فهرست الرسائل وتقسيمها
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم
هذه فهرست رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا وأهل العدل وأبناء الحمد، بجمل معانيها وماهية أغراضهم فيها، وهي اثنتان وخمسون رسالة في فنون العلم وغرائب الحكم وطرائف الآداب وحقائق المعاني عن كلام الخلصاء الصوفية، صان الله قدرهم وحرسهم حيث كانوا في البلاد، وهي مقسومة على أربعة أقسام: فمنها رياضية تعليمية، ومنها جسمانية طبيعية، ومنها نفسانية عقلية، ومنها ناموسية إلهية.
فالرسائل الرياضية التعليمية أربع عشرة رسالة: الرسالة الأولى منها في «العدد» وماهيته وكميته وكيفية خواصه، والغرض المراد من هذه الرسالة هو رياضة أنفس المتعلمين للفلسفة، المؤثرين للحكمة الناظرين في حقائق الأشياء، الباحثين عن علل الموجودات بأسرها، وفيها بيان أن صورة العدد في النفوس مطابق لصور الموجودات في الهيولى، وهي أنموذج من العالم الأعلى، وبمعرفته يتدرج المرتاض إلى سائر الرياضيات والطبيعيات، وأن علم العدد جذر العلوم وعنصر الحكمة ومبدأ المعارف وأسطقس المعاني.
الرسالة الثانية في «الهندسة» وبيان ماهيتها وكمية أنواعها وكيفية موضوعاتها، والغرض المقصود منها هو التهدي للنفوس من المحسوسات إلى المعقولات، ومن الجسمانيات إلى الروحانيات ومن ذوات الهيولى إلى المجردات، وكيفية رؤية البسائط التي لا تتكثر ولا تزداد، ولا تنفرد بالاتحاد، ولا تتقدر بمقدار ولا انحصار في الإقصار، كالصورة المجردة المعراة من المواد المبرأة من الهيولى والجواهر المحضة الروحانية والذوات المفردة العلوية التي لا تدرك بالعيان، وفوق الزمان والمكان، وكيفية الاتصال بها والاطلاع عليها والترقي بالنفس إليها.
الثالثة رسالة في «النجوم» شبه المدخل في معرفة تركيب الأفلاك وصفة البروج وسير الكواكب ومعرفة تأثيراتها في هذا العالم، وكيفية انفعال الأمهات والمواليد منها بالنشوء والبلى والكون والفساد، والغرض منها هو تشويق النفوس الصافية للصعود إلى عالم الأفلاك وأطباق السماوات، منازل الروحانيين والملائكة المقربين والملأ الأعلى والجواهر العلى، والوصول إلى القدس والروح الأمين.
الرابعة رسالة في «الموسيقى» وهو المدخل إلى علم صناعة التأليف والبيان بأن النغم والألحان الموزونة لها تأثيرات في نفوس المستمعين لها كتأثير الأدوية والأشربة والترياقات في الأجسام الحيوانية ، وأن للأفلاك في حركتها ودورانها واحتكاك بعضها ببعض نغمات مطربة ملهية وألحانا طيبة لذيذة معجبة منها كنغمات أوتار العيدان والطنابير وألحان المزامير، والغرض منها التشويق للنفوس الناطقة الإنسانية الملكية للصعود إلى هناك بعد مفارقتها الأجساد التي تسمى الموت؛ لأنه إلى هناك يعرج بأرواح النبيين والصديقين والشهداء والصالحين المحقين المستبصرين كما بين الله تعالى بقوله: @QUR013 إن كتاب الأبرار لفي عليين * وما أدراك ما عليون * كتاب مرقوم.
