مقدمة المترجم
الرسالة الأولى
الرسالة الثانية
الرسالة الثالثة
الرسالة الرابعة
الرسالة الخامسة
الرسالة السادسة
الرسالة السابعة
الرسالة الثامنة
الرسالة التاسعة
Page inconnue
الرسالة العاشرة
الرسالة الحادية عشرة
الرسالة الثانية عشرة
الرسالة الثالثة عشرة
الرسالة الرابعة عشرة
الرسالة الخامسة عشرة
الرسالة السادسة عشرة
الرسالة السابعة عشرة
الرسالة الثامنة عشرة
الرسالة التاسعة عشرة
Page inconnue
الرسالة العشرون
الرسالة الحادية والعشرون
الرسالة الثانية والعشرون
الرسالة الثالثة والعشرون
الرسالة الرابعة والعشرون
الرسالة الخامسة والعشرون
مقدمة المترجم
الرسالة الأولى
الرسالة الثانية
الرسالة الثالثة
Page inconnue
الرسالة الرابعة
الرسالة الخامسة
الرسالة السادسة
الرسالة السابعة
الرسالة الثامنة
الرسالة التاسعة
الرسالة العاشرة
الرسالة الحادية عشرة
الرسالة الثانية عشرة
الرسالة الثالثة عشرة
Page inconnue
الرسالة الرابعة عشرة
الرسالة الخامسة عشرة
الرسالة السادسة عشرة
الرسالة السابعة عشرة
الرسالة الثامنة عشرة
الرسالة التاسعة عشرة
الرسالة العشرون
الرسالة الحادية والعشرون
الرسالة الثانية والعشرون
الرسالة الثالثة والعشرون
Page inconnue
الرسالة الرابعة والعشرون
الرسالة الخامسة والعشرون
الرسائل الفلسفية
الرسائل الفلسفية
تأليف
فولتير
ترجمة
عادل زعيتر
مقدمة المترجم
أقدم ترجمة «الرسائل الفلسفية» لفولتير ...
Page inconnue
نشرت أهجوة عن الوصي على العرش الفرنسي وعزيت إلى أرويه افتراء، فاعتقل في الباستيل ابنا للثالثة والعشرين من سنيه، وقضى فيه أحد عشر شهرا، وفي الباستيل عزم أرويه على تغيير اسمه، فلما خرج منه عرف بفولتير بعد أن كان يعرف باسم أسرته ذلك.
وليست هذه هي المرة الوحيدة التي يزج فيها بفولتير في الباستيل، فبعد ثمانية أعوام من ذلك التاريخ أهانه الشريف الفارس دو روهان، ويدعو فولتير هذا الفارس إلى المبارزة، ويرضى هذا الفارس بذلك، ولكن فولتير يقابل بالاعتقال في الباستيل في صباح اليوم المعين للمبارزة بدلا منها، ويقضي في هذا المعتقل نصف عام، ويعد هذا الاعتقال قطعا مفاجئا لما كان قد اتفق لفولتير من إقبال في فرنسة وما لاح له فيها من توفيق.
ويخرج فولتير من الباستيل، ويهاجر إلى إنكلترة من فوره، ويقيم بإنكلترة ثلاث سنين (1726-1729)، ويحسن قبول فولتير في إنكلترة حيث يدرس الإنكليزية، ويتصل بعلية الإنكليز وفلاسفتهم وعلمائهم وكتابهم وشعرائهم، وحيث يعجب بالدستور الإنكليزي وبتسامح الإنكليز الديني وحريتهم السياسية أيما إعجاب، وكان لأخلاق هؤلاء القوم وعاداتهم بالغ الأثر فيه، ففي هذا الجو وضع فولتير كتاب «الرسائل الفلسفية» أو «الرسائل الإنكليزية»، حيث أثنى على نظام إنكلترة وقال: «إن أميره البالغ القدرة على صنع الخير مقيد اليدين في صنع الشر.»
ويعود فولتير إلى باريس حاملا في ذهنه كثيرا من المشاريع في الحرية السياسية والإصلاحات الدينية، ويتناول كتابه «الرسائل الفلسفية» بالتعديل والتهذيب وينشره لأول مرة في فرنسة سنة 1734.
وتقضي المحكمة العليا (البرلمان)، في 10 من يونيو 1734، بجمع نسخ هذا الكتاب وتمزيقه وتحريقه، وذلك «لمخالفته للدين وحسن الأخلاق»، ويعد هذا الحكم كتاب «الرسائل الفلسفية» أخطر ما يكون إلحادا في الدين ونظام المجتمع المدني، ولا يحول هذا دون طبع كتاب «الرسائل الفلسفية» مرارا وتوزيعه بين الناس سرا.
ويؤمر باعتقال فولتير عقابا له على تأليف ذلك الكتاب، ولم ينج فولتير من السجن في الباستيل للمرة الثالثة إلا بالفرار، ويقضي عاما في دوكية اللورين المستقلة، ثم يلغى أمر اعتقاله وتطلق له حرية العود إلى باريس (1735).
ويتفق لكتاب «الرسائل الإنكليزية» نجاح عظيم، ولم ينفك هذا النجاح يتجدد حتى يومنا هذا، وهو من أكثر ما يطالع الناس من الكتب، وهو من أكثر الأسفار تأثيرا في نفوس الناس على اختلاف أممهم ومللهم ونحلهم، ولعل ما انطوى عليه هذا الكتاب من دلالة على حيوية فولتير ونضجه وفؤاده الفياض من أهم العوامل في خلوده وما لاقى من إقبال عظيم حتى الآن.
وليس ما ينم عليه كتاب «الرسائل الفلسفية» من جرأة مؤلفه وإقدامه وصراحته هو أكثر ما يقف النظر فيه، بل اتزانه وكونه وليد ذهن رصين أثر إنصاف وتمييز بين المحاسن والأضداد. ومن ذلك أنه يظهر الكويكر فضلاء عقلاء ولكن مع شيء من إثارة السخرية حولهم، ومن ذلك أنه يظهر البرلمان الإنكليزي ناشرا للحرية السياسية والسياسة السلمية، ولكن مع كونه متصلبا بعيدا من السماحة أحيانا. ومن ذلك إظهاره المأساة الإنكليزية بعيدة من حسن الذوق، ولكن مع اشتمالها على الحركة والإبداع، ومن ذلك إظهاره نيوتن عبقريا عظيما، ولكن مع كونه ذا وساوس وسخافات، إلخ.
وتحمل «الرسائل الفلسفية» حملة صادقة على نظم فرنسة وطبائعها وآدابها السياسية في عصر فولتير، فكان هذا الكتاب من أقوى العوامل في إيقاد الثورة الفرنسية وتوجيهها من عدة نواح. وتهذيب الذوق، قبل كل شيء، هو أكثر ما هدف إليه فولتير في هذا الكتاب، فلعلي أكون قد سهلت به، وبكتاب «كنديد» الذي نقلته إلى العربية، وقوف القارئ العربي على ناحية مهمة من نواحي براعة فولتير وعبقريته.
نابلس
Page inconnue
عادل زعيتر
الرسالة الأولى
حول الكويكر
لقد رأيت أن مذهب أمة فريدة كتلك وتاريخها يستحقان فضول رجل عاقل، وقد أردت أن أكون على بينة من ذلك، فذهبت للقاء رجل من أشهر الكويكر بإنكلترة زاول التجارة ثلاثين عاما فاستطاع بعد ذلك أن يضع حدودا لنصيبه ورغائبه، وانزوى في ريف قريب من لندن، وبحثت عنه في ملجئه فوجدت هذا الملجأ منزلا صغيرا، ولكن مع حسن بناء وكثرة نظافة وعطل من الزخرف، وكان الكويكري شيخا ناضرا لم يعرف المرض إليه سبيلا؛ وذلك لأنه لم يعرف ألما ولا نهما، ولم أبصر في حياتي قط من هو أعظم منه نبلا وأشد جذبا، وقد كان مرتديا كجميع أبناء نحلته رداء بلا مطاو في الأطراف، وبلا أزرار على الجيوب والأكمام، وقد كان لابسا قبعة كبيرة ذات حافات منخفضة كالتي يلبسها قساوستنا، ويستقبلني وقبعته على رأسه، ويتقدم نحوي من غير أن يقوم بأقل حنو لبدنه، ولكن ما تنم عليه طلاقة وجهه وبشاشة محياه من أدب أعظم مما جرت عليه العادة من تأخير ساق عن ساق ومن حمل اليد ما صنع لستر الرأس، قال لي الكويكري:
أراك غريبا يا صاحبي، وما عليك إلا أن تقول لي حتى أقوم بخدمة لك ما استطعت.
وأحني جسمي، وأقدم قدما نحوه وفق عادتنا، وأقول له: «تحدثني نفسي، يا سيدي، بأنك لا تضيق ذرعا بفضولي الصادق، فلا تضن علي بمنحي شرف الاطلاع على دينك.»
ويجيب عن ذلك بقوله: «أجل، إن أبناء بلدك يبدون كثيرا من المجاملة والإكرام، ولكني لم أر بعد من أظهر منهم مثل فضولك، فادخل، ولنتغد معا قبل كل شيء.»
وآتى بمجاملة سيئة أيضا، فالإنسان لا يترك عاداته دفعة واحدة، وذلك أنني، بعد أن تناولنا طعاما بسيطا طيبا بدئ بالصلاة لله وختم بالدعاء له، أخذت في سؤال صاحبي، سائرا على غرار الكاثوليك الصالحين في طرحهم السؤال الآتي على الهوغنو غير مرة، فقلت له: «هل عمدت يا سيدي العزيز؟»
الكويكري مجيبا: «كلا، وكذلك زملائي لم يعمدوا قط.»
