واحتل أهلك أجيادًا فليس لنا ... إلا التذكر أو حظ من الحزن وتفاخر رعاء الإبل (١) ورعاة الغنم عند رسول الله ﷺ، فأوطاهم رعاء الإبل غلبة وقالوا: ما أنتم يا رعاء النقد هل تخبون أو تصيدون؟ فقال ﷺ: بعث موسى وهو راعي غنم وبعث داود وهو راعي غنم وبعثت وأنا راعي غنم أهلي بأجياد. فغلبهم رسول الله ﷺ. وبأجياد نزل السميدع بقطورا في الزمن الأقدم وكان يعشر من دخل مكة من أسفلها، قالوا: سمي بذاك لخروج جياد الخيل مع السميدع حين قاتل عمرو بن مضاض الجرهمي في خبر مشهور.
الأجم (٢)
قصر الأجم هو المعروف بقصر الكاهنة وبينه وبين المهدية من البلاد الإفريقية ثمانية عشر ميلًا، وذكر أن الكاهنة حصرها عدوها في هذا القصر فحفرت سربًا في صخرة صماء من هذا القصر إلى مدينة سلقطة يمشي فيه العدد الكثير من الخيل (٣) وبينهما ثمانية عشر ميلًا، ويقال إن أخت الكاهنة كانت في سلقطة فكان الطعام يجلب إليها في ذلك السرب على ظهور الدواب، وهذا القصر عجيب البنيان قد أحكم بحجارة طول الواحد منها ستة وعشرون شبرًا، وارتفاع القصر في الهواء أربع وعشرون قامة، وهو من داخله كله مدرج إلى أعلاه، وأبوابه طاقات بعضها فوق بعض.
وكان عبد الله بن سعد بن أبي سرح لما بعثه عثمان إلى إفريقية غازيًا لقي جرجير صاحب سبيطلة، وقاتله فقتله عبد الله بن الزبير وشن الغارات على سبيطلة، وأصاب الروم رعب شديد، ولجأوا إلى الحصون والقلاع، فاجتمع أكثر الروم بقصر الأجم فطلبوا من عبد الله بن سعد أن يأخذ منهم ثلثمائة قنطار من ذهب على أن يكف عنهم ويخرج من بلادهم، فقبل ذلك منهم وقبض المال، وكان في شرطه ان ما أصاب المسلمون قبل الصلح فهو لهم وما أصابوه بعد الصلح ردوه لهم.
أحد
جبل بظاهر مدينة النبي ﷺ في شمالها على مقدار ستة أميال وهو أقرب الجبال إليها، وهو مطل على أرض فيها مزارع وضياع كثيرة لأهل المدينة، وفيه قال النبي ﷺ: " هذا جبل يحبنا ونحبه ".
ولما خرج النبي ﷺ إلى غزوة أحد نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي إلى الجبل، فجعل عسكره وظهره إلى أحد؛ قيل سمي بهذا الاسم لتوحده وانقطاعه عن جبال أخر هنالك؛ قيل: أراد بقوله صلى وسلم الله عليه " يحبنا ونحبه " أهله وهم الأنصار، وقيل: لأنه كان ينشرح إذا رآه عند قدومه من أسفاره بالقرب من أهله ولقائهم وذلك فعل المحب؛ وقيل: بل حبه حقيقة وضع الحب فيه كما وضع التسبيح في الجبال المسبحة مع داود ﵇ وكما وضعت الخشية في الحجارة التي قال الله تعالى فيها " وان منها لما يهبط من خشية الله " وفي بعض الآثار المسندة أن أحدًا يوم القيامة عند باب الجنة من داخلها، وفي بعضها أنه ركن لباب الجنة.
وعند أحد كانت الوقعة بين النبي ﷺ وقريش في سنة ثلاث في شوال بعد بدر بسنة، حضرها من المسلمين ستمائة رجل وكانت قريش في ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة دارع، وقتل فيها حمزة عم النبي ﷺ، قتله وحشي، وحكى وحشي بعد أن أسلم، قال: جئت فشهدت شهادة الحق عند رسول الله ﷺ فقال: " اجلس فحدثني "، فحدثته كيف قتلت حمزة، فقال: " غيب وجهك عني فلا أراك "، وفي قصة أحد نزلت الآيات من سورة آل عمران " وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال " إلى آخر الآيات، ووقف النبي ﷺ على حمزة ﵁، وقد مثل به، فقال ﷺ: " لولا جزع النساء لتركته حتى يحشر من حواصل الطير وبطون السباع فيكون أعظم لأجره وأفضل لدرجته في الجنة " ثم بكى حتى اغرورقت عيناه واخضلت لحيته من دموعه، وبكى الناس لبكائه وكثر الضجيج، فهبط جبريل ﵊ فعزاه به وقال: يا محمد قد بكى لبكائك أهل السموات ولعنوا قاتل عمك، والله ﷿ يقول " وللآخرة خير لك من الأولى " و" العاقبة للمتقين "، فاسترجع رسول الله ﷺ ثم أمر بالقتلى فجعل يصلي عليهم وجعل يضع تسعة وحمزة فيكبر عليهم سبع تكبيرات ثم يرفعون ويترك حمزة ﵁، ثم يجاء بتسعة
_________
(١) معجم ما استعجم ١: ١١٥.
(٢) سماه البكري: ٣١ قصر لجم ولعل فيه إدغامًا كما يقولون «لربس» و«الأربس» وكلاهما صحيح. والنص هنا متابع في بعضه لما ورد عند البكري، وأنظر كذلك رحلة التجساني: ٥٨ - ٥٩، وتصحف في الاستبصار: ١١٨ غلى «قصر لخم» .
(٣) زيادة من البكري، غير وادة أيضًا في الاستبصار.
1 / 13