الخامسة رسالة في «جغرافيا» يعني صورة الأرض والأقاليم والبيان بأن الأرض كرية الشكل بجميع ما عليها، من الجبال والبحار والبراري والأنهار والمدن والقرى، وأنها حية تشبه بجملتها صورة حيوان تام عابد لله تعالى بجميع أعضائها وأجزائها وظاهرها وباطنها، وكيفية تخطيطها وتقديرها ومسالكها وممالكها، والغرض منها هو التنبيه على علة ورود النفس إلى هذا العالم وكيفية اتحادها وعلة ارتباطها بغيرها واستعمالها الحواس واستنباطها للقياس، والتنبيه على خلاصها والحث على النظر والتفكر فيما نصب الله لنا من الدلالات وأرانا من الآيات التي في الآفاق والأنفس؛ حتى يتبين للناظر أنه الحق فيتمسك به ويزدلف إليه ويتوكل في أحواله عليه، فيستعد للرحلة والتزود إلى دار الآخرة قبل الممات وفناء العمر وتقارب الأجل وفوت الأمل ووجدان الحسرة والندامة.
السادسة رسالة في «النسب العددية» والهندسية والتأليفية وكمية أنواعها وكيفية ترتيبها، والغرض منها التهدي لنفوس العقلاء إلى أسرار العلوم وخفياتها وحقائقها وبواطن الحكم ومعانيها، والوقوف على أن الموجودات المختلفة القوى، المتباينة الصور، المتنافرة الطباع، إذا جمع بينها على النسبة المتعادلة ائتلفت وصحت وبقيت ودامت، وإذا كانت على غير النسبة المتعادلة اضطربت وتنافرت حتى اضمحلت وفنيت وما اعتدلت ولا استقام شيء إلا على قدر المناسبة وصحة الائتلاف، وبمعرفة كمية ذلك وكيفيته يكون الحذق والمهارة بالصنائع كلها والتبرز فيها.
Page inconnue
السابعة رسالة في «الصنائع العلمية النظرية» وكمية أقسامها وكيفية مراتبها وإيضاح طرائقها ومذاهبها، والغرض منها تعديد أجناس العلوم وأنواع الحكم وبيان أعراضها وحقائقها والتهدي لطلب العلوم والحكم والتوقيت عليها وكيفية الطريق إليها وبيان معرفتها.
الثامنة رسالة في «الصنائع العملية والمهنية» وتعديد أجناس الصنائع العملية والحرف ، والغرض منها هو تنبيه نفوس الغافلين على معرفة جواهرها التي هي الفاعلة على الحقيقة والمستنبطة الصنائع كلها، المستعملة لأجسامهم المستخدمة لأبدانهم؛ إذ هي للصنائع كالآلات للنفوس والأدوات لها تستعملها لتبلغ بها غرضها على اختلاف مقاصدها وفنون حاجاتها.
التاسعة رسالة في «بيان اختلاف الأخلاق» وأسباب اختلافها وأنواع عللها، ونكت من آداب الأنبياء وسننهم وزبد من أخلاق الحكماء وسيرهم، والغرض في ذلك منها تهذيب النفوس وإصلاح الأخلاق اللذان بهما الوصول إلى البقاء الدائم والسرور المقيم وكمال السعادة الباقية في الدنيا والآخرة.
العاشرة رسالة في «إيساغوجي»، وهي الألفاظ الستة التي تستعملها الفلاسفة في المنطق وفي أقاويلهم ومخاطباتهم في كتبهم وحججهم وبراهينهم، والغرض منها هو التنبيه على ما يقوم ذات الإنسان ويتممه ويعرفه البقاء الدائم ويعرفه الفرق بين الكلام المنطقي واللغوي والفلسفي، وما حقيقة كل واحد منها وبيان ما يحتاج من ذلك إليه لتسديد العقل وتثقيفه نحو الحقائق، ورده عن الزلل والغلط كما يحتاج إلى النحو لتسديد اللسان وتقويمه نحو الصواب ورده عن اللحن؛ لأن نسبة صناعة المنطق إلى العقل والمعقولات مثل نسبة صناعة النحو إلى اللسان والألفاظ.
