منه الآن إلا قصران في الصحراء، والبحر منها على أربعة أميال ولا شيء حولها من النبات، وفيها يهود ومسلمون ويطيف بها خلق من البربر، وليس بها ماء جار إنما مياههم في المواجل والسواني التي يزرعون عليها الشعير وقليل الحنطة وضروبًا من القطاني.
وممن ينتسب إليها علي بن عبد الله بن عبد الرحمن الأجدابي أحد فقهاء القيروان الجلة، روى عن أبي الفضل محمد بن يحيى بن عباس قال: كان حي من الجن يقال لهم بنو أسد يزجرون الطير فأرادوا أن يختبروا علم بني أسد من الأنس في زجر الطير فتمثلوا ثلاثة أشخاص وأتوا إلى بني أسد من الأنس فسلموا عليهم وقالوا: إنا قوم ذهبت لنا لقاح فابعثوا معنا من يزجر الطير لعلنا نجدها، فبعثوا صبيًا صغيرًا منهم فما مشى إلا يسيرًا إذ نظر إلى عقاب قد ضمت جناحًا وفتحت جناحًا، فرجع الصبي إلى قومه وهو يبكي ويقول للأشخاص الثلاثة: ضمت جناحًا وفتحت جناحًا، فأحلف بالله صراحًا، ما أنتم بانس ولا تبغون لقاحًا.
ومن المنسوبين إلى أجدابية أيضًا أبو إسحاق الأجدابي الأديب (١) صاحب " الكفاية " و" شحذ القريحة " و" العروض ".
وأجدابية (٢) مدينة كبيرة في الصحراء وأرضها صفا وآبارها منقورة في ذلك الصفا، طيبة الماء والهواء وبها عين ثرة غدقة وبساتين ونخل يسير، وبها جامع حسن بناه الشيعي وله صومعة مثمنة بديعة العمل، وبها حمامات وفنادق كثيرة وأسواقها حافلة مقصودة، وأهلها ذوو يسار وأكثرهم أنباط وبها نبذ من صرحاء لواتة، وليس لمبانيها سقوف خشب إنما هي أقباء من طوب لكثرة الرياح بها، كذا كانت أول الأمر ثم أتى عليها من الأمر ما قدمناه.
أجرسيف (٣)
مدينة في أحواز تلمسان من أرض المغرب كبيرة لها بساتين كثيرة وهي على نهر ملوية وهو نهر كبير من الأنهار المشهورة، وكانت أجرسيف قرية كبيرة على النهر المذكور حتى خرج الملثمون من الصحراء فنزلوها ومدنوها وبنوا عليها سورًا من طوب.
أجنادين
بفتح الهمزة والنون والدال، بعدها ياء ونون على لفظ التثنية، موضع بالشام من بلاد الأردن، قال كثير (٤):
فإلا تكن بالشام داري مقيمة ... فإن بأجنادين مني ومسكن
مشاهد لم يعف التنائي قديمها ... وأخرى بميافارقين فموزن مسكن بالعراق وهو موضع معسكر مصعب وبه قتل، يخبر كثير أنه كان مع عبد الملك في حروبه تلك، وبأجنادين كانت الوقعة بين المسلمين والنصارى في آخر خلافة الصديق ﵁، وهي أول وقعة عظيمة كانت بالشام، وكانت (٥) سنة ثلاث عشرة قبل وفاة أبي بكر ﵁ بأربع وعشرين ليلة، قتل المسلمون منهم في المعركة ثلاثة آلاف واتبعوهم يقتلونهم ويأسرونهم، وخرج كل الروم إلى ايليا وقيسارية ودمشق وحمص فتحصنوا في المدائن العظام، وكتب خالد بن الوليد ﵁ بالفتح إلى أبي بكر ﵁: أخبرك أيها الصديق أنا لقينا المشركون وقد جمعوا لنا جموعًا جمة بأجنادين وقد رفعوا صلبهم ونشروا كتبهم وتقاسموا بالله لا يفرون حتى يفنونا أو يخرجونا من بلادهم، فخرجنا إليهم واثقين بالله متوكلين عليه، فطاعناهم بالرماح شيئًا ثم صرنا إلى السيوف فقارعناهم بها قدر جزر جزور، ثم إن الله أنزل نصره وأنجز وعده وهزم الكافرين فقاتلناهم في كل فج وشعب وغائط، فالحمد لله على إعزاز دينه وإذلال عدوه وحسن الصنع لأوليائه والسلام. وفتوح الشام متضمنة لبسط هذا الخبر المجمل.
أجياد
بفتح أوله وإسكان ثانيه وبالياء أخت الواو والدال المهملة كأنه جمع جيد، أحد جبال مكة وهو الجبل الأخضر العالي بغربي المسجد الحرام، وفي رأسه منار يذكر أن أبا بكر ﵁ أمر ببنائه ينادي عليه المؤذنون في رمضان، يقابل من الكعبة الركن اليماني يخرج إليه من باب إبراهيم ﵇ ويقابل قعيقعان من ناحية الغرب، وقال عمر بن أبي ربيعة (٦):
هيهات من أمة الوهاب منزلنا ... إذا حللنا بسيف البحر من عدنِ
_________
(١) انظر رحلة التجاني: ٢٦٢ وتاريخ ليبيا: ٢١٣.
(٢) البكري: ٥.
(٣) الاستبصار: ١٧٧ وعند الإدريسي (د): ١٧٢: آقر سيف.
(٤) ديوانه: ٢٥٠ - ٢٥١.
(٥) فتوح الأزدي: ٧٩.
(٦) ديوانه: ٤١٣.
1 / 12