وأعود فأسأل: «خيرا، أنتم لستم نصارى إذن؟»
Page inconnue
ويجيب الكويكري بصوت لين: «أي بني، لا تقل هذا مطلقا، فنحن نصارى، ولنسع أن نكون نصارى صالحين، ولكننا لا نرى أن النصرانية تقوم على إلقاء ماء بارد مع قليل ملح على الرأس.»
وأرد مغاضبا من هذا الإلحاد: «إذن، أنتم نسيتم أن يوحنا عمد يسوع؟» ويقول الكويكري الحليم: «أجل، تلقى يسوع العماد من يوحنا، ولكنه لم يعمد أحدا قط، ولسنا تلاميذ يوحنا، بل تلاميذ يسوع.»
وأقول: «واها! كنت تحرق في بلد محاكم التفتيش يا مسكين! ... وي! دعني أعمدك لوجه الله وأجعل منك نصرانيا.»
ويجيب باتزان: «لو لم يجب غير هذا لإرضاء ضعفك لصنعناه طوعا، فنحن لا ندين إنسانا لقيامه بشعار العماد، وإنما نعتقد أن من الواجب على من يجهرون بدين روحي مقدس أن يمتنعوا، ما استطاعوا، عن القيام بشعائر يهودية!»
وأقول صارخا: «هذا أمر سيئ، شعائر يهودية؟!»
ويقول مواصلا: «أجل يا بني، وهذه الشعائر هي من اليهودية، فلا يزال يوجد من اليهود من يتعاطون معه مثل عماد يوحنا أحيانا، وارجع البصر إلى الأزمنة القديمة تخبرك بأن يوحنا لم يفعل غير تجديد هذا الشعار الذي كان العبريون يعملون به قبل ظهور يوحنا بزمن طويل، كما كان أمر الحج إلى مكة بين الإسماعيليين، وقد تفضل يسوع فقبل عماد يوحنا كما خضع للختان، ولكن وجب إبطال الختان والغسل بالماء بعماد يسوع، بعماد الروح هذا، بغسل النفس الذي ينجي الناس؛ ولذا كان يوحنا المعمدان يقول: «أنا أعمدكم بالماء للتوبة، وأما الذي يأتي بعدي فهو أقوى مني، وأنا لا أستحق أن أحمل حذاءه، وهو يعمدكم بالروح القدس والنار.» وكذلك كتب رسول الوثنيين الكبير بولس إلى أهل كورنتس يقول لهم: «لم يرسلني المسيح لأعمد، بل لأبشر.» وكذلك لم يعمد بولس بالماء غير شخصين، وكان هذا على الرغم منه، وقد ختن تلميذه تيموتاوس، وكان الرسل الآخرون يختنون، كذلك جميع من يريدون، فهل أنت مختون؟»
وأجيبه بأنني لم أنل هذا الشرف، ويقول: «حسنا يا صاحبي، أنت نصراني من غير أن تكون مختونا وأنا نصراني من غير أن أكون معمدا؟»
وذاك هو الوجه الذي كان صاحبي العزيز يفرط به، مع التمويه، في أمر ثلاثة نصوص أو أربعة نصوص من الكتاب المقدس تؤيد سره كما هو ظاهر، ولكن مع نسيانه وجود مائة نص دامغ له في خير دين، وقد احترزت من مجادلته في شيء لعدم وجود مطمع في متعصب، فليس من الرأي تحديث رجل عن عيوب خليلته، وتحديث مدع عن ضعف قضيته ومخاطبة مجذوب بالبراهين، وهكذا قد انتقلت إلى أسئلة أخرى، وقلت له: وأما تناول سر القربان فكيف تقومون به؟ - لا نقوم بذلك مطلقا. - ماذا؟! لا تناول سر قربان مطلقا؟! - كلا، لا شيء آخر غير تناول سر قربان القلوب.
وهنالك استشهد الكويكري بالكتاب المقدس أيضا، وهنالك بذل جهده لوعظي بنقضه تناول سر القربان، وقد خاطبني بلهجة ملهم ليثبت لي أن كل تناول لسر القربان من اختراع الإنسان، وأن الإنجيل خال من كلمة تناول سر القربان، وقد قال لي: «اغفر لي جهلي، فلم آتك بجزء من مائة من براهين ديني، ولكنك تستطيع أن تطلع عليها في بيان عن إيماننا لروبرت باركلي، فهذا من أروع الكتب التي دبجها يراع الإنسان، ويجمع أعداؤنا على أن هذا الكتاب بالغ الخطر، وهذا يثبت مبلغ صوابه.» وأعد الكويكري بمطالعته، ويعتقد الكويكري أنني تحولت إلى دينه!
وبعد ذلك ترضاني الكويكري بكلمات قليلة لا تخلو من غرابة بسط فيها أمر تلك الطائفة غير مراع للأخرى، فقد قال:
Page inconnue
اعترف بأنه كان يشق عليك أن تمنع نفسك من الضحك عندما أجبت عن جميع مجاملاتك لابسا قبعتي على رأسي مخاطبا إياك بصيغة المفرد، ومع ذلك أراك من الثقافة ما لا تجهل معه عدم وجود أمة منذ زمن يسوع كانت من الحماقة ما تستبدل معه الجمع بالمفرد، فكان يقال للقيصر أغسطس: «أحبك، أرجوك، أشكرك»، حتى إنه كان لا يألم إذا ما نودي بالسيد
1
ولم يعن للناس إلا بعد زمن طويل من عهده أن يتنادوا ب «أنتم» بدلا من «أنت»، كما لو كانوا ضعف أنفسهم، وأن يغتصبوا ألقاب العظمة والسماحة والقداسة عن وقاحة، وأن تفسح الخراطين
2
في المجال لخراطين أخرى مؤكدة لها، مع الإكرام البالغ والرئاء الفاضح، كونها خدما لها وضعاء خضعا، ونحن كيما نكون أكثر احترازا حيال هذه المعاشرة الشائنة القائمة على الكذب والخداع، نخاطب الملوك والسكافين بصيغة المفرد على السواء، ولا نحيي أحدا غير حاملين للناس سوى المحبة وغير مبدين احتراما لسوى القوانين.
ونلبس كذلك ثيابا تختلف عما يلبس الآخرون بعض الاختلاف؛ وذلك لكي يكون لنا هذا تنبيها إلى عدم مشابهتهم، ويحمل الآخرون سمات دالة على مقامهم ونحن نحمل سمات التواضع النصراني، ونحن نتجنب مجالس اللهو والمشاهد واللعب؛ وذلك لأن مما يؤلمنا أن نملأ بالترهات قلوبا يجب أن تكون عامرة بالله، ونحن لا نحلف مطلقا، حتى أمام القضاء؛ وذلك لأننا نرى ألا يخفض اسم الرب الأعلى في منازعات الناس الساقطة، وإذا ما وجب أن نمثل بين أيدي القضاة من أجل قضايا الآخرين (لأنه لا دعاوى لنا مطلقا) وكدنا الحقيقة ب «نعم» أو ب «لا»، وصدق القضاة قولنا؛ وذلك على حين يحلف كثير من النصارى على الإنجيل زورا، ونحن لا نذهب إلى الحرب أبدا، وليس هذا عن خوف من الردى، فعلى العكس تبصرنا نبارك للساعة التي نلحق فيها بواجب الوجود، وإنما ينشأ ذلك عن كوننا لسنا ذئابا ولا نمارا ولا كلابا، وإنما يأتينا ذلك عن كوننا بشرا، عن كوننا نصارى، ولا يريد الرب الذي أمرنا بأن نحب أعداءنا وبأن نصبر على الأذى من غير تذمر، أن نعبر البحر لذبح إخواننا لا ريب؛ وذلك عن جمع أناس من القتلة، لابسين ثيابا حمرا وقلانس طولها قدمان، مواطنين للجندية بصوت يصدر عن ضرب عصوين صغيرتين على جلد حمار مشدود جيدا، فإذا ما تم النصر في المعارك أضاءت لندن بالأنوار، واشتعلت السماء بالأسهم النارية ودوى الهواء بصلوات الشكر وأصوات الأجراس والأراغن والمدافع، وهنالك يعترينا حزن عميق على ما وقع من تقتيل أوجب ابتهاج الجمهور.
