قط! ومن زوال الدهر أنه كان في هذه البلدة جندي محارف، فنتجت فرسه خروفًا، ونفقت الفرس وبقي الخروف.
وحدثني الثقة أن الجند بخراسان يركبون الخرفان. وأن الظباء في نواحي " البصرة " تلد الجحاش. والناس في الشام يبغضون الأبارين وكذلك في العراق، ولا يرون قتلهم إلا بحق، فأما الأبارة فقتلها مباح في كل الأحيان.
والسنانير إذا كانت في أرض البادية تقلدت بالسيوف ولعبت بالرماح.
وكان في هذه الأرض قاض يحب الفالوذ فكان إذا رقد وضعه قريبًا منه، فإذا انتبه في بعض الحندس لمص. وكانت المضيرة إذا حضرت بين يديه كلمته فسمع كلامها الشهود.
وكان بعده قاض آخر يأكل الخناثر ويحتسي الحليب ويستعمل في مطعمه رسل المعز والضأن، ويعجبه ما يحتلب من الجواميس، وما يعلم أنه ذاق لبنًا قط!.
وفي البادية راع لا يزال في صيف وشتاء يحمل جحشه في يده ومعه جحشان لا يفارقانه: موقعهما بجنبيه ينام وهما معه، وينتبه وهما كذلك.
وفي قرية من هذا الإقليم أتان يشهد الثقات أن لها أكثر من ثلاث مائة سنة، وحماران يوفيان على هذه المدة. ولا عجب من أمر الله، قد مرت بنا منذ سنين جارية شهد خلق كثير أن عمرها زائد على ألف سنة.
وكانت في " حمص " عجوز لها دجاجتان أقامتا في تابوت نحوًا من ستة أشهر أو سبعة بغير علف ولا ماء، ثم خرجت بهما إلى السوق فباعتهما، ولم ينقص طول الحبس ثمنهما.
وكان في " وادي بطنان " راهب يشرب بول الأسد ولا يشرب بول اللبؤة. وكان في " بالس " خطيب يتطهر ببول العجل والعجلة، وإذا أصاب ثيابه شيء من بول الثور غسله.
وكان ب " الرقة " طبيب يفصد السواعد، ويسقي الأعلاء في بعض العلل ما يخج من السواعد. وإذ اعتل رجل ب " لموصل " استد فرقه من المحموم.
وفي نواحي " نجران " خيل لها قرون.
وفي " دمشق " عجوز ولدت بيضة في عمرها، ثم لم تعد إلى ذلك.
1 / 33