46

سهام بلاء وقعهن شديد

فلما توليتم طغيتم وهكذا

إذا أصبح «القولي» وهو عميد

أعباس ترجو أن تكون خليفة

كما ود آباء ورام جدود!

فيا ليت دنيانا تزول وليتنا

نكون ببطن الأرض حين تسود

ونحن ننقل الأبيات هنا كما سمعناها بالرواية مخالفة للقصيدة المنشورة في «الصاعقة » بعض المخالفة، وكل ما فيه من ذكر القصور والنعمة المحدثة والأسرة الطارئة كلام من له نشأة راسخة في القصور والنعمة التالدة والحسب العريق.

ولم يكن عباس - وهو الذي سماه كرومر أستاذا في فن الدسائس - قاصرا على «رد الجميل» من نوعه في هذه الحملة، فإنه أراد أن يستخرج من مادة الشعر وثيقة على البكري بخط يده تسقطه في بيئة الدوائر الأجنبية العليا، وأهمها عنده دوائر الوكالة البريطانية، فأوعز إلى ولي من أولياء القصر بين رجال الأدب أن يستدرج السيد إلى كتابة قصيدة ينظمها في موضوع من موضوعات الغزل المحظور، وكان حفني ناصف أقرب هؤلاء الأدباء صلة بالسيد البكري ينشده ويستمع إليه، فلما ذهب يزور السيد، وأقبل هذا ينشده من جديد نظمه، تعمد حفني أن يستثيره وقال له: أيها السيد! إنك ممن لا ينبغي لهم الشعر، فدعه لنا وحسبك فخار الشرف والجاه! وحمي غضب السيد فتحداه أن يجاريه في نظمه إن استطاع، وقبل حفني التحدي على شريطة أن يكون موضوع القصيدة شخصيا لا يستعار من ناظم آخر في باب من الغزل المحظور، فكتب البكري أبياتا في المعنى المقترح بخطه، وكتب حفني أبياتا في معناها، ثم أخذ أبيات البكري فأظهر الاعتراف برجحانه عليه في فن الشعر فوق رجحانه عليه في الحسب والنسب! وذهب إلى النافذة يوهم السيد أنه يمزق الورقتين ويلقيهما حيث تلقى المهملات، ولكنه مزق ورقته وأبقى الورقة الأخرى في جيبه، ثم أسرع بها إلى القصر ليسلمها إلى الخديو، فأسلمها الخديو إلى لورد كرومر في أول لقاء بينهما، وقيل إنها كانت آخر العهد بدعوة السيد إلى حفلات الوكالة البريطانية، وآخر العهد بزيارة العلية من رجال الدول لقصر الخرنفش؛ حيث كانت لهم زيارات متكررة في المواسم والأعياد. •••

نقرأ ل «حفني ناصف» - رحمه الله - رسالة من أبلغ رسائل العتاب على الأسلوب السلفي، كتبها إلى توفيق البكري يقول فيها، وكان قد زاره فتخطاه السيد إلى جاره ولم يقرئه السلام:

Page inconnue