الرسالة الثانية
حول الكويكر
ذلك هو الحديث الذي دار بيني وبين ذاك الرجل الشاذ، ولكن اعتراني دهش أكثر مما تقدم عندما أتى بي إلى كنيسة الكويكر يوم الأحد التالي. وللكويكر بيع
1
Page inconnue
كثيرة في لندن، والبيعة التي جيء بي إليها قريبة من العمود المشهور الذي يسمى النصب التذكاري، وكان الناس مجتمعين حين دخولي مع رائدي، وكان عددهم نحو أربعمائة رجل وثلاثمائة امرأة، وكان النساء يحجبن وجوههن بمراوحهن، وكان الرجال لابسين قبعاتهم الواسعة، وكان الجميع جلوسا صامتين صمتا عميقا، وأمر بينهم من غير أن يرفع أي واحد منهم بصره إلي، ويدوم هذا الصمت نحو ربع ساعة، ثم ينهض أحدهم وينزع قبعته ويزوي ما بين عينيه ويتنهد ويخن بكلام مبهم مقتبس من الإنجيل كما يرى من غير أن يعي هو أو غيره شيئا من ذلك، فلما فرغ هذا المقطب من مناجاته لنفسه، وتفرق الجمع متأثرا متبلدا سألت صاحبي الكويكري عن السبب في احتمال أعقل هؤلاء لمثل تلك الحماقات، فقال لي:
نحن ملزمون بالإغضاء عنها؛ وذلك لأننا لا نستطيع أن نعرف هل يكون الرجل الذي ينهض ملهما عن عقل أو خبل، فنحن، عند الشك، نستمع إلى الجميع صابرين، فنبيح حتى للنساء أن يتكلمن، وفي الغالب يكون اثنتان أو ثلاث من تقياتنا ملهمات معا، فهنالك يرتفع ضجيج في بيت الرب. - إذن، ليس عندكم قسوس؟ - كلا يا صاحبي، ونطيب نفسا بهذا، ومعاذ الله أن نقدم يوم الأحد على الإيعاز إلى أي كان بأن يفوز بالروح القدس دون غيره من المؤمنين، ونحمد الله على أننا وحدنا في الدنيا خالون من قسيسين، أو تريد أن تنزع منا هذا الامتياز البالغ اليمن؟ لا يلبث هؤلاء المرتزقة أن يسيطروا على البيت وأن يجوروا على الأم والولد، وقد قال الرب: «مجانا أخذتم فمجانا أعطوا»، وهل نساوم بعد هذا الكلام، حول الإنجيل؟ وهل نبيع الروح القدس؟ وهل نجعل من مجتمع النصارى حانوت تجار؟ فنحن لا نهب مالا لمن يلبسون ثيابا سودا كيما يساعدون فقراءنا ويدفنون موتانا ويعظون المؤمنين، وهذه الأعمال المقدسة هي من النفاسة ما لا نتخلى عنها لآخرين. - ولكن كيف تستطيعون أن تدركوا أن الروح القدس هو الذي يحرككم في خطبكم؟ - ليوقن من يدعو الله أن ينير بصيرته، ومن يبشر بالحقائق الإنجيلية أن الله يلهمه.
وهنالك يمطرني وابلا من نصوص الإنجيل التي يرى أنها تثبت عدم وجود ديانة نصرانية بلا وحي مباشر، ويضيف إلى هذا قوله:
إذا ما حركت عضوا من أعضائك فهل تحركه بقوتك؟ كلا لا ريب؛ وذلك لأن لهذا العضو، في الغالب، حركات غير إرادية؛ ولذا فإن الذي خلق جسمك هو الذي يحرك هذا الجسم الفاني، وهل أنت الذي يكون ما تتلقى نفسك من أفكار؟ كلا، وذلك لأنها تأتيك على الرغم منك؛ ولذا فإن خالق نفسك هو الذي يعطيك أفكارك، ولكن بما أنه ترك الحرية لفؤادك فإنه أعطى نفسك من الأفكار ما يستحق فؤادك، فأنت تحيا في الله، وفي الله تتحرك وتفكر، فما عليك، إذن، إلا أن تفتح عينيك لهذا النور الذي ينير جميع الناس حتى ترى الحقيقة فتريها.
وهنالك أصرخ قائلا: «آه! ذلك هو الأب ملبرنش الذي هو بالغ الطهارة!»
فيقول: «أعرف ملبرنشك، فقد كان على شيء من الكويكرية، ولكن ليس بما فيه الكفاية.»
فتلك هي أهم الأمور التي عرفتها عن مذهب الكويكر، وفي الرسالة التالية ترون تاريخهم الذي تجدونه أكثر غرابة من مذهبهم.
الرسالة الثالثة
حول الكويكر
رأيتم أن تاريخ الكويكر يرجع إلى زمن يسوع المسيح الذي يعدونه أول كويكري، وهم يقولون إن الدين فسد بعد وفاته تقريبا، وإنه استمر على هذا الفساد نحو ستة عشر قرنا، ولكن مع وجود نفر من الكويكر محتجبين في العالم دائما، وذلك مع العناية بحفظ النار المقدسة الهامدة في كل مكان آخر، وذلك إلى أن انتشر هذا النور في إنكلترة سنة 1642.
Page inconnue
وبينا كانت ثلاث طوائف، أو أربع طوائف، تمزق بريطانية العظمى بالحروب الأهلية، وذلك باسم الرب، عن لابن عامل في معمل حرير، من كونتية ليستر، اسمه جورج فوكس، أن يقوم بالوعظ كرسول حقيقي، فيدعو إلى ما يزعم، وذلك من غير أن يعرف قراءة ولا كتابة، وقد كان شابا في الخامسة والعشرين من سنيه ذا أخلاق خالية من كل عيب وذا هوس عن قدس، وقد كان يلبس رداء من جلد ساتر لما بين قدميه ورأسه، وقد كان ينتقل بين قرية وقرية صارخا ضد الحرب وضد الإكليروس، ولو اقتصر وعظه على رجال الحرب لم يكن في الأمر ما يخشى، ولكنه كان يهاجم رجال الدين؛ ولذا لم يلبث أن ألقي في السجن، ويؤتى به أمام قاضي الصلح في دربي، ويمثل فوكس بين يدي هذا الحاكم لابسا قلنسوته الجلدية، ويصفعه عريف بشدة وهو يقول له: «ألا تعرف، أيها الوغد، أن من الواجب على المرء أن يمثل بين يدي القاضي حاسر الرأس؟» ويدير فوكس خده الآخر ويرجو من العريف أن يلطمه مرة أخرى حبا لله، ويريد قاضي دربي أن يحلفه قبل أن يسأله، فيقول للقاضي: «اعلم، يا صاحبي أنني لا أعبث باسم الله.» ويبصر القاضي أن الرجل يخاطبه بصيغة المفرد فيرسله إلى دار المجانين حتى يجلد، ويذهب جورج فوكس، وهو يحمد الله، إلى هذا المارستان حيث لا يقصر في تنفيذ حكم القاضي تماما، ويدهش القائمون بجلده حين رأوه يرجو منهم أن يمنوا عليه ببضع جلدات أخرى نفعا لنفسه، ولم يبطئ هؤلاء السادة في قبول طلبه، وينال فوكس ضعف المفروض، فيشكر لهم ذلك من صميم فؤاده، ويأخذ في وعظهم، ويسخر منه في البداءة، ثم يستمع إليه، وبما أن الحمية مرض يكتسب فقد قنع كثير منهم، فكان جلادوه تلاميذه الأولين.
ويطلق، فيجوب الحقول مع نفر من المهتدين حديثا، ويعظ ضد الإكليروس دائما فيجلد حينا بعد حين، ويربط على عمود التشهير ذات يوم، فيخطب في الجمهور بما أوتي من قوة، فيسفر هذا عن هداية خمسين من المستمعين ، وهو يبلغ من اجتذاب الباقين، ما ينقذ معه من الحفرة التي كان فيها، ويبحث عن الكاهن الأنغليكاني الذي أدى باعتباره إلى الحكم على فوكس بذلك العقاب ويشد إلى عمود التشهير بدلا منه.
وكان من الجرأة ما حول معه بعض جنود كرومويل إلى مذهبه، فتركوا حرفة السلاح ورفضوا معه تأدية اليمين، وما كان كرومويل ليريد وجود طائفة لا تقول بالقتال مطلقا، شأن سيكست كنت الذي كان يتطير بطائفة لم يناد فيها إلى الطعان، فيلجأ إلى سلطانه في اضطهاد هؤلاء الطارئين، ويملأ السجون بهم، غير أن الاضطهادات لم تصلح لغير صنع مهتدين جدد تقريبا؛ وذلك أنهم كانوا يخرجون من السجون ثابتين على العهد متبوعين من قبل من هدوا من السجانين، ولكن إليك أكثر ما ساعد على انتشار المذهب، وذلك أن فوكس كان يعتقد أنه ملهم، فرأى وجوب كلامه بأسلوب يخالف أساليب الآخرين، ويأخذ في الارتجاف والتشنج والتقطيب، وحبس النفس وإخراجه بشدة، ولم تكن كاهنة دلف لتفعل أحسن من هذا، وينال في زمن قليل عادة في الإلهام كبيرة، ولم يلبث أن صار عاجزا عن الكلام على وجه آخر، وكانت هذه أول هبة حبى بها أتباعه، وهم إذا ما زووا بين عيونهم على غرار معلمهم كان هذا عن حسن نية، وهم يهتزون بما أوتوا من قوة حين الإلهام، ومن هنا تسموا بالكويكر؛ أي بالمرتجفين، ويرتجفون ويخنون ويتشنجون، ويعتقد تداركهم بالروح القدس، وكان لا بد لهم من معجزات، فأتوها.
قال الأب فوكس لقاضي الصلح أمام جمع كبير: «أيها الصاحب، احذر، فالرب سيجعل لك العقاب من أجل اضطهادك أولياءه.» وكان هذا القاضي سكيرا شاربا للجعة الرديئة والعرق ليل نهار، ويموت بداء السكتة بعد يومين، كما لو كان الحادث مثل إمضائه أمرا بإرساله بعض الكويكر إلى السجن، ولم يعز هذا الموت الفجائي قط إلى إفراط القاضي، بل عده جميع الناس نتيجة لنبوءة ذاك القديس.
وقد نشأ عن هذه الوفاة من تحويل إلى الكويكرية أكثر مما يؤدي إليه ألف وعظ وألف تشنج، ويبصر كرومويل ازدياد عددهم يوما بعد يوم فيريد اجتذابهم إليه، فيعرض عليهم مالا فيجدهم أعفاء. ويقول كرومويل: إن هذه الديانة هي الوحيدة التي لم يستطع أن ينتصر عليها بالجنيهات.
