الذي أوحى الله إليه أوامره، التي تؤدي إلى خلاص البشر، وأوحى بها مباشرة دون توسط بالكلام أو بالرؤية، بحيث كشف الله عن نفسه للحواريين من خلال روح المسيح، كما كشف الله عن نفسه من قبل بصوت خارجي. يمكننا إذن تسمية صوت المسيح صوت الله كالصوت الذي سمعه موسى من قبل، وبهذا المعنى نستطيع أن نقول أيضا بأن حكمة الله، هي حكمة تفوق الحكمة الإنسانية، قد تجسدت في المسيح، وأن المسيح أصبح طريقا للخلاص.
ويجب علي هنا أن أنبه القارئ إلى أنني لن أتحدث مطلقا عن نظرة بعض الكنائس إلى المسيح، لا لأني أنكر ما تثبته، بل لأني لا أفهمها، وأعترف بذلك عن صدق، فلقد وضعت كل تصوراتي السابقة طبقا للكتاب نفسه، ولم أقرأ في أي جزء منه أن الله قد ظهر للمسيح أو خاطبه، بل قرأت أن الله كشف عن نفسه للحواريين بواسطة المسيح وأن المسيح هو طريق الخلاص، وأن الشريعة القديمة قد بلغت عن طريق ملاك دون أن يبلغها الله نفسه مباشرة ... إلخ. فإذا كان موسى قد خاطب الله وجها لوجه كما يخاطب الإنسان إنسانا مثله (أي عن طريق جسديهما) فقد اتصل المسيح بالله مباشرة اتصال الروح بالروح.
والنتيجة التي نصل إليها من ذلك هي أنه، باستثناء المسيح، لم يتلق أي شخص وحيا من الله دون الالتجاء إلى الخيال؛ أي إلى كلام أو إلى صور، وينتج عن ذلك أن النبوة لا تتطلب ذهنا كاملا بل خيالا خصبا، كما سأبين ذلك بمزيد من الوضوح في الفصل القادم. والآن، لنبحث ماذا يعني الكتاب المقدس بروح الله التي تهبط على الأنبياء. ولكي أقوم بهذا البحث سأبحث أولا عن معنى الكلمة العبرية «رواه» التي تترجم عادة بلفظ روح.
26
تدل كلمة «رواه» في معناها الأصلي، على الريح كما هو معروف، ولكنها تستعمل أيضا، في كثير من الأحيان، بمعان أخرى مشتقة من المعنى الأول، فتعني مثلا: (1)
نسمة، كما نجد في المزمور 135 (الآية 17): «وليس في أفواههم نسمة.» (2)
نفخ أو تنفس كما نجد في صموئيل (الأول، 30: 12): «وعادت إليه روحه.» أي إنه بدأ في التنفس، وتدل الكلمة أيضا على: (3)
الشجاعة أو القوة، كما نجد في يشوع (2: 11): «ولم يبق في أحد روح.» وكذلك في حزقيال (2: 2): «ودخل في الروح (أي قوة) وأقامني على قدمي.» (4)
ومن هذا المعنى أتى معنى آخر وهو الصفة أو القدرة كما نجد في أيوب (32: 8): «لكن في البشر روحا.» وبعبارة أخرى لا ينبغي أن نبحث عن المعرفة عند الشيوخ فقط لأنها تعتمد على صفة كل فرد وقدرته الخاصة، وكذلك في سفر العدد (26: 18): «فإنه رجل فيه روح.» وكذلك تعني الكلمة: (5)
رأي كما نجد في سفر العدد (14: 24): «فبما أنه كان له روح آخر.» أي رأي آخر أو فكرة أخرى، وكذلك في الأمثال (1: 23): «فإني أفيض عليكم من روحي.» أي فكري. وفي هذه الحالة تستعمل الكلمة أيضا لتفيد معنى الإرادة أي المشيئة أو الرغبة أو الدافع، كما نجد في حزقيال (1: 12): «إلى حيث يوجه الروح السير كانت تسير.» وكذلك في أشعيا (30: 1): «ويبتون عهدا ليس من روحي.»
Page inconnue