وأتساءل: هل نحن ملزمون بأن نعتقد بأن يشوع الجندي كان ضليعا في علم الفك؟ هل نحن ملزمون بأن نعتقد باستحالة كشف التنبؤات له أو ببقاء ضوء الشمس في الأفق أكثر من المعتاد دون أن يعلم يشوع علة هذه الظاهرة؟ في رأيي أن كلا التفسيرين ساذج، والأفضل أن أقول صراحة إن يشوع قد جهل علة بقاء الضوء، وإنه اعتقد مع جمهور الحاضرين بدوران الشمس حول الأرض، وبأنها توقفت في هذا اليوم بعض الوقت، ولم يلحظ أن كمية الثلج الضخمة التي كانت عندئذ معلقة بالهواء (انظر: يشوع، 10: 11)،
37
أو أية علة أخرى مشابهة، لا نود أن نبحث عنها، قد تكون هي السبب في حدوث انعكاس غير عادي للضوء. وكذلك كشف لأشعيا تراجع الظل على مستوى فهمه بتراجع الشمس لأنه كان يعتقد أيضا بأن الشمس تتحرك، وبأن الأرض ثابتة، ولم يخطر على باله حتى في المنام فكرة الطيف.
38
ونستطيع أن نسلم بذلك دون أدنى تخوف، إذا كان من الممكن أن تظهر هذه الآية بالفعل، وأن يتنبأ بها أشعيا للملك، على الرغم من جهل النبي بعلتها. ويجب أيضا أن نقول الشيء نفسه بشأن تشييد هيكل سيلمان، هذا إذا كان الله قد أوحى له به. وبعبارة أخرى، لقد أوحيت كل المقاييس إلى سليمان بوسائل على مستوى فهمه وطبقا لآرائه؛ ذلك لأنه، نظرا إلى أننا غير ملزمين بالاعتقاد بأن سليمان كان رياضيا، فمن حقنا أن نؤكد أنه كان يجهل نسبة محيط الدائرة إلى قطرها، وكان يظن مع جمهرة العمال أنها نسبة 3 إلى 1، فإذا قيل إننا لم نفهم نص سفر الملوك (7: 23)
39
فإني لا أعلم، في الحق، ماذا يمكننا أن نفهم من الكتاب؛ ذلك لأن ما ورد في هذا الموضع كان مجرد وصف للبناء، وعلى نحو تاريخي محض. أما إذا اعتقد أحد أنه يستطيع افتراض قصد آخر للكتاب لم يصرح به لسبب نجهله، فإن هذا أمر لا يترتب عليه أقل من أن نقلب الكتاب بأسره رأسا على عقب؛ إذ يحق لكل فرد أن يفعل هذا الشيء نفسه مع نصوص الكتاب كلها، ويتخذ الكتاب المقدس عندئذ ستارا يبيح للمرء أن يؤكد، ويضع موضع التنفيذ كل ما يستطيع خبث الإنسان أن يبتدعه من بطلان وشر،
40
ومن ناحية أخرى، فإن ما نسلم به الآن لا يتضمن أي كفر؛ ذلك لأن سليمان وأشعيا ويشوع ليسوا أنبياء فحسب، بل بشر أيضا، يصدق عليهم ما يصدق على البشر. فقد أوحي إلى نوح، بطريقة على مستوى فهمه، بأن الله سيهلك الجنس البشري. الواقع أن نوحا كان يعتقد أن العالم كله، باستثناء فلسطين، لم يكن مسكونا، ولم يجهل الأنبياء مثل هذه الأشياء فحسب، بل جهلوا أيضا أشياء أخرى كثيرة أكثر أهمية، ولا ينقص جهلهم هذا من تقواهم شيئا لأنهم لم يقولوا شيئا خاصا يتعلق بصفات الله، بل كانت آراؤهم عنه هي بعينها الآراء المتداولة، وكان الوحي الذي هبط عليهم متناسبا مع آرائهم كما سأبين بعد قليل بنصوص كثيرة من الكتاب. وهكذا نرى بوضوح أن ما ناله الأنبياء من ثناء وتقدير عظيمين لا يرجع إلى مزايا روحية عالية بل إلى تقواهم ورسوخ إيمانهم.
41
Page inconnue