أجل، إنهم اضطهدوا في عهد شارل الثاني أحيانا، ولم يقع هذا بسبب ديانتهم، بل نشأ عن عزمهم على عدم إيتاء الإكليروس زكاة، وعن مخاطبتهم القضاة بصيغة المفرد، وعن امتناعهم عن تأدية اليمين كما يأمر القانون.
وأخيرا يقدم الإسكتلندي، روبرت باركلي، إلى الملك رسالة «اعتذار الكويكر»، وكان هذا في سنة 1675، وكان الكتاب أحسن ما يمكن أن يكون، وتشتمل هذه الرسالة المهداة إلى شارل الثاني على حقائق جريئة ونصائح صائبة، لا على مداهنات دنيئة.
وقد قال في آخر هذه الرسالة: «لقد ذقت حلاوة ومرارة، كما ذقت يسرا، وأقصى ما يكون من بلاء، وقد طردت من البلاد التي تحكم فيها، وقد شعرت بثقل الضيم وبمقدار ما يكون الباغي ممقوتا عند الله والناس، فإذا ما قسا قلبك بعد الذي أصابك من محن كثيرة وبركات وافرة، وإذا ما نسيت أن الله ذكرك في نكباتك كان جرمك عظيما، ونلت عقابا شديدا؛ ولذا فاستمع إلى صوت الضمير الذي لا يخادعك مطلقا، بدلا من الإصغاء إلى متملقي بلاطك، وتراني صديقك التابع المخلص: باركلي.»
وأغرب ما في الأمر كون هذا الكتاب موجها إلى الملك من قبل رجل وضيع القدر فاتفق له من الأثر ما زال معه الاضطهاد.
الرسالة الرابعة
Page inconnue
حول الكويكر
ويظهر - حوالي هذا الزمن - وليم بن الشهير الذي أقام سلطان الكويكر بأمريكة وجعلهم محترمين في أوروبة ما استطاع الناس أن يحترموا الفضيلة مضمرة تحت ظواهر مثيرة للسخرية، وكان وليم بن ابنا وحيدا للفارس بن؛ أي لنائب أمير البحر بإنكلترة والمقرب لدى دوك يورك الذي صار جيمس الثاني.
ومما حدث أن التقى وليم بن، وهو في الخامسة عشرة من سنيه بكويكري في أكسفورد حيث كان يدرس، فأقنعه هذا الكويكري، ولم يلبث الشاب النشيط، الفصيح بفطرته، والذي تدل سيماه وأوضاعه على الشرف، أن فاز ببعض زملائه، ويقيم - من حيث لا يدري - جمعية من فتيان الكويكر الذين كانوا يجتمعون في منزله، فيجد نفسه رئيسا لطائفة في السادس عشر من عمره.
ويعود إلى نائب أمير البحر أبيه بعد أن تخرج من الكلية، ويدنو من أبيه لابسا قبعته بدلا من الركوع أمامه وطلب البركة منه على حسب عادة الإنكليز، ويقول له: «سررت كثيرا يا صاحبي إذ رأيتك تتمتع بصحة جيدة.» ويعتقد نائب أمير البحر أن ابنه صار مجنونا، ولكنه لم يلبث أن أبصر أن ولده كان كويكريا، فاتخذ جميع ما تمليه حكمة الإنسان من الوسائل حملا له على الحياة كغيره، فلم يكن جواب الشاب حيال والده غير إغرائه على انتحال الكويكرية مثله.
وأخيرا؛ يجنح الأب إلى عدم مطالبة ابنه بشيء غير الذهاب لمقابلة الملك ودوك يورك واضعا قبعته تحت إبطه، وغير مخاطب إياه بصيغة المفرد، ويجيب وليم عن هذا بقوله: إن ضميره لا يجيز له هذا، فلما يئس الأب من الابن وكاد يتميز من الغيط طرد ولده هذا من منزله. ويحمد الشاب بن ربه على ما أصابه من ألم في سبيله، ويذهب للوعظ في المصر ويوفق لهداية كثير من الناس.
وتتضح السبل بمواعظ المبشرين كل يوم، وبما أن بن كان شابا وسيما حسن التكوين فإن نساء البلاط والمصر كن يهرعن إليه ليستمعن له عن ورع، ويأتي الأب جورج فوكس من أقاصي إنكلترة للاجتماع به في لندن نظرا إلى شهرته، ويعزم الاثنان على التبشير في البلدان الأجنبية، ويبحران إلى هولندة بعد أن تركا في لندن عددا كافيا من العمال لتعهد الكرمة، ويكتب لهما توفيق كبير في أمستردام، ولكن أكثر ما شرفا به فكان أعظم خطر حاق بتواضعهما هو استقبالهما من قبل بلاتينا إليزابت التي كانت عمة لملك إنكلترة جورج الأول، فاشتهرت بذكائها ودرايتها وأهدى إليها ديكارت روايته الفلسفية.
وكانت حينئذ معتزلة في لاهاي حيث التقت بهؤلاء الكويكر الذين كانوا يسمون أصحابا في هولندة في ذلك الوقت، وتجتمع بهم عدة مرات، ويقومون بالوعظ في منزلها غالبا، وهم وإن لم يجعلوا منها كويكرية خالصة، اعترفوا - على الأقل - بأنها لم تكن بعيدة من ملكوت السماوات.
وبذر الأصحاب في ألمانية أيضا، ولكنهم حصدوا قليلا، فما كانت عادة المخاطبة بصيغة المفرد لتستطاب في بلد يجب ألا تفارق الفم فيه كلمات صاحب السمو وصاحب السعادة، ويعود بن إلى إنكلترة من فوره نظرا إلى ما تلقى من خبر مرض أبيه، ويأتي لمساعدته حين وفاته، ويتصالح نائب أمير البحر وابنه ويقبله تقبيل حنان على ما بينهما من اختلاف في المذهب، ويعظه وليم بألا يتناول سر القربان وبأن يموت كويكريا، فيذهب وعظه أدراج الرياح، وينصح الشيخ البسيط وليم بأن يضع أزرارا على كميه ومبرومات على قبعته، فيذهب نصحه أدراج الرياح.
ويرث وليم أموالا عظيمة، وترى بينها ديون على التاج ناشئة عن سلفات قدمها أمير البحر في غزوات بحرية، ولم يكن في ذلك الحين ما هو أقل ضمانا من مال يكون الملك به مدينا، ويضطر بن إلى مقابلة شارل الثاني ووزرائه غير مرة ومخاطبتهم بصيغة المفرد وصولا إلى تأدية بدل الدين إليه، وتمنحه الحكومة في سنة 1680، ملك إقليم في أمريكة واقع جنوب مريلندة وسيادة هذا الإقليم، وذلك عوضا من المال، وهكذا يصبح كويكري أميرا، ويذهب إلى بلده الجديد في مركبين مشحونين بمن اتبعه من الكويكر، ويسمى هذا البلد بنسلفانية منذ ذلك الزمن، نسبة إلى بن، ويؤسس في هذا البلد مدينة فيلادلفية التي غدت كثيرة الازدهار في هذه الأيام، ويأخذ في عقد محالفات مع جيرانه من الأمريكيين، وهذه هي المعاهدة الوحيدة بين النصارى وهؤلاء الناس لم تشفع بيمين ولم تنقض مطلقا، ويبدو الأمير الجديد مشترعا لبنسلفانية، ويضع قوانين بالغة الحكمة لم يغير أي واحد منها حتى الآن، وينص أول قانون منها على عدم الإساءة إلى أحد بسبب دينه، وعلى عد جميع الذين يؤمنون بالله إخوة.
ولم يكد يقيم حكومته حتى جاء هذه المستعمرة تجار كثير ليعمروها، ويأنس أبناء البلاد الأصليون إلى هؤلاء الكويكريين المسالمين رويدا رويدا، وذلك بدلا من أن يفروا إلى الغاب، ويحب أبناء البلاد الأصليون هؤلاء القادمون الجدد بمقدار مقتهم للنصارى الآخرين الفاتحين لأمريكة والمخربين لها، ولم يمض غير زمن قليل حتى أتى عدد كبير من هؤلاء المتوحشين المزعومين، الذين فتنوا برفق هؤلاء الجيران، طالبا من وليم بن أن يقبله بين أتباعه، وكان من المناظر الجديدة أن يرى أمير يخاطبه جميع الناس بصيغة المفرد، وأن يحادث والقبعة على الرأس، وأن ترى حكومة بلا قسوس وأمة بلا سلاح ومواطنون متساوون أمام القضاء وجيران بلا حسد.
Page inconnue
وكان يمكن وليم بن أن يباهي بكونه جلب إلى الأرض ذلك العصر الذهبي الذي يحدث عنه كثيرا، والذي لم يوجد في غير بنسلفانية على ما يحتمل، وقد عاد إلى إنكلترة بعد موت شارل الثاني من أجل أمور خاصة ببلده الجديد، وكان الملك جيمس يحب الابن مثل سابق حبه لأبيه، فعاد لا يعده تابعا لبدعة خامل الجاه، بل رجلا عظيم القدر، وتلائم سياسة الملك في هذا ذوقه، ويرغب في مداراة الكويكر بإلغائه القوانين التي وضعت ضد من هم غير أنغليكان قاصدا إمكان إدخال المذهب الكاثوليكي تحت ظل هذه الحرية، وتبصر طوائف إنكلترة كلها هذا الشرك، فلا تدع نفسها تقع فيه، وهي ما انفكت تتحد حيال الكثلكة التي تحسبها عدوتها المشتركة، ولكن بن لا يرى أن يعدل عن مبادئه إكراما للبروتستان الذين يمقتونه ومخالفة لملك يحبه، وبن هو الذي أقام حرية الضمير في أمريكة، فلم يكن ليرغب في القضاء عليها بأوروبة، ويبقى وفيا لجيمس الثاني، ويبدي من الوفاء له ما يتهم معه بأنه من اليسوعيين، وتؤذيه هذه الفرية كل الأذى، فيضطر إلى تسويغ موقفه بما ينشر من مقالات، ومع ذلك فإن التعس جيمس الثاني، الذي كان مزيجا من العظمة والضعف، كجميع آل ستوارت تقريبا، قد خسر مملكته من غير أن يستطاع بيان كيفية وقوع الأمر.