الحادية عشرة رسالة في «قاطيغورياس»، وهو البيان عن المعقولات الكليات وهي الألفاظ العشرة التي كل واحد منها اسم لجنس من الموجودات كلها، والغرض منها هو البيان بأن معاني الموجودات كلها قد اجتمعت في هذه المقولات العشرة التي يسمى كل واحد منها جنسا من الأجناس، والأجناس داخلة فيها وكيف تنقسم الأجناس إلى الأنواع والأنواع إلى الأشخاص، والأشخاص إلى الأمهات وأنها حدائق الآداب وبساتين العلوم وجنات الحكم وفواكه النفوس ونزه الأرواح.
الثانية عشرة رسالة في «باريمانياس»، وهي الكلام في العبارات وأداء المعاني على حقها والإبانة عنها، والغرض منها تعريف الأقاويل الجازمة المفردة البسيطة الجميلة التي هي أقسام الصدق والكذب، وكيف تحصل المقدمات القياسية وتركيبها من الألفاظ البسيطة المفردة وتقابل الإيجاب والسلب، وتقسيم أصناف الأقاويل وأنها هي الجازم الذي منه تتركب المقدمات البرهانية، وما الاسم وما الكلمة وما القول المطلق وما القول الجازم وما الموجبة وما السالبة وما المحصل والمستقيم والعدول، وما القضايا الثنائية والثلاثية والرباعية وما العناصر الثلاثة من ضروري وممكن وممتنع، وما الضد والنقيض وغير ذلك مما يحتاج إليه في مقدمات القياس.
الثالثة عشرة رسالة في «أنولوطيقا الأولى»، وهي القياس، والغرض منها هو بيان كمية القياس الذي تستعمله الحكماء والمتكلمون في احتجاجاتهم والدعاوى والبينات والمناظرات في الآراء والمذاهب، وأنه الميزان بالقسط وضعته الفلاسفة ليعرف به الصدق من الكذب في الأقاويل، والخطأ من الصواب في الآراء والحق من الباطل في الأفعال، وأي شيء يكون وكيف يكون ومتى يكون وأيها الصحيح وأيها الفاسد.
الرابعة عشرة رسالة في «أنولوطيقا الثانية»، وهي البرهان، والغرض منها هو البيان والكشف عن كيفية القياس الصحيح الذي لا خطأ فيه ولا زلل وهو المسمى «البرهان»، وهو ميزان البصائر يقيم الوزن بالقسط ومثاقيلها بداية العقول والمعارف الأولى يستعملها الصيارفة الإلهيون من الحكماء الذين يعرفون به الصواب من الخطأ والحق من الباطل، ويوضح الحق المبين والعلم اليقين. تمت الرسائل الرياضية التعليمية والفلسفية.
•••
ومنها الرسائل الجسمانية الطبيعية وهي سبع عشرة رسالة: الأولى منها رسالة في «الهيولى والصورة» وماهيتهما، وما الزمان والمكان والحركة واختلاف أقاويل الحكماء في حقائقها وكيفياتها، والغرض منها هو تعريف ماهية الجسم وحقيقته وما يخصه من الأعراض اللازمة والزائلة والصور المقومة والمتممة، وتلقب هذه الرسالة بسمع الكيان.
Page inconnue
الثانية منها رسالة في «السماء والعالم» وبيان كيفية إطباق السموات وكيفية تركيب الأفلاك، وما هو العرش العظيم وما هو الكرسي الواسع، والغرض منها هو البيان عن كيفية تحريك الأفلاك وتسييرات الكواكب، وأن المحرك لها كلها هو الروح القدس والنفس الكلية الفلكية الموكلة بها بإذن باريها.
