إذا ما نظر إلى الدوارات الكبيرة وجد أنها أعرق وهما، ومن المحال أن يوفق بينها وبين مبادئ كبلر التي أثبتت حقيقتها، وقد أثبت مستر نيوتن أن دوران السيال الذي افترض انجذاب المشترى فيه، ليس حيال دوران سيال الأرض كدوران المشترى حيال دوران الأرض.
وقد أثبت أن جميع السيارات إذ تقوم بدوراتها على خطوط إهليلجية، وأن بعضها إذ يكون من حيث النتيجة على أقصى بعد من بعض، وذلك في بعدها الأقصى من الشمس، وأن بعضها إذ يكون على أدنى قرب من بعض، وذلك في قربها الأدنى من الشمس، فإن من الواجب أن تسير الأرض مثلا بأسرع ما يمكن عندما تكون أكثر ما يمكن دنوا من الزهرة والمريخ، وذلك إذ يكون السيال الذي يسير بها أكثر انضغاطا فإنه يجب أن يكون أكثر حركة، ومع ذلك فإن حركة الأرض تكون حينئذ أكثر ما يمكن تباطؤا.
وقد أثبت عدم وجود مادة سماوية تسير من الغرب إلى الشرق، ما دامت النجوم المذنبة تقطع هذه المسافات من الشرق إلى الغرب طورا، ومن الشمال إلى الجنوب طورا آخر.
وأخيرا أراد أن يحسم كل مشكلة إذا أمكن، فأثبت أو جعل محتملا على الأقل حتى عن تجارب أيضا، كون الملاء مستحيلا فردنا إلى الفراغ الذي كان أرسطو وديكارت قد أبعداه من العالم.
وهو حين قضى على دوارات مذهب ديكارت بهذه الأسباب وغيرها، يئس من إمكان معرفته وجود مبدأ خفي في الطبيعة يوجب حركة جميع الأجرام السماوية، ويوجب الثقل على الأرض، ويعتزل في سنة 1666 في الريف بالقرب من كنبردج، وبينما كان يتنزه في حديقته ويرى ثمارا تسقط من شجرة غاص في تأمل عميق حول هذا الثقل، الذي بحث جميع الفلاسفة عن سببه طويل زمن فذهبت جهودهم أدراج الرياح، والذي لا يخطر ببال العوام حتى وجود سر له، فقال في نفسه:
مهما يكن الارتفاع الذي تسقط منه هذه الأجسام في نصف كرتنا، فإن سقوطها يكون - لا ريب - ضمن التدرج الذي اكتشفه غليله، وتكون المسافات التي تقطعها مثل مربعات الأزمنة، وتكون هذه القوة التي تنزل الأجسام الثقيلة، عين القوة بلا نقصان محسوس مهما يكن عمق الأرض الذي تسقط فيه أو ارتفاع الجبل الذي تهبط عليه، ولم لا تمتد هذه القوة إلى الجبل؟ وإذا ما صح أن هذه القوة تنفذ حتى القمر أفلا يوجد احتمال كبير قائل أن هذه القوة تمسكه في مداره وتعين حركته؟ ولكن إذا كان القمر يخضع لهذا المبدأ - مهما كان أمره - أفلا يكون من الصواب كثيرا أن يذهب إلى أن السيارات الأخرى تخضع له أيضا.
وإذا كانت هذه القوة موجودة وجب - وقد أثبت هذا من جهة أخرى - أن تزيد مربعات المسافات على نسبة معكوسة، وعاد لا يبقى غير البحث في الطريق الذي يشقه الجسم الثقيل حين سقوطه على الأرض من ارتفاع متوسط، والطريق الذي يشقه في الوقت عينه جسم يسقط من مدار القمر - وعاد لا يبقى - للوقوف على ذلك، غير قياس الأرض والمسافة التي بين القمر والأرض.
ذلك هو الوجه الذي فطن له مستر نيوتن، ولكنه لم يكن في إنكلترة حينئذ غير قياسات مختلة جدا عن كرتنا، وذلك أنه كان يعتمد على تقدير الربابنة الذين كانوا يحسبون ستين ميلا إنكليزيا عن كل درجة بدلا من نحو سبعين، ولم يطابق هذا الحساب المختل ما أراد مستر نيوتن استنباطه من النتائج، فترك هذه النتائج، ولو كان الأمر نصيب فيلسوف عادي لا سبيل لغير الخيلاء عليه لوفق بين نظامه وقياس الأرض كما يشاء، ولكن مستر نيوتن فضل ترك مشروعه على مثل هذا العمل، ومما حدث بعد أن قاس مسيو بيكار الأرض بدقة ورسم خط الطول رسما مشرفا لفرنسة، أن عاد مستر نيوتن إلى أفكاره الأولى وانتفع بحساب مسيو بيكار، ومما يبدو لي رائعا دائما اكتشاف حقائق راقية بربع دائرة، وبقليل من علم الحساب.
وتعدل دائرة الأرض 123290600 قدم باريسية، فمن هذا وحده يمكن تعقب جميع نظام الجاذبية.
وتعرف دائرة الأرض، وتعرف دائرة مدار القمر وقطر هذا المدار، ويتم دوران القمر في هذا المدار في سبعة وعشرين يوما، وسبع ساعات وثلاث وأربعين دقيقة؛ ولذا فقد أثبت أن القمر يقطع في كل دقيقة من حركته المتوسطة 1870960 قدما باريسية، وقد أثبت بنظرية معروفة أن القوة المركزية التي تسقط جسما من ارتفاع القمر لا تسقطه إلا بمقدار خمس عشرة قدما باريسية في الدقيقة الأولى.
Page inconnue