وتقبل جميع الطوائف الإنكليزية من وليم الثالث وبرلمانه تلك الحرية التي لم ترد تلقيها من جيمس، وكان من نتيجة ذلك أن صار الكويكر يتمتعون، بقوة القوانين، بجميع الامتيازات التي يحرزونها اليوم، ويعود بن إلى بنسلفانية بعد أن أبصر قيام نحلته في مسقط رأسه بلا معارضة، ويستقبله ذووه والأمريكيون وعيونهم تفيض من الدمع ابتهاجا كما لو كان والدا عائدا ليرى أولاده، وقد رعيت حرمة جميع قوانينه في أثناء غيابه رعاية دينية لم تتفق لمشترع قبله، وقد بقي بضع سنين في فيلادلفية، ثم غادرها على الرغم منه كيما يلتمس فوائد جديدة من لندن نفعا لتجارة البنسلفانيين، ويعيش بلندن حتى بلغ أقصى المشيب، ويعد زعيما لشعب ورئيسا لديانة، ويتوفى سنة 1718.
ويحفظ لذريته ملك بنسلفانية وحكومتها، ويبيعون الحكومة من الملك باثنتي عشرة ألف قطعة من النقود، ولم تكن أشغال الملك لتسمح له بدفع ما يزيد على ألف، وقد يظن القارئ الفرنسي أن الوزارة تؤدي إليه وعودا في مقابل بقية الحساب، ولكن شيئا من هذا لم يقع، وذلك أن التاج، إذ لم يقم بدفع جميع المبلغ في الوقت المعين، عد عقده باطلا، فعاد إلى آل بن سابق حقوقهم.
ولا أستطيع أن أتنبأ بمصير ديانة الكويكر بأمريكة، ولكن الذي أرى أنها تتوارى بلندن مقدارا فمقدارا، ومن الواقع في جميع البلدان أن الديانة المسيطرة تبتلع ما سواها إذا لم تسلك سبيل الاضطهاد، ومن الواقع أن الكويكر لا يستطيعون أن يكونوا أعضاء في البرلمان ولا أن يتقلدوا أي منصب كان لما يقتضي هذا وذاك من اليمين التي لا يريدون تأديتها مطلقا، فاضطروا لهذا السبب أن يلجئوا إلى التجارة كسبا للمال، ويريد أولادهم الذين اغتنوا بحرفة آبائهم أن يتمتعوا وأن ينالوا ألقابا وأزرارا وزخرفا على أطراف الأكمام، ويعتريهم خجل من أن يدعوا كويكر فيتحولون إلى بروتستان حتى يكونوا على الموضة.
1
الرسالة الخامسة
حول الديانة الأنغليكانية
هذا هو بلد الملل والنحل، ويذهب الإنكليزي، كرجل حر إلى السماء من الطريق الذي يروقه. ومع ذلك فإن كل واحد، وإن أمكنه أن يعبد الله كما يهوى، يرى أن ديانته الحقيقية؛ أي الديانة التي تؤدي إلى السعادة هي الديانة الأنغليكانية ذات الأساقفة، ولا يمكن أن تنال وظيفة في إنكلترة وأيرلندا ما لم يكن الطالب من الأنغليكان، وهذا السبب - الذي هو دليل واضح - أدى إلى تحويل كثير من غير الأنغليكان إلى الأنغليكانية، فبلغ الأمر من الاستفحال ما ترى معه اليوم أقل من نصف عشر الأمة خارج نطاق الكنيسة المسيطرة.
وقد أبقى الإكليروس الأنغليكاني كثيرا من الطقوس الكاثوليكية، ولا سيما أمر تناول الزكاة مع زيادة الانتباه، وتجد لدى هؤلاء الناس طموحا تقيا إلى السلطة أيضا.
وفضلا عن ذلك تجدهم يثيرون بين أتباعهم حمية دينية ضد من هم غير أنغليكان، وكانت هذه الحمية على شيء من الشدة أيام حكم المحافظين في السنين الأخيرة من عهد الملكة أنا، ولكن مدى هذه الحمية كان لا يمتد، أحيانا، إلى أبعد من تحطيم زجاج النوافذ في بيع الملاحدة؛ وذلك لأن زوبعة الفرق في إنكلترة انتهت بالحروب الأهلية، وعادت في عهد الملكة أنا لا تكون غير ضجيج أصم في بحر يظل هائجا بعد العاصفة، ولما مزق الأحرار والمحافظون بلدهم، كما صنع الغلف والجبلين بإيطالية فيما مضى، وجب تدخل الدين بين الفرق، وكان المحافظون قائلين للأنغليكانية ذات الأساقفة، وكان الأحرار يريدون إلغاءها، ولكنهم اكتفوا بالحط من قدرها عندما صاروا سادة.
Page inconnue
وكانت الكنيسة الأنغليكانية تعد الكونت هارلي الأكسفوردي واللورد بولنغبروك مدافعين عن امتيازاتها المقدسة منذ جعلا الناس يشربون نخب المحافظين، وكان يوجد لمجلس الإكليروس الأدنى، الذي هو مجلس نواب مؤلف من رجال الدين كما يمكن أن يحسب، بعض الاعتبار في ذلك الحين، فقد كان يتمتع على الأقل بحرية الاجتماع وإقامة البرهان، وإحراق بعض كتب الإلحاد حينا بعد حين؛ أي الكتب المخالفة له، ولا تسمح وزارة الأحرار، القابضة على زمام الأمور في الوقت الحاضر لهؤلاء السادة بعقد جلساتهم، فتراهم مقصورين في ظلماء خورنيتهم على القيام بالدعاء إلى الرب أن يؤيد الحكومة التي لا يغيظهم اضطراب أمرها، وأما الأساقفة البالغ عددهم ستة وعشرين، فلهم مقاعد في المجلس الأعلى على الرغم من الأحرار؛ وذلك لبقاء سوء الاستعمال القديم الذي يعدون به بارونات، ولكنهم عادة لا يكون لهم في المجلس مثل سلطان الدوكات والأمراء في برلمان باريس، وتوجد في اليمين التي تؤدى إلى الدولة فقرة يختبر بها صبر هؤلاء السادة النصراني.
ففيها يوعد بالانتساب إلى الكنيسة كما نص عليه القانون، ولا يوجد أسقف ولا عميد ولا رئيس قسوس لا يرى أمره من حق إلهي؛ ولذا يكون من الإهانة لهم أن يحملوا على الاعتراف بأنهم يستمدون كل أمر من قانون رذيل وضعه علمانيون مدنسون للقدسيات، ومما وقع منذ زمن قليل أن وضع قسيس (الأب كورايه) كتابا لإثبات صحة المراتب الأنغليكانية وترادفها، وقد قضي بإتلاف هذا الكتاب في فرنسة، ولكن هل ترون أنه راق الوزارة الإنكليزية؟ كلا، فمما لا يبالي به هؤلاء الأحرار الملعونون كون تتابع الأساقفة قد قطع عندهم أو لا، وكون الأسقف باركر قد سيم في حانة - كما يراد - أو في كنيسة، وإنما يؤثرون أن ينال الأساقفة سلطانهم من البرلمان على نيله من الرسل، ويقول اللورد ب ... إن مبدأ الحق الإلهي هذا لا ينفع لغير صنع طغاة لابسين حللا إكليروسية مع أن القانون يصنع مواطنين.
وأما من حيث الخصال فالإكليروس الأنغليكاني أكثر انتظاما من الإكليروس الفرنسي، وعلة ذلك أنهم ينشئون في جامعة أكسفورد أو في جامعة كنبردج بعيدين من فساد العاصمة، وأنهم لا يدعون إلى مناصب الكنيسة إلا بعد مرور زمن وفي سن لا يكون لدى الإنسان من الأهواء فيها غير الطمع، وذلك حين يعوز الزاد طموحهم، فالوظائف هنا تكون مكافأة على خدم طويلة في الكنيسة كما في الجيش، فلا يرى وقت الخروج من الكلية أساقفة شبان ولا زعماء في الجيش فتيان، وإلى هذا أضف كون القسوس متزوجين، وما يتعود في الجامعة من ألطاف سيئة وما يكون من قلة مصاحبة للنساء فيها يحمل الأسقف، عادة، على الاكتفاء بامرأته، ويذهب القسوس إلى الحانة أحيانا؛ وذلك لأن العرف يبيح لهم هذا، وهم إذا ما سكروا كان هذا برصانة ومن غير فضيحة.