الثالثة منها رسالة في «الكون والفساد»، والغرض منها هو البيان عن ماهية الصور المقومة لكل واحد من الأركان الأربعة؛ أعني الأمهات التي هي النار والهواء والماء والأرض، وأنها هي الأمهات الكلية الكائن منها المعدن والنبات والحيوان وكيفية استحالة بعضها إلى بعض باختلاف كيفياتها عليها بدوران الأفلاك حولها ومطارح شعاعات الكواكب عليها، وأن الطبيعة الفاعلة لها المحركة لكل واحد منها إلى كمالها وغايتها هي قوة من قوى النفس الكلية الفلكية، وملك من جملة الملائكة الموكلة بها وسائقة لها إلى تمام ما أعدلها من غايتها.
الرابعة منها رسالة في «الآثار العلوية»، والغرض منها هو البيان عن كيفية حوادث الجو وتغييرات الهواء من النور والظلمة والحر والبرد وتصاريف الرياح من البحار والأنهار، وما يكون منها من الغيوم والضباب والطل والندى والأمطار والرعود والبروق والثلوج والبرد، والهالات وقوس قزح والشهب وذوات الأذناب وما شاكل ذلك.
الخامسة منها رسالة في «كيفية تكوين المعادن»، وكمية الجواهر المعدنية وعلة اختلاف جواهرها وكيفية تكوينها في باطن الأرض، والغرض منها هو البيان بأنها أول مفعولات الطبيعة التي هي دون فلك القمر التي هي قوة من قوى النفس الكلية الفلكية بإذن باريها المصور للجميع والموجد للكل لا من موجود إبداعا واختراعا وخلقا وتكوينا، ومنها تبتدئ الأنفس الجزئية بالتهدي الباعث بها إلى الترقي من أسفل سافلين من مركز الأرض إلى أعلى عليين، عالم الأفلاك وفوق السماوات، موقف الأبرار المتقين ومقر الأخيار المنتجبين ومحل الأنبياء والمرسلين، وهذا أول صراط تجوز عليه الأنفس الجزئية، ثم النبات بوساطة الكون والنمو، ثم الحيوان بوساطة الكون والنمو والحس، ثم الإنسان بوساطة الكون والنمو والحس والعقل، ثم التجرد والدخول في زمرة الملائكة الذين هم سكان الأفلاك والملأ الأعلى الذين هم أهل السماوات.
السادسة رسالة في «ماهية الطبيعة» وكيفية أفعالها في الأركان الأربعة التي هي الأمهات ومواليدها التي هي: الحيوان والنبات والمعادن، والفرق بين الفعل الإرادي، من الفكري والشوقي، وبين الضروري من الطبيعي والقهري، والغرض منها تنبيه الغافلين على أفعال النفس وماهية جوهرها والبيان عن أجناس الملائكة وهي التي تسميها الفلاسفة روحانيات الكواكب الموكلة بإنشاء المواليد بتحريكها إلى استكمال صورها والتمام المعد لها.
السابعة منها رسالة في «أجناس النبات» وأنواعها، وكيفية سريان قوى النفس النامية فيها، والغرض منها هو تعديد أجناس النبات، وبيان كيفية تكوينها ونشوئها واختلاف أنواعها من الأشكال والألوان والطعوم والروائح في أوراقها وأزهارها وثمارها وحبوبها وبذورها وصموغها ولحائها وعروقها وقضبانها وأصولها وغير ذلك من المنافع، وأن أول مرتبة النبات متصلة بآخر مرتبة المعادن، وآخر مرتبتها متصلة بأول مرتبة الحيوان.
الثامنة منها رسالة في «أصناف الحيوان» وعجائب هياكلها وغرائب أحوالها، والغرض منها هو البيان عن أجناس الحيوانات وكمية أنواعها واختلاف صورها وطبائعها وأخلاقها، وكيفية تكوينها ونتاجها وتوالدها وتربيتها لأولادها، وأن أول مرتبة الحيوانية متصلة بآخر مرتبة النبات، وآخر مرتبة الحيوانية متصلة بأول مرتبة الإنسانية، وآخر مرتبة الإنسانية متصلة بأول مرتبة الملائكة الذين هم سكان الهواء والأفلاك وأطباق السماوات، وأن نفوس بعض الحيوانات ملائكة ساجدة لنفس الإنسان التي هي خليفة الله في أرضه، ونفوس بعضها راكعة له، ونفوس بعض الحيوان شياطين عصاة مغلغلة في جهنم عالم الكون والفساد، وأن الإنسان إذا كان خيرا عاقلا فهو ملك كريم خير البرية، وإذا كان شريرا فهو شيطان رجيم شر البرية.
