في العقل، فالعقل يقدره في نفسه، كما يقدر ممتنعات، لا يعقل وجودها في الوجود ولا إمكانها في الوجود.
وأيضًا فالرب تعالى إذا كان اتصافه بصفات الكمال ممكنًا وما أمكن له وجب امتنع أن يكون مسلوبًا صفات الكمال، ففرض ذاته بدون صفاته اللازمة الواجبة له فرض ممتنع.
وحينئذ فإذا كان فرض عدم هذا ممتنعا عمومًا وخصوصًا، فقول القائل: يكون مفتقرًا إليها، وتكون مفتقرة إليه، إنما يعقل مثل هذا في شيئين. يمكن وجود كل واحد منهما دون الآخر، فإذا امتنع هذا بطل هذا التقدير.
ثم يقال له: ما تعنى بالافتقار؟ أتعني: أن الذات تكون فاعلة للصفات مبدعة لها أو بالعكس؟ أم تعني التلازم وهو ألا يكون أحدهما إلا بالآخر؟ فإن عنيت افتقار المفعول إلى الفاعل فهذا باطل، فإن الرب ليس بفاعل لصفاته اللازمة، بل لا يلزمه شىء معين من أفعاله ومفعولاته؛ فكيف تجعل صفاته مفعولة له، وصفاته لازمة لذاته ليست من مفعولاته؟ وإن عنيت التلازم فهو حق.
وهذا كما يقال: لا يكون موجودًا، إلا أن يكون قديمًا واجبًا بنفسه ولا يكون عالمًا قادرًا إلا أن يكون حيًا، فإذا كانت صفاته ملازمة لذاته، كان ذلك أبلغ في الكمال من جواز التفريق بينهما، فإنه لو جاز وجوده بدون صفات الكمال، لم يكن الكمال واجبًا له، بل ممكنًا له، وحينئذ فكان يفتقر في ثبوتها له إلى غيره، وذلك نقص ممتنع عليه، كما تقدم بيانه، فعلم أن التلازم بين الذات وصفات الكمال هو كمال الكمال.
1 / 26