ولا عهد لإنكلترة بذلك المخلوق المستغلق الذي ليس إكليروسيا ولا زمنيا، والذي يدعى أبا روحيا، فجميع رجال الدين في إنكلترة متحفظون، وكلهم متحذلقون، وهم إذا ما علموا وجود شباب في فرنسة عرفوا بالفجور وارتقوا إلى الحبرية بمكايد النساء فيقومون بأمور الغرام جهرا، وأنهم يبتهجون بتأليف أناشيد ناعمة، وأنهم يقيمون في كل يوم ولائم عشاء لذيذة طويلة، وأنهم يذهبون من هنالك لالتماس الأنوار من الروح القدس، وأنهم يكونون من الوقاحة ما يتسمون معه بورثة الرسل، حمدوا الله على بروتستانيتهم، بيد أنهم ملاحدة خبثاء يستحقون أن يحرقوا مع الشيطان كما قال المعلم فرنسوا رابله؛ ولذا فإنني لا أعنى بأمورهم.
الرسالة السادسة
حول البرسبيتاريين
لا تنتشر الديانة الأنغليكانية في غير إنكلترة وأيرلندا، والبرسبيتارية هي الديانة السائدة لاسكتلندة، وليست هذه البرسبيتارية شيئا غير الكلفينية الخالصة، وذلك كما كانت قد أقيمت في فرنسة وكما هي الآن في جنيف، وبما أن قساوسة هذه الفرقة لا ينالون من كنائسهم غير رواتب زهيدة جدا؛ ومن ثم لا يستطيعون العيش بمثل ترف الأساقفة؛ فإن من الطبيعي أن يرفعوا عقيرتهم حيال المراتب السنية التي لا يستطيعون الارتقاء إليها، وتمثلوا المختال ذيوجانس الذي كان يزدري خيلاء أفلاطون تجدوا أن برسبيتاريي اسكتلندة لا يخلون من مشابهة لهذا المبرهن المختال الخبيث، فقد عاملوا الملك شارل الثاني باحترام أقل مما عومل به الإسكندر من قبل ذيوجانس؛ وذلك لأنهم حينما حملوا السلاح في سبيل هذا الملك المسكين كيما يقاتلون كرومويل الذي كان قد خادعهم ألزموه باحتمال أربع مواعظ في كل يوم، ومنعوه من اللهو واللعب، وفرضوا عليه التقشف، ففر من بين أيديهم كما يفر الطالب من المدرسة.
ويعد اللاهوتي الأنغليكاني مثل كاتون أمام الشاب النشيط الفرنسي الذي يملأ مدارس اللاهوت صياحا في الصباح، فإذا ما حل المساء قضى وقته مع النساء شاديا، ولكن كاتون هذا يبدو مراودا أمام البرسبيتاري الاسكتلندي، فهذا الأخير يظهر اتزانا في حركته، ويتكلف ظاهرا من الغضب في هيئته، ويلبس قبعة واسعة ومعطفا طويلا فوق ثوب قصير، وهو إذا ما وعظ فمن أنفه، وهو يطلق اسم عاهرة بابل على جميع الكنائس التي يسعد الحظ بعض رجالها، فينالون في كل عام دخل خمسين ألف فرنك، والتي يكون الشعب فيها من الجود ما يصبر معه على هذا فيدعو الواحد منهم ب «مولانا» أو «عظمتكم» أو «سماحتكم».
وجعل هؤلاء السادة، الذين لهم بضع كنائس في إنكلترة أيضا ، عبوس الملامح واتزان الأوضاع من موضة هذا البلد، ويعد تقديس يوم الأحد مدينا لهؤلاء في الممالك الثلاثة حيث منع العمل واللهو في ذلك اليوم، وهذا يعني ضعف شدة الكنائس الكاثوليكية، فلا أبرا ولا كميدية ولا جوقات موسيقية يوم الأحد بلندن، وقد كان من حظر الورق في ذلك اليوم ما عاد لا يلعبه فيه غير ذوي المواهب والفضل كما يدعون، وأما بقية الأمة فتذهب إلى الوعظ وإلى الحانة وإلى بنات البهجة.
ومع أن الفرقتين، الأنغليكانية والبرسبيتارية، هما السائدتان لبريطانية العظمى فإنه يحسن قبول ما سواهما فتعيش هذه الفرق على شيء من حسن الوئام، وذلك على حين يتباغض رعاتها تباغضا قلبيا كالذي يحكم به الينسيني على اليسوعي بالهلاك الأبدي.
Page inconnue
وادخلوا برصة لندن، ادخلوا هذا المكان الذي له من الحرمة ما ليس لكثير من البلاطات، تبصروا رسلا من جميع الأمم مجتمعين فيها نفعا للناس، تبصروا اليهودي والمسلم والنصراني يتعاملون كما لو كانوا أبناء دين واحد، فلا يطلقون اسم الكافرين على غير من يفلسون، وفي البرصة يثق البرسبيتاري بالتعميدي ويرضى الأنغليكاني بوعد الكويكري، ويذهب بعضهم إلى الكنيس ويذهب الآخرون إلى الشرب، ويذهب هذا ليمزج الخمر بالماء في دن باسم الآب من قبل الابن ذي الروح القدس، ويأمر ذاك بقطع قلفة ابنه، وبأن يدندن فوق ابنه بكلمات عبرية لا يدركها مطلقا، ويذهب هؤلاء الآخرون إلى كنيستهم كيما يرتقبون وحي الله لابسين قبعاتهم على رءوسهم مع رضاهم أجمعين.
ولو وجدت في إنكلترة ديانة واحدة فقط لاعترى النفوس خوف من الاستبداد، ولو وجدت فيها ديانتان، فقط لتذابحتا، ولكن يوجد فيها ثلاثون ديانة وهي تعيش سعيدة متسالمة.
الرسالة السابعة
حول السوسنية والآريوسية واللاثالوثية
توجد هنا فرقة صغيرة مؤلفة من إكليروس وكهنة غير قانونيين وغير حاملين اسم الآريوسيين ولا السوسنيين، ولكن من غير أن يكونوا على رأي القديس أثناس في موضوع الثالوث، فهم يقولون لكم بجلاء إن الآب أكبر من الابن.
أو لا تذكرون أن أحد أساقفة الأرثوذكس أراد إقناع القيصر بوحدة الجوهر، فعن له تناول ابن القيصر تحت ذقنه ونزع أنفه، وكاد القيصر يغضب على الأسقف لولا أن هذا الرجل السليم الطوية خاطبه بالكلمة الرائعة المقنعة الآتية، وهي: «مولاي، إذا كنتم، يا صاحب الجلالة، تغضبون من عدم احترام ابنكم، فما رأيكم فيما يعامل به الرب الآب أولئك الذين يبخلون على يسوع المسيح ما يجب له من الألقاب؟» ويقول الرجال الذين حدثتكم عنهم إن القديس الأسقف كان لا يعرف من أين تؤكل الكتف، وإنه لم يوجد ما هو أقل قطعا من برهانه، وإنه كان يجب على القيصر أن يجيبه بقوله: «اعلم أنه يوجد وجهان للإساءة إلي، وهما: أن يقصر في إكرام ابني وأن يكرم ابني بمقدار إكرامي.»
ومهما يكن من أمر فإن حزب آريوس أخذ يبعث في إنكلترة كما في هولندة وبولونية، ومما يشرف هذا الرأي استحسان السيد الكبير نيوتن له، فعند هذا الفيلسوف أن اللاثالوثيين كانوا أكثر منا برهنة هندسية، بيد أن الدكتور كلارك الشهير أقوى نصير للمذهب الآريوسي، ويتصف هذا الرجل بشدة الفضل ودماثة الطبع، وبكونه أكثر كلفا بآرائه من ولعه بصنع مهتدين، وهو، إذا قصر همه على الحساب والإثبات، أمكن عده آلة حقيقية للبراهين.
وهو المؤلف لكتاب على شيء من الاتساع، ولكن مع التقدير حول وجود الله، وهو المؤلف لكتاب آخر أكثر وضوحا، ولكن مع الاستخفاف، حول حقيقة النصرانية.
وهو لم يخض قط غمار المناقشات الكلامية الفلسفية الرائعة التي يطلق عليها صديقنا اسم الأحلام المكرمة، وقد اقتصر على طبع كتاب شامل لجميع شواهد القرون الأولى الملائمة للاثالوثية، والمناقضة لها تاركا للقارئ أمر عد الأصوات والحكم، وقد جلب هذا الكتاب كثيرا من الأنصار إلى الدكتور، ولكنه حال دون نصبه رئيسا لأساقفة كنتربري، وأظن أن الدكتور غلت
1
Page inconnue
في حسابه، فأفضل للإنسان أن يكون جثليق
2
إنكلترة من أن يكون خوريا آريوسيا.
وترون الثورات التي تقع في الآراء كما في الدول، وأخيرا يبعث حزب آريوس من مرقده بعد ثلاثة قرون نصر واثني عشر قرن نسيان، ولكنه أساء اختيار وقت بعثه في عصر شبع العالم فيه من المناقشات والفرق، ولا يزال هذا الحزب من الصغر ما لا ينال معه حرية المجالس العامة، أجل إنه سينالها، لا ريب، عندما يصير أكثر عددا، ولكن الناس أصبحوا من الفتور حول جميع هذا في الوقت الحاضر ما عاد لا يكتب معه حظ لدين جديد أو مجدد، أولا يثير الابتسام أن يؤسس لوثر وكلفين وزونيغمل وجميع من لا يمكن قراءتهم من الكتاب فرقا تقتسم أوروبة وأن يعطي محمد الأمي آسية وأفريقية دينا، وألا يكاد السادة نيوتن وكلارك ولوك وكلير وغيرهم؛ أي هؤلاء الذين هم أعظم فلاسفة زمنهم وأحسن حملة الأقلام في عصرهم، يستطيعون إقامة جماعة صغيرة نرى نقصان عددها يوما بعد يوم؟
ذلك ما يأتي العالم في حينه، ولو بعث كردينال ريتز في أيامنا ما أثار عشر نساء في باريس.