التاسعة منها رسالة في «تركيب الجسد»، والبيان بأنه عالم صغير وأن بنية هيكله تشبه مدينة فاضلة، وأن نفسه تشبه ملكا في تلك المدينة، والغرض منها هو معرفة الإنسان جسده وبنيته المهيأة له، وأن انتصاب القامة أجل أشكال الحيوانات، وأن بنية جسد الإنسان مختصرة من العالم الذي هو في اللوح المحفوظ، وأنه الصراط الممدود بين الجنة والنار، وأنه ميزان القسط الذي وضعه الله بين خلقه، وأنه الكتاب الذي كتبه الله بيده، وصنعته الذي صنع الله بنفسه وكلمته الذي أبدع الله بذاته، وأن نفس الإنسانية هي خليفة الله في أرضه حاكما بين خلقه سائسا لبريته مستعملا لعالمه السفلي مدة من الزمان، فإذا انتقل صار زينة لعالمه العلوي وحافظا لذاته الوجودي على الأبد، وأن الإنسان إذا عرف نفسه المستخلف عرف ربه الذي استخلفه، وأمكنه الوصول إليه والزلفى لديه فائزا بنعيم الأبد والدوام السرمد.
العاشرة منها رسالة في «الحاس والمحسوس»، والغرض منها هو البيان عن كيفية إدراك الحواس محسوساتها واتصالها بواسطة القوة الحاسة، واتصالها إلى الحاسة المشتركة الروحانية الواصلة التي منها انبعثت قوى الحواس الظاهرة، وأنها ترد كالخطوط الخارجة من المركز إلى المحيط بنقط كثيرة، الراجعة إليه بنقطة واحدة، وهو أول منازل الروحانية؛ إذ القوة الحاسة المؤدية إليه جسماني بوجه وروحاني بوجه، والحاسة المشتركة - أعني الداخلة - روحانية محضة؛ لأن حكم الجزء منها حكم الكل وإن كانت التجزئة لا تقع عليه بالحقيقة؛ لأن تصورها الشيء بإدراكها واتصالها إلى القوة المتخيلة التي مجراها مقدم الدماغ لتوصلها إلى القوة المفكرة التي مجراها وسط الدماغ؛ لتميزها وتخلصها بجولانها فيها، وتعرف حقائقها ثم توصلها إلى القوة الحافظة الذاكرة التي مجراها مؤخر الدماغ؛ لتمسكها وتحفظها معتقدة أو غير معتقدة إلى وقت التذكار، ثم تؤديها إلى القوة الناطقة العاقلة التي هي ذات الإنسان المدبرة للكل الباقية بالذات تنزع جميع المعاني والصور، ثم تصور تلك المعاني والصور المنتزعة من مصوراتها المرتسمة فيها، وهي القوة الناطقة أيضا بوساطة الأولى، فتلك الصورة هي لها كالموضوع وكالهيولى، والقوة المعتبرة أيضا للنطق الخارج هي القوة الناطقة أيضا على وجه ثالث بواسطة الألسن، فإذا همت الأولى بإظهار شيء إلى خارج - وهو النطق الإلهي على الحقيقة من صورة النفس - تصورت النفس الثانية؛ إذ هما جوهر واحد لتجردهما عن المواد وتعريهما عن الهيولى؛ أعني الجسمانية فتأدت إلى القوة الناطقة التي مجراها على اللسان لتعبر عنها بالألفاظ الدالة للمخاطبين على المعاني التي تخرج من النفس إلى القوة الصانعة التي مجراها اليدان؛ لتخط بالأقلام على أوجه الألواح وصفحات الدفاتر وبطون الطوامير تلك الألفاظ، وهي النطق الخارج والكلام الظاهر لتبقى العلوم بصورها الذاتية؛ أعني معانيها محفوظة من الأولين إلى الآخرين، وخطابا من الحاضرين للغائبين إلى يوم يبعثون.
