قال أحمد: إن الأجساد الباقية كالحديد والنحاس والرصاص وغير ذلك أشد تفاوتا من التركيب وأكثر عكرا من الذهب والفضة. واستعمال الذهب والفضة أنجع. — وقوله: فإن اضطررت إلى استعمالها فإنك محتاج أن تردها إلى مشاكلة الجسدين، فإنه يعنى أن هذه الأجساد تحتاج أن تدبر أولا حتى تصير فى النظافة وتساوى التركيب كالذهب، ثم تدبر أيضا حتى تبلغ بها المبلغ الذى ينبغى.
قال أفلاطون: الذى تحتاج من ذلك اليسير، فلا تهتم.
قال أحمد: إن من سمع قول الفيلسوف الأول يخيل إليه أنه لا درك له فى طلب هذه الصنعة إذ كان يحتاج فى العمل الذهب وهو الذى يطلب. فأراد الفيلسوف أن يخبر أن الشىء اليسير إذا دبر يكون منه الكبير.
قال أفلاطون: واستعمل العقاقير والأحجار كما استعملت أعضاء الجوف.
قال أحمد: لعلك ذاكر قول الفيلسوف حيث أمرك أن تجعل أعضاء الجوف لتحليل الأشياء وتنقيتها وإدخال ما تريد فيها. فيقول ويأمر أن تعتمد العقاقير والأحجار كالكحل والمرقشيتا والزرانيخ والزاجات وما أشبه ذلك أيضا لتحليل الأشياء وتنقيتها وتفريق أجزائها. إلا أنه يقول إنه لا يمكن العمل منها. فقد أخبرك أن الشىء إنما تغيره من أجل التركيب. وإذا كان ذلك كذلك، فهو واجب كونه من كل الأشياء. إلا أن الفيلسوف لشفقته وضع هذا الكتاب ليخبر أنها أسهل تدبيرا وأقرب مأخذا.
قال أفلاطون: الزرانيخ مخلخلة جدا، إلا أنها تسرع فى التفريق.
قال أحمد: إن كل مخلخل باليبس يحرق الشىء ويحلله؛ وذلك أن هذا النوع من التفريق إنما هو تفرق الأجزاء؛ والتحليل الثابت هو الترطيب. وقد أخرج الفيلسوف فى الكتاب الرابع الفرق بين حل الرطب وحل اليابس لما تكلم فى إذابة الأجساد فيتحرى قوله هناك، فقد كشفت عن غامضه وبينت صوابه.
قال أفلاطون: واجعل هذه الأشياء أيضا للتوقى.
Page 145