ولو بعث كرومويل الذي أمر بقطع رأس الملك، ونصب نفسه وليا للأمر لظهر تاجرا بسيطا بلندن.
الرسالة الثامنة
حول البرلمان
يحب أعضاء البرلمان الإنكليزي أن يشبهوا بقدماء الرومان ما استطاعوا. ولما يمض زمن طويل على بدء مستر شبنغ خطبته في مجلس النواب بكلمة: «ستؤذي جلالة الشعب الإنكليزي، إلخ.» وقد نشأت عن غرابة التعبير قهقهة كبيرة، ولكنه لم يرتبك، فكرر الكلام نفسه بلهجة حازمة، وعاد الأعضاء يضحكون، وأعترف بأنني لا أبصر ما هو مشترك بين جلالة الشعب الإنكليزي والشعب الروماني، وأقل من هذا ما بين حكومتيهما - أجل - يوجد سنات في لندن يتهم بعض أعضائه، على غير حق، لا ريب بأنهم يبيعون أصواتهم عند الفرصة كما كان يصنع في رومة، وهذا كل ما هنالك من مشابهة، فإذا عدوت هذا بدت الأمتان لي مختلفتين كل الاختلاف في الخير والشر، فلم يعرف الرومان حماقة الحروب الدينية الكريهة قط، وقد حفظت هذه القباحة لأتقياء مبشرين بالتواضع وموصين بالصبر، وكان ماريوس وسيلا، وبوني وقيصر، وأنطوان وأغسطس، لا يتقاتلون حتى يقرر وجوب لبس الكاهن قميصه فوق حلته أو لبس حلته فوق قميصه، ووجوب إطعام الفراريج المقدسة وسقيها أو إطعامها فقط نيلا للفئول، وكان الإنكليز قد شنقوا بعضهم بعضا تبادلا بأحكام من محاكمهم الجنائية ، وكانوا قد أبادوا بعضهم بعضا في معارك منظمة ناشئة عن منازعات من ذلك الطراز، وكانت فرقة الأنغليكان وفرقة البرسبيتارية قد لوتا هذه الرءوس الرصينة، فيخيل إلي أن مثل هذه الجهالات لن تصدر عنها بعد الآن، وتغدوان - كما تبدوان لي - سالكتين سبيل الحكمة على حسابهما، فلا أرى فيهما أي ميل إلى التذابح - بعد الآن - من أجل قياسات منطقية.
وإليك فرقا جوهريا أكثر من ذلك بين رومة وإنكلترة يحكم به لمنفعة إنكلترة، وذلك أن العبودية كانت ثمرة الحروب الأهلية في رومة، وأن الحرية ثمرة الاضطرابات في إنكلترة، والأمة الإنكليزية وحدها هي التي انتهت في العالم إلى تنظيم سلطة الملوك بمقاومتهم، وأقامت في آخر الأمر، وبعد جهود متواصلة، هذه الحكومة الحكيمة التي يكون فيها الأمير، القادر على كل شيء لصنع الخير، مقيد اليدين في صنع الشر، والتي يكون السنيورات عظماء بلا عتو ومن غير فسالات، والتي يكون للشعب نصيب في حكومتها بلا بلبلة.
Page inconnue
ومجلس اللوردات ومجلس النواب هما حكما الأمة، والملك هو الحكم الثالث، وكان هذا التوازن يعوز الرومان، فالكبراء والدهماء في رومة كانوا منقسمين دائما، وذلك من غير وجود سلطة فاصلة توفق بين الفريقين، وكان سنات رومة الذي هو من الزهو الجائر وعدم الإنصاف ما لا يريد معه أن يقاسمه العوام شيئا، لا يعرف وسيلة، لإقصائهم عن الحكومة غير شغلهم بالحروب الخارجية، وكان يعد الشعب وحشا ضاريا يجب إطلاقه على الجيران خشية أن يفترس سادته، وهكذا فإن أكبر عيب في حكومة الرومان جعل من الشعب فاتحين، وذلك أنهم صاروا سادة العالم لأنهم كانوا تعساء، وذلك إلى أن غدوا عبيدا بفعل انقساماتهم.
ولم تخلق حكومة إنكلترة لمثل هذه الضجة العظيمة ولا لمثل هذه الغاية المشئومة، ولا يتجلى هدفها في حماقة القيام بفتوح مطلقا، بل في منع جيرانها من هذا، وليس هذا الشعب حريصا على حريته وحدها، بل على حرية الشعوب الأخرى، وقد استشرى الإنكليز ضد لويس الرابع عشر لما رأوا من طموحه، فحاربوه بصدر رحيب غير مبتغين لأنفسهم نفعا لا ريب.
أجل، كلف قيام الحرية في إنكلترة ثمنا غاليا، ولم يغرق طاغوتها الاستبدادي في غير بحار من الدماء، بيد أن الإنكليز لا يرون أن ما نالوا من قوانين صالحة كان بثمن غال، أجل، لم تعرف الأمم الأخرى اضطرابات أقل مما أراق الإنكليز، بيد أن هذه الدماء التي سفكتها في سبيل حريتها لم تؤد إلى غير توطيد عبوديتها.
وما يكون ثورة في إنكلترة يعد شغبا في البلدان الأخرى، فالمدينة في إسبانية أو المغرب أو تركية إذا ما حملت السلاح للدفاع عن امتيازاتها لم تلبث أن تقهر من قبل جنود من المرتزقة ولم تلبث أن تعاقب من قبل جلادين، وأما بقية الأمة فترسف في قيودها. ويرى الفرنسيون أن حكومة هذه الجزيرة
1
أكثر هياجا من البحر الذي يحيط بها، وهذا صحيح، ولكن هذا يكون عندما يبدأ الملك العاصفة، ولكن هذا يكون عندما يريد أن يصير سيدا للمركب الذي ليس له غير ربانه الأول. أجل، كانت الحروب الأهلية في فرنسة أطول أمدا وأشد قسوة وأكثر إجراما من حروب إنكلترة الأهلية، بيد أنك لا ترى أية واحدة من جميع تلك الحروب الأهلية كانت تهدف إلى حرية حكيمة.
وإذا ما نظر أيام شارل التاسع وهنري الثالث وجد أن الأمر كان يدور حول معرفة إمكان تحول الناس إلى عبيد لآل الغيز، وإذا ما نظر إلى حرب باريس الأخيرة وجد أنها لا تستحق غير صفير، ويلوح لي أني أبصر طلبة يتمردون على مدير المدرسة، فينتهي أمرهم بالجلد، وكان كردينال ريتز يأتمر مؤذيا للأذى نفسه فيلوح أنه يشهر حربا ليقر عينا، وذلك مع كثير كياسة وسوء استعمال بسالة، ومع تمرد بلا موضوع، ومع كونه عاصيا بلا هدف، ومع كونه رئيسا لحزب بلا جيش، وكان البرلمان لا يعرف ما يريد ولا ما لا يريد، وكان يجمع كتائب بقرار، وكان يحطمها، وكان يهدد، ويطلب العفو، وكان يضع مكافأة لمن يقتل مازاران، ثم يثني عليه في احتفال، وكانت حروبنا الأهلية في عهد شارل السادس قاسية، وكانت حروب الحلف كريهة، وكانت حرب المقلاع مثيرة للسخرية.
وأكثر ما يلام عليه الإنكليز في فرنسة هو تنكيلهم بشارل الأول الذي عامله قاهروه بمثل ما كانوا يعاملونه به لو قضى حياة سعيدة.
ومهما يكن من أمر فانظروا من ناحية إلى شارل الأول المغلوب في معركة بين جيشين نظاميين، والذي أسر وحوكم وحكم عليه في وستمنستر. وانظروا - من ناحية أخرى - إلى الإمبراطور هنري السابع الذي سم من قبل كاهنه وهو يتناول القربان، وإلى هنري الثالث الذي قتل من قبل راهب في سورة غضب، وإلى ثلاثين حادث اغتيال حيال هنري الرابع نفذ كثير منها، فحرمت بآخرها فرنسة هذا الملك العظيم، ثم فكروا في هذه الاعتداءات واحكموا فيها.
الرسالة التاسعة
Page inconnue
حول الحكومة
لم يكن موجودا دائما هذا الامتزاج المبارك في حكومة إنكلترة؛ أي هذا الاتفاق بين العوام واللوردات والملك، فقد ظلت إنكلترة عبدة زمنا طويلا، وذلك أنها عبدت من قبل الرومان والسكسون والدنيمركيين والفرنسيين، وأن وليم الفاتح حكم فيها بمقامع من حديد، فكان يتصرف في أموال رعاياه الجدد وحياتهم كما يتصرف العاهل في الشرق، ومما صنع أن جعل عقوبة الموت جزاء الإنكليزي الذي يجرؤ على حيازة نار ونور في بيته بعد الساعة الثامنة مساء، وهذا سواء أعن زعمه أنه يحول بذلك دون اجتماعات الإنكليز الليلية، أم عن قصده أن يختبر، بمثل هذا الحظر الغريب، ما يبلغه سلطان الإنسان على الإنسان من المدى.
ولا مراء في أنه كان للإنكليز برلمانات قبل وليم الفاتح وبعده، فيباهون بهذه المجالس التي كانت تدعى برلمانات في ذلك الحين، والتي كانت مؤلفة من طغاة إكليروسيين وبارونات نهابين، وذلك كما لو كانت هذه المجالس حارسة للحرية وسعادة للناس.
