كما مر آنفا انه لا مجاز للتناقض فيه أصلا ، وإنما التناقض المحض ما نسبوا إلى موسى عليه السلام من أنه قدر بربه أنه يغفر الذنب لفاعله ، ويعاقب بذلك الذنب من كان من ولد المذنب في الدرجة الرابعة ، ثم يقول في مكان آخر : أن لا تقتل الأبناء لأجل الآباء ولا الآباء لأجل الأبناء ، هذا مع إقرارهم بأنه ليس في التوراة ذكر عذاب ولا جزاء بعد الموت أصلا ، وإنما فيها الجزاء بالثواب والعقاب في الدنيا فقط ، فهذا هو التناقض المجرد الذي لا خفاء به ، وبالله تعالى التوفيق .
9 - الفصل الثاني :
وكان مما اعتراض به أيضا ان ذكر قول الله تعالى : { أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها دماءها ومرعاها والجبال أرساها } ، ( النازعات : 27 - 32 ) قال : فذكر في هذه الآية [ أن ] دحو الأرض وإخراج الماء والمرعى منها كان بعد رفع سمك السماء وبعد بنائها وتسويتها وإحكام ليلها ونهارها ، ثم قال في آية أخرى : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات ، وهو بكل شيء عظيم } ( البقرة : 29 ) قال : فذكر [ في ] هذه الآية ضد ما في الأولى ، وذلك أن هذه التسوية للسماء كانت بعد خلق ما في الأرض .
10 - قال أبو محمد : والقول في هذا كالقول [ 150 ب ] في التي قبلها ولا فرق وهو : ان بظاهر هاتين الآيتين يكتفى عن تطلب تأويل أو تكلف مخرج وهو : انه تعالى ذكر في الآية التي تلونا أولا أنه عز وجل بنى السماء ورفع سمكها وأحكم الدور الذي به يظهر الليل والنهار ، وأنه بعد ذلك أخرج ماء الأرض ومرعاها وأرسى الجبال فيها . وذكر تعالى في الآية الأخرى ان تسويته تعالى السموات سبعا وتفريقه بين تلك الطرائق ( 1 ) السبع التي هي مدار الكواكب المتحيرة والقمر والشمس كان بعد خلقه كل ما في الأرض . فلم يفرق هذا الجاهل المائق بين قوله تعالى : إنه سوى السماء ورفع سمكها وبين قوله تعالى : إنه سواهن سبع سموات . فهل بعد هذا العمى عمى ، وبعد هذا الجهل جهل
11 - وإنما أخبر تعالى ان تسوية السماء جملة واختراعها كان قبل دحو الأرض ، وأن دحوه الأرض كان قبل أن تقسم السماء على طرائق الكواكب السبع ، فلاح أن الآيتين متفقتان يصدق بعضهما بعضا . ولكن ليذكر هذا الجاهل على
Page 46