164

Épîtres des Frères de la Pureté

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

Genres

واعلم يا أخي أنه لولا العناية الإلهية ورحمة الباري - جل جلاله - بأن جعل سمك كرة النسيم عاليا، ومركز السحاب مرتفعا بعيدا عن الأرض بمقدار الحاجة إليه، وجعل من شأن السحاب إذا انخرق أن يطلب البخار الصعود إلى فوق، وجعل من شأن قرع الهواء إذا حدث أن تكون حركته إلى فوق، لكانت أصوات الرعد أضرت بأسماع الحيوانات الضعيفة وقتلتها، كما يكون ذلك في بعض الأحايين؛ وذلك أن السحب إذا تراكمت وتكابست يضغط بعضها بعضا إلى أسفل حتى تقرب من الأرض وتحدث الرعود ويخرق السحاب من أسفل ويقرع الهواء ويندفع إلى وجه الأرض، فيكون من ذلك صوت هائل هو الصاعقة، فإنها تقتل كثيرا من الحيوانات القريبة منها، ومن الناس أيضا، كما فعل بقوم شعيب وصالح - عليهما السلام - وكذلك حكم البروق أيضا، وذلك أن من شأن النار أن تتحرك إلى فوق، فإذا منعها السحاب المتراكم رجعت منحطة إلى الأرض، فأحرقت ما أتت عليه من الحيوان والنبات، ولكن قل ما تحرق الأجسام الرخوة؛ لأنها نار لطيفة تنفذ في مسامها، وأما الأجسام الصلبة فلتكابس أجزائها وتمانعها تتغلب عليها وتذوبها وتحرقها، وأما الهالة التي تكون حول الشمس والقمر، فإنها تدل على المطر ورطوبة الهواء، وذلك أنها تحدث في أعلى سطح كرة النسيم وقت ما يرتفع البخار إلى هناك ويأخذ يتألف منه الغيم؛ وعلتها أن النيرين إذا أشرقتا على ذلك السطح انعكس شعاعها من هناك إلى فوق، وحدث من ذلك الانعكاس دائرة كما يحدث من إشراقها على سطح الماء، ويشف رسم تلك الدائرة من تحت ذلك الغيم الرقيق كما يشف من وراء البلور والزجاج، ويكون مركز تلك الدائرة مسامتا للبقعة التي يمر بها مسقط الحجر الخارج من مركز النيرين إلى مركز الأرض، فكل من كان من الناظرين ممن يمر ذلك النير على سمت رأسه سواء، فإنه يرى مركز تلك الدائرة من فوق رأسه، ومن كان خارجا من تحته إلى إحدى الجهات، فإنه يرى مركزها في الجهة المقابلة لموضعها، ويكون قطر هذه الدائرة أبدا مثل سمك كرة البخار مرتين، قل ذلك السمك أو كثر، وتقديرها أكثر ما يكون اثنين وثلاثين ألف ذراع؛ لأن سمك كرة النسيم أكثر ما يكون ستة عشر ألف ذراع كما بينا قبل.

وأما قوس قزح فإنه يحدث في سمك كرة النسيم عند ترطيب الهواء مشبعا، ولا يكون وضعه إلا منتصبا قائما، وحدبته إلى فوق مما يلي سطح كرة الزمهرير، وطرفاه إلى أسفل مما يلي وجه الأرض، ولا يكاد يحدث إلا في طرفي النهار في الجهة المقابلة لموضع الشمس مشرقا أو مغربا، ولا يرى منها إلا أقل من نصف محيط الدائرة، إلا أن تكون الشمس في الأفق سواء فإنها عند ذلك ترى في نصف محيط الدائرة سواء؛ لأن الخط الخارج من مركز جرم الشمس يمر مماسا يلي وجه الأرض ومركز هذه الدائرة، فيرى القوس قائما منتصبا مستويا، وإذا كانت الشمس مرتفعة فإنها ترى أقل من نصف محيط الدائرة كلما كان الارتفاع أكثر كان القوس أقل وأصغر؛ لأن القوس يكون مائلا منحطا إلى الجهة المقابلة لموضع الشمس.

