لقلت للظّاعن: اظعن ... إذا بدا لك، أو دع!
فتهتزّ أرجاء الجنَّة، ويقول، لا زال منطقًا بالسَّداد: لمن هذه الأبيات يا أبا عبد الرحمن؟ فيقول الخليل: لا أعلم. فيقول: إنّا كنّا في الدار العاجلة نروي هذه الأبيات لك. فيقول الخليل: لا أذكر شيئًا من ذلك، ويجوز أن يكون ما قيل حقًَّا. فيقول: أفنسيت يا أبا عبد الرحمن وأنت أذكر العرب في عصرك؟ فيقول الخليل: إنّ عبور السَّراط ينفض الخلد ممّا استودع. ويخطر له ذكر الفقَّاع الذي كان يعمل في الدار الخادعة، فيجري الله بقدرته أنهارًا من فقَّاعٍ، الجرعة منها لو عدلت بلذَّات الفانية، منذ خلق السموات والأرض إلى يومٍ تطوي الأمم الآخرة، لكانت أفضل وأشفَّ. فيقول في نفسه: قد علمت أنَّ الله قديرٌ، والذي أريد، نحو ما كنت أراه مع الطَّوَّافين في الدار الذاهبة. فلا تكمل هذه المقالة، حتى يجمع الله كلَّ فقَّاعيٍّ في الجنَّة من أهل العراق والشام وغيرهما من البلاد، بين أيديهم الولدان المخلَّدون يحملون السَّلال إلى أهل ذلك المجلس. فيقول، حفظ الله على أهل الأدب حوباءه، لمن حضره من أهل العلم: ما تسمَّى هذه السَّلال بالعربيَّة؟ فيرمُّون أي يسكتون ويقول بعضهم: هذه تسمَّى البواسن، واحدتها باسنةٌ، فيقول قائلٌ من الحاضرين: من ذكر هذا من أهل اللغة؟ فيقول، لا انفكَّت الفوائد واصلةً منه إلى الجلساء: قد ذكرها ابن درستويه، وهو يومئذٍ في الحضرة. فيقول له الخليل: من أين جئت بهذا الحرف؟ فيقول ابن درستوية: وجدته في كتب النضر بن شميل: فيقول الخليل: أتحقُّ هذا يا نضر، فأنت عندنا الثّقة؟ فيقول النَّضر: قد التبس عليَّ الأمر، ولم يحك الرجل، إن شاء الله، إلاَّ حقًّا.
1 / 69