إن سعادة الفرد ونعيمه الحقيقي لا يكونان إلا في تمتعه بالخير، لا في فخره بأنه وحده الذي يتمتع به مع استبعاد الآخرين. ومن يظن أنه حصل على سعادة أكبر لأنه وحده في حالة طيبة على حين أن الآخرين ليسوا كذلك، أو لأنه يتمتع بسعادة أكبر أو لكونه أسعد حظا من الآخرين، مثل هذا الشخص يجهل السعادة والنعيم الحقيقي. فالفرح الذي يشعر به المرء نتيجة لاعتقاده أنه أسمى من الآخرين، إن لم يكن شعورا طفوليا، فإنه لا ينشأ إلا من الحسد أو من القلب الحاقد. مثال ذلك أن الهناء الحقيقي وسعادة الإنسان لا يكونان إلا في الحكمة وحدها ومعرفة ما هو حق، وليس على الإطلاق في أن يكون أحكم من الآخرين أو في أن يكون الآخرون محرومين من الحكمة؛ لأن ذلك لن يزيد أبدا من حكمته الخالصة أي من هنائه الحقيقي، فمن يفرح لذلك يفرح لشقاء الآخرين ويكون حسودا شريرا لا يعلم الحكمة الحقيقية أو طمأنينة الحياة الحقة. وعلى ذلك، فعندما يقول الكتاب، لحث العبرانيين على طاعة الشريعة: إن الله قد اصطفاهم من بين سائر الأمم (التثنية، 10: 15)،
1
وأنه قريب منهم، بعيد عن الآخرين (التثنية، 4: 4، 7)،
2
وأنه وضع شرائع عادلة لهم وحدهم (السفر نفسه، 4: 8)،
3
وأنه أعطاهم وحدهم شرف معرفته - (والسفر نفسه، 4: 32)،
4
فإنه إنما يتحدث على مستوى فهم العبرانيين الذين لم يكونوا يعرفون السعادة الحقيقية، كما ذكرنا في الفصل السابق، وكما يشهد موسى نفسه (التثنية، 9: 6-7)،
5
Page inconnue