يجتاح أبوه ماله: أنه لا يعلم أنَّ أحدًا يقول إنَّ معنى الحديث إباحة مال الولد لأبيه وأنه يأتي عليه إسرافًا وتبذيرًا، بل معناه إذا احتاج من مالك أخذ قدر الحاجة وإذا لم يكن لك مال وكان لك كسب لزمك أن تكسب عليه، انتهى.
فقوله: (إنه لا يعلم قائلًا بذلك)، خلاف ما سمعته عمَّن سردناه. وأما قوله: (إسرافًا وتبذيرًا)، فكلامٌ في غير محله، فإنَّه يحرم على الإِنسان في ملكه المجمع على أنه ملكه الإِسراف أو التبذير.
ولا يعزب عنك أنَّ قوله: (يجتاح مالي) يُنافي أنه يأخذ قدر النفقة بلا فاقة فقط، فإنَّ الاجتياح ظاهرٌ في خلافه؛ قال ابن الأثير في "النهاية" (١): الجائحة: الآفة التي تهلك الثمار. وتقدَّم تفسيره بـ (الاستئصال).
هذا، وأما أهل المذاهب، فخالفوا الحديث ومن ذُكر من الصحابة والتابعين، فذهبوا إلى أنه ليس له من ماله إلَّا أنه ينفقه الابن إن
_________
= يكون ما ذكره السائل من اجتياح والده ماله إنما هو بسبب النفقة عليه وأن مقدار ما يحتاج إليه للنفقة عليه شيء كثير لا يسعه عفو ماله والفضل منه إلَّا أن يجتاح أصله ويأتي عليه، فلم يعذره النبي ﷺ ولم يرخص له في ترك النفقة، وقال له: "أنت ومالك لوالدك" على معنى أنه إذا احتاج إلى مالك أخذ منك قدر الحاجة كما يأخذ من مال نفسه، وإذ لم يكن لك مال وكان لك كسب لزمك أن تكتسب وتنفق عليه، فأما أن يكون أراد به إباحة ماله واعتراضه حتى يجتاحه ويأتي عليه لا على هذا الوجه فلا أعلم أحدًا من الفقهاء ذهب إليه، والله أعلم. انتهى.
(١) "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (١/ ٣١١).
1 / 28