فلا تدل إلا على طاعته وتربيته أهل بيته على العدل والخير، ولا تدل على أن لديه عن الله أفكارا سامية. كذلك لم يدرك موسى بما فيه الكفاية أن الله عالم بكل شيء وأن مشيئته وحدها هي الموجهة لأفعال البشر كلها، فعندما قال له الله (انظر: الخروج، 35: 18):
47
إن الإسرائيليين سيطيعونه شك في الأمر وأجاب قائلا (انظر الخروج، 4: 1): «إنهم لا يصدقونني ولا يسمعون لقولي.» وهكذا كشف الله له عن نفسه كأنه لا يكترث بشيء ويمهل أفعال البشر المستقبلة. والواقع أن الله أعطاه آيتين قائلا (الخروج، 4: 8): «فيكون إذا لم يصدقوك ولم يسمعوا لصوت الآية الأولى، أنهم يصدقون صوت الآية الأخيرة، وإن لم يصدقوا هاتين الآيتين ولم يسمعوا لقولك فخذ من ماء النهر ... إلخ.» ومن المؤكد أننا إذا أردنا أن نفسر عبارات موسى دون فكرة مسبقة لا يتضح لنا تماما أنه يتصور الله موجودا على الدوام في الماضي والحاضر والمستقبل؛ ولذلك يسميه يهوه، وهي كلمة تدل في العبرية على أصول الزمان الثلاثة هذه.
48
ولم يذكر موسى شيئا عن طبيعة الله سوى أنه رحيم لطيف ... إلخ، وغيور جدا، كما يتضح في نصوص عديدة من الأسفار الخمسة. ثانيا لقد اعتقد وأعلن أن هذا الموجود مختلف عن سائر الموجودات إلى حد أنه لا يمكن التعبير عنه بأية صورة أو شيء حسي بعيد عن الأبصار؛ لضعف الإنسان لا لتناقض تنطوي عليه مثل هذه الرؤيا. أما فيما يتعلق بالقدرة فإنه تصور الله فردا واحدا، ويسلم موسى بوجود موجودات تحل محل الله (ويحدث ذلك بلا شك بأمر من الله وبتفويض منه) أي بموجودات أعطاها الله السلطة والحق والقدرة لإرشاد الأمم ولحمايتها والمحافظة عليها. ولكنه نادى بأن هذا الموجود الذي وجب على اليهود عبادته هو الإله المهيمن الأعلى. وبعبارة أخرى، (أي بتعبير عبري) فهو إله الآلهة؛ لذلك يقول في نشيد الخروج (15: 11): «من مثلك في الآلهة يا رب.» ويقول يترو
49 (18: 11): «الآن علمت أن الرب عظيم فوق جميع الآلهة.» أي أنني يجب أن أسلم مع موسى بأن يهوه أكبر الآلهة جميعا، وله قدرة لا نظير لها، ومع ذلك، فهل اعتقد موسى أن الله خلق هذه الموجودات التي تقوم مكانه؟
50
يحق لنا أن نشك في ذلك لأنه - على ما نعلم - لم يقل شيئا يتعلق بخلقها ونشأتها. ثالثا، نادى موسى بأن هذا الموجود قد أخرج هذا العالم المرئي من العماء وأقام فيه النظام (انظر: التكوين، 1: 2)
51
ووضع في الطبيعة بذور الأشياء وبذلك يكون له على الأشياء جميعا حق مطلق وسيطرة كاملة. وباستعماله لهذا الحق ولهذه القدرة اصطفى الأمة العبرانية (انظر: التثنية، 10: 14-15، 32: 8-9)
Page inconnue