ولما أغار البرابرة من شواطئ البحر البلطي على بقية أوروبة جلبوا معهم عادة هذه المجالس، أو البرلمانات التي دار حولها كثير ضوضاء والتي كان لا يعرف من أمرها غير القليل، ولم يكن الملوك في ذلك الحين مستبدين قط لا ريب، ولكن الشعوب كانت تئن كثيرا ضمن عبودية خبيثة، ويصير زعماء هؤلاء المتوحشين، الذين خربوا فرنسة وإيطالية وإسبانية وإنكلترة ملوكا، ويقتسم ضباطهم أراضي المغلوبين فيما بينهم؛ ومن ثم أتى هؤلاء المرغرافات والليردات والبارونات والطغاة الذين كانوا - في الغالب - ينازعون ملوكهم أسلاب الشعوب، وكان هؤلاء طيورا كاسرة تقاتل النسر مصا لدم الحمائم، فكان يوجد في كل أمة مائة طاغية بدلا من سيد، ولم يلبث القسوس أن اشتركوا في القسمة، ومن نصيب الغول والجرمان وجزريي إنكلترة أن يحكم فيه دائما من قبل كهنتهم، ومن قبل رؤساء قراهم الذين هم ضرب قديم من البارونات، ولكن مع كونهم أقل طغيانا من خلفائهم، وكان هؤلاء الكهنة يدعون أنهم وسطاء بين الله والناس، فيضعون قوانين ويحرمون ويحكمون بالموت، ويخلفهم الأساقفة بالتدريج في سلطانهم الزمني في حكومة القوط والوندال، ويوضع البابوات على رأسهم فيرعدون الملوك بما يصدرون من مناشير ومراسيم وأوامر، ويخلعونهم، ويرسلون من يغتالهم، ويحولون إلى أنفسهم كل ما يقدرون عليه من مال في أوروبة، وكان الغبي إيناس الذي هو أحد الطغاة في حكومة إنكلترة السباعية أول من خضع، في حج إلى رومة، لدفع دينار القديس بطرس عن كل منزل في منطقته، ولم تلبث الجزيرة كلها أن اقتدت به، وتصير إنكلترة من ولايات البابا مقدارا فمقدارا، ويرسل البابا إلى إنكلترة نائبين عنه في الحين بعد الحين جمعا لضرائب ثقيلة، وأخيرا يتنزل جيمس المحروم عن مملكته لقداسة البابا الذي كان قد حرمه، ولا يجد البارونات نفعا لهم في هذا فينصبون في مكانه لويس الثامن؛ أي والد ملك فرنسة: سان لويس، ولكنهم لم يلبثوا أن سئموا هذا القادم الجديد فحملوه على عبور البحر.
وبينما كان البارونات والأساقفة والبابوات يمزقون إنكلترة على هذا الوجه، فيريد كل واحد منهم أن يقود الشعب الذي هو فريق الأهلين الأكثر عددا وفضيلة، وأجدرهم بالاحترام والمؤلف ممن يدرسون القوانين والعلوم ومن التجار وأصحاب الحرف؛ أي من كل من ليس طاغية يعد هذا الشعب حيوانات دون الإنسان مرتبة؛ ولذا كان من البعيد جدا أن يشترك العوام في الحكم في ذلك الحين؛ أي أن يشترك في الحكم هؤلاء العوام الذين كانوا يحسبون أراذل، هؤلاء العوام الذي كان عملهم ودمهم ملك سادتهم الأشراف كما يدعون، وكان معظم الناس في أوروبة ممن لا يزالون في أماكن كثيرة من الشمال؛ أي فدادين لدى السنيور؛ أي من البهائم التي تباع وتشرى مع الأرض، وكان لا بد من انقضاء قرون للإقرار بحق الإنسانية وللشعور بأن من الفظاعة أن يبذر معظم الناس وأن يحصد أقل الناس عددا، أو لم يكن من سعادة النوع البشري زوال سلطة هؤلاء اللصوص في فرنسة بفعل سلطان ملوكنا الشرعي، وفي إنكلترة بفعل سلطان الملوك والناس الشرعي؟
ومن حسن الحظ أن تستل سيوف الشعوب من غمودها قليلا أو كثيرا في أثناء الهزات التي تصاب بها الدول بسبب منازعات الملوك والأمراء، وقد نشأت الحرية في إنكلترة عن اقتتال الطغاة، وذلك أن البارونات قد حملوا جيمس المحروم وهنري الثالث على منح ذلك المرسوم المشهور الذي قام غرضه الرئيس على جعل الملوك تابعين للوردات بالحقيقة، ولكن مع قليل تحسين لوضع بقية الشعب، فإذا ما لاحت الفرصة انحاز الشعب إلى فريق حماته المزعومين، ويدل هذا المرسوم الأكبر، الذي هو أصل مقدس لحريات الإنكليز، على ما كان معروفا من قليل حرية في ذلك الحين، ويثبت العنوان وحده أن الملك كان يعتقد نفسه مطلقا من ناحية الحقوق وأن البارونات والإكليروس لم يلزموه بأن يلين في أمر هذه الحقوق المزعومة؛ إلا لأنهم أقوى منه.
وإليك كيف بدئ بالمرسوم الأكبر: «ننعم، طوعا واختيارا، بالامتيازات الآتية على رؤساء الأساقفة وعلى الأساقفة ورؤساء الأديار والرهبان وعلى البارونات في مملكتنا، إلخ.»
ولا توجد في مواد هذا المرسوم أية كلمة عن مجلس النواب، ويدل هذا على أن هذا المجلس كان لا يوجد بعد، أو أنه كان يوجد بلا سلطة، ويذكر أحرار إنكلترة حصرا، فيعد هذا برهانا محزنا على وجود أناس في إنكلترة غير أحرار، ويرى في المادة الثانية والثلاثين منه أن هؤلاء الأحرار المزعومين ملزمون بخدم نحو مولاهم، فحرية مثل هذه تنطوي على قسط كبير من العبودية.
وتنص المادة الحادية والعشرون على أن عمال الملك لا يستطيعون بعد الآن أن يأخذوا خيل الأحرار وعرباتهم إلا بدفع ثمنها، ويبدو دفع الثمن هذا حرية حقيقية للشعب؛ وذلك لقضائه على أكبر طغيان.
وكان هنري السابع غاصبا موفقا وسياسيا كبيرا، فيتظاهر بحب البارونات ويمقتهم ويخافهم حقيقة، فعن له أن ينال أراضيهم انتقالا، فبذلك اشترى الأراذل، الذين اكتسبوا مالا بعملهم، قصور مشاهير الأشراف الذين افتقروا عن حماقة، وهكذا غيرت الأرضون كلها أصحابها مقدارا فمقدارا.
Page inconnue
ويغدو مجلس النواب أكثر قوة يوما فيوما، وتنقرض أسر قدماء الأقران مع الزمن، وبما أنه لا يوجد غير الأقران من يعدون أشرافا من الناحية القانونية في إنكلترة فقد عاد هذا البلد لا يشتمل على طبقة أشراف لو لم يحدث الملوك بارونات جددا في الحين بعد الحين، ويحفظوا طبقة الأقران التي خافوها كثيرا فيما مضى، فرأوا الآن أن يعارضوا بها طبقة العوام التي صارت مرهوبة جدا.
وينال جميع هؤلاء الأقران الذين يتألف المجلس الأعلى منهم ألقابهم من الملك، ولا شيء أكثر من هذا، فلا تجد واحدا من هؤلاء مالكا للأرض التي يحمل اسمها، فيلقب أحدهم بدوك دورست، مثلا من غير أن يكون مالكا لفتر من أرض دورستشاير، ويلقب آخر كونت لقرية فلا يكاد يعرف أين تقع هذه القرية، وينحصر سلطانهم في البرلمان، لا في مكان آخر.
ولا تسمعون هنا حديثا عن القضاء الأعلى والأوسط والأدنى، ولا قولا عن حق الصيد في أرض مواطن من غير أن يباح لهذا المواطن أن يطلق عيارا ناريا في حقله الخاص.
ولا يعفى أحد من دفع بعض الضرائب بسبب كونه شريفا أو قسيسا، فجميع الضرائب تعين من قبل مجلس النواب الذي يعد الأول اعتبارا مع كونه الثاني مرتبة.
أجل، يمكن السنيورات والأساقفة أن يرفضوا لائحة مجلس النواب عن الضرائب، ولكن من غير أن يباح لهم تغيير شيء فيها وذلك أنه يباح لهم أن يقبلوها أو يردوها بلا قيد، فإذا ما أيد اللوردات اللائحة ووافق عليها الملك دفع جميع الناس ما فرض عليهم، ولا يدفع أحد وفق لقبه (وهذا الدفع غير معقول)، بل وفق دخله، ولا توجد هناك جزية أو جباية مرادية،
1
بل ضريبة حقيقية مفروضة على الأرضين، وقد خمنت الأرضون كلها في عهد وليم الثالث الشهير، وقد جعلت دون ثمنها.
ولا تزال الضريبة كما هي وإن زادت غلة الأرضين، وهكذا لا يظلم أحد فيتذمر، ولا ترم رجل الفلاح بحذاء، ويأكل الفلاح خبزا أبيض، ويبدو حسن البزة، ولا يخشى زيادة عدد ماشيته، ولا ستر سقفه بآجر، فرارا من رفع ضرائبه في العام القادم، ويوجد هنا كثير من الفلاحين من يبلغ مال الواحد منهم مائتي ألف فرنك، فلا يأنف من زراعة الأرض التي أغنته والتي يعيش فيها حرا.
الرسالة العاشرة
حول التجارة
Page inconnue