واعلم يا أخي أن بين وتر هذا القوس وبين قطر دائرة الهالة التي تقدم ذكرها نسبة متساوية، وأما علة حدوث هذا القوس فهي أيضا إشراق الشمس على أجزاء ذلك البخار الرطب الواقف في الهواء وانعكاس شعاعها منه إلى ناحية الشمس، وأما أصباغه التي ترى فهي أربعة مطابقة للكيفيات الأربع، التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، ولخاصية الأربعة الأركان التي هي: النار والهواء والماء والأرض، ولفصول الزمان الأربعة وهي: الصيف والخريف والشتاء والربيع، ولمشابهة الأخلاط الأربعة وهي: الصفراء والسوداء والدم والبلغم، ولمشاكلة ألوان زهر النبات والشجر؛ لأن هذه القوس إذا حدثت وكانت أصباغها مشبعة تدل على ترطيب الهواء، وكثرة العشب والكلأ، وزكاء ثمر الشجر وحب الزرع، فيكون ظهورها ورؤيتها كالبشارة قدمتها الطبيعة للحيوان والناس منذرة بريف الزمان وخصبه.

وأما ما يقوله العامة وهو أن حمرتها تدل على إهراق الدماء في تلك السنة وصفرتها تدل على الأمراض، وزرقتها تدل على الجدب، وخضرتها تدل على الخصب، وعلى حسب كثرتها وقلتها تكون دلالتها، فإن هذا يكون دليلا عند الزاجر على أصله وفرعه، وقد بينا ذلك في رسالة الزجر والفراسة.

وأما ترتيب ألوانها فإن الحمرة أبدا تكون فوق الصفرة، والصفرة دونها، والزرقة دون الخضرة، فإن وجدت قوسا أخرى دونها ترتبت هذه الألوان في القوس السفلي عكس ذلك، وشرح العلة في ذلك يطول؛ لأنه لا يفهمه إلا المرتاضون بالأشكال الهندسية والأمور الطبيعية والنسب التأليفية.

وقد بينا فيما تقدم أن السحاب لا يرتفع من وجه الأرض في الجو أكثر من ستة عشر ألف ذراع، وأن أقربه ما كان مماسا لوجه الأرض، ولكن ذلك في الندرة في وقت من الأوقات، وبلد دون بلد؛ لأنه لو كان السحاب في كل وقت وفي كل بلد مارا مماسا لوجه الأرض لأضر ذلك بالحيوان والنبات، ولمنع الناس من التصرف كما يرى ذلك يوم الضباب، وفي البلدان القريبة من سواحل البحار مثل البصرة والأنطاكية وطبرستان لقربها من البحار يرى أغفل ما يكون الإنسان، حتى إذا جاء الطل والمطر والضباب مقدار ما يضيق الصدر، ويأخذ النفس، وتبتل الثياب والأمتعة، وأيضا لو كان السحاب كله قريبا من وجه الأرض لأضر الرعد والبرق بأبصار الحيوان وأسماعها، ولو كان بعيدا شديد الارتفاع في الهواء، بحيث لم يكن يرى لكانت الأمطار والثلوج تجيء مفاجأة، والناس والحيوان عنها غافلون غير مستعدين للتحرز منها، فكان يكون في ذلك ضرر عظيم عام.

فلا تنظر يا أخي إلى فعل الطبيعة وتفكر في هذه الحكمة الإلهية والعناية الربانية؟ كيف رفعت هذه الأشياء في الهواء بمقدار الحاجة إليها؟ فلا بعيد مفرط ولا قريب جدا، إذا كان في كلا الأمرين ضرر على الناس والحيوان والنبات.

فصل

فأما علة كثرة الأمطار في الشتاء وقلتها في الصيف؛ فهو لأن صعود البخارين متصل أبدا في العراق، وما يليه من الأقاليم الشمالية في الصيف أكثر منهما في الشتاء.

واعلم يا أخي أن لكل كائن تحت فلك القمر أربع علل لا يتكون شيء من الكائنات إلا بها كلها؛ إحداها: علة هيولانية، والأخرى: علة صورية، والأخرى: علة فاعلية، والأخرى: علة تمامية.

Page inconnue