جاءت السُّقاة بأصناف الأشربة، والمسمعات بالأصوات المطربة.
ويقول، لا فتىء ناطقًا بالصواب: عليَ بمن في الجنة من المغنيِّن والمغنِّيات: ممّن كان في الدار العاجلة، فقضيت له التَّوبة.
فتحضر جماعةٌ كثيرةٌ من رجالٍ ونساءٍ: فيهم الغريض، ومعبدٌ وابن مسجحٍ، وابن سريجٍ؛ إلى أن يحضر إبراهيم الموصليُّ وابنه إسحاق. فيقول قائلٌ من الجماعة، وقد رأى أسراب قيانٍ قد حضرن، مثل بصبص ودنانير وعنان: من العجب أن الجرادتين في أقاصي الجنَّة. فإذا سمع ذلك لا برح سمعه مطروقًا بما يبهجه، قال: لابدَّ من حضورهما. فيركب بعض الخدم ناقةً من نوق الجنَّة، ويذهب إليهما على بعد مكانهما فتقبلان على نجيبين أسرع البرق اللامع. فإذا حصلتا في المجلس، حيَاهما وبشَّ بهما وقال: كيف خلصتما إلى دار الرحمة بعدما خبطتما في الضلال؟ فتقولان: قدرت لنا التَّوبة ومتنا على دين الأنبياء المرسلين. فيقول: أحسن الله إليكما، أسمعانا شيئًا من التي تروى لعبيد مرة ولأوس أخرى وما سمعتا قطَ بعبيدٍ ولا أوسٍ، فتلهمان أن تغنيِّا بالمطلوب، فتلحِّنان:
ودع لميس وداع الوامق اللاحي
قد فنَّكت في فسادٍ بعد إصلاح
إذ تستبيك بمصقولٍ عوارضه
حمش اللِّثمات عذابٍ غير مملاح
كأنَّ ريقتها بعد الكرى اغتبقت
من ماء أدكن في الحانوت نضّاح
ومن مشعشعةٍ ورهاء نشوتها
ومن أنابيب رمَّانٍ وتفَّاح
هبَّت تلوم، وليست ساعة اللاحي،
هلاَّ انتظرت بهذا اللَّوم إصباحي؟
قاتلها الله، تلحاني، وقد علمت
أنَّي لنفسي إفسادي وإصلاحي!
إن أشرب الخمر، أو أرزأ لها ثمنًا،
فلا محالة يومًا أننّي صاح
1 / 66