اعترف بأنه كان يشق عليك أن تمنع نفسك من الضحك عندما أجبت عن جميع مجاملاتك لابسا قبعتي على رأسي مخاطبا إياك بصيغة المفرد، ومع ذلك أراك من الثقافة ما لا تجهل معه عدم وجود أمة منذ زمن يسوع كانت من الحماقة ما تستبدل معه الجمع بالمفرد، فكان يقال للقيصر أغسطس: «أحبك، أرجوك، أشكرك»، حتى إنه كان لا يألم إذا ما نودي بالسيد
1
ولم يعن للناس إلا بعد زمن طويل من عهده أن يتنادوا ب «أنتم» بدلا من «أنت»، كما لو كانوا ضعف أنفسهم، وأن يغتصبوا ألقاب العظمة والسماحة والقداسة عن وقاحة، وأن تفسح الخراطين
2
في المجال لخراطين أخرى مؤكدة لها، مع الإكرام البالغ والرئاء الفاضح، كونها خدما لها وضعاء خضعا، ونحن كيما نكون أكثر احترازا حيال هذه المعاشرة الشائنة القائمة على الكذب والخداع، نخاطب الملوك والسكافين بصيغة المفرد على السواء، ولا نحيي أحدا غير حاملين للناس سوى المحبة وغير مبدين احتراما لسوى القوانين.
ونلبس كذلك ثيابا تختلف عما يلبس الآخرون بعض الاختلاف؛ وذلك لكي يكون لنا هذا تنبيها إلى عدم مشابهتهم، ويحمل الآخرون سمات دالة على مقامهم ونحن نحمل سمات التواضع النصراني، ونحن نتجنب مجالس اللهو والمشاهد واللعب؛ وذلك لأن مما يؤلمنا أن نملأ بالترهات قلوبا يجب أن تكون عامرة بالله، ونحن لا نحلف مطلقا، حتى أمام القضاء؛ وذلك لأننا نرى ألا يخفض اسم الرب الأعلى في منازعات الناس الساقطة، وإذا ما وجب أن نمثل بين أيدي القضاة من أجل قضايا الآخرين (لأنه لا دعاوى لنا مطلقا) وكدنا الحقيقة ب «نعم» أو ب «لا»، وصدق القضاة قولنا؛ وذلك على حين يحلف كثير من النصارى على الإنجيل زورا، ونحن لا نذهب إلى الحرب أبدا، وليس هذا عن خوف من الردى، فعلى العكس تبصرنا نبارك للساعة التي نلحق فيها بواجب الوجود، وإنما ينشأ ذلك عن كوننا لسنا ذئابا ولا نمارا ولا كلابا، وإنما يأتينا ذلك عن كوننا بشرا، عن كوننا نصارى، ولا يريد الرب الذي أمرنا بأن نحب أعداءنا وبأن نصبر على الأذى من غير تذمر، أن نعبر البحر لذبح إخواننا لا ريب؛ وذلك عن جمع أناس من القتلة، لابسين ثيابا حمرا وقلانس طولها قدمان، مواطنين للجندية بصوت يصدر عن ضرب عصوين صغيرتين على جلد حمار مشدود جيدا، فإذا ما تم النصر في المعارك أضاءت لندن بالأنوار، واشتعلت السماء بالأسهم النارية ودوى الهواء بصلوات الشكر وأصوات الأجراس والأراغن والمدافع، وهنالك يعترينا حزن عميق على ما وقع من تقتيل أوجب ابتهاج الجمهور.
الرسالة الثانية
حول الكويكر
ذلك هو الحديث الذي دار بيني وبين ذاك الرجل الشاذ، ولكن اعتراني دهش أكثر مما تقدم عندما أتى بي إلى كنيسة الكويكر يوم الأحد التالي. وللكويكر بيع
1
Page inconnue