الحادية عشرة منها رسالة في «مسقط النطفة» وكيفية رباط النفس بها؛ أعني الهيولانية عند تقلب حالاتها شهرا بعد شهر، وتأثيرات أفعال روحانيات الكواكب في أحكام بنية الجسد من المزاج والتركيب أربعة أشهر قدر مسير الشمس ثلث الفلك واستيفائها طبائع البروج من النارية والترابية والهوائية والمائية، ثم كيفية تأثيراتها وأفعالها في أحكام النفس أربعة أشهر أخر، وما ينطبع فيها من التهيؤ والاستعداد التي هي صورة الأولى بالقوة لتصير صورة بالفعل عند التهيؤ لقبول الأخلاق والأعمال والعلوم والآداب والحكم والآراء في مقبل الزمان، ومستقبل العمر بعد الولادة في الشهر التاسع عند دخول الشمس من بيت التاسع من موضعها يوم مسقط النطفة بيت الحركة والسفر والنقلة والتصور والعلم والفطنة، والغرض منها هو الإخبار عن حال الأنفس البسيطة قبل تشخصها واتصالها بالأجسام الجزئية المحصورة المحدودة المحسوسة بوساطة الألوان والأشكال والأعراض الأخر، وأن المكث في الرحم هذه المدة لتتميم البنية وتكميل الصورة، وهو الكمال الأول لاستكمال الآلة وإعدادها الأدوات؛ ولاستتمام رباط النفس بالهيكل واتحادها بقواه وانبساطها في البنية وتمكنها من الجملة.
Page inconnue
الرسالة الثانية عشرة منها في معنى قول الحكماء: «إن الإنسان عالم صغير»، وهو معنى العالم الكبير المؤدي عن جملته والمخصوص بثمرته، وأن صورة هيكله مماثلة لصورة العالم الكبير الجسماني وأن أحوال نفسه وسريان قواها في بنية هيكله وحقيقة جوهره مماثلة لأحوال الخلائق الروحانيين من الملائكة والجن والشياطين وأرواح الحيوانات أجمعين، فإن الإنسان مختصر من العالمين الروحاني والجسماني جميعا، مهيأ مجبول من سوس هو في الحقيقة خلاصة هذا العالم وثمرته وزبدته وكدر هذا العالم وثفالته، وأن يكون جوهر آخر المعاني الجسمانية وأول المعاني الروحانية، فهو كالحد المتاخم لكل العالمين وكالأصل الصالح لمجموع الكمالين وكالجوهر الذي هو بائنته معقول وكيفيته محسوس، وكالشيء الذي بذاته حياة من وجه وذو حياة من وجه، وكالذات القائم بنفسه من جهة، والقائم بغيره من جهة، وكالمعنى المشير بمضمون فحواه ويفطن بمفهومه، لما سواه، ومن وجه آخر كالفرخ المتفقئ عنه البيضة الذي هو له كمال من وجه ومنتهى للكمال من وجه آخر، فهو اللازم للوكر ما دام طائرا بالقوة، فإذا استكمل طار فصار طائرا بالفعل، وكالزاوية التي يوجد ذاتها متوسطة بين المتجزئ وغير المتجزئ، ثم النقطة جامعة لحاليهما؛ أعني البسيط والمركب، وكالنبوة التي هي ممتدة إلى الروحانيين بخط وإلى الجسمانيين بخط، ثم الوحي جامع بين طرفيهما والإلهام حاو لحديهما، وكنهاية المحيط التي هي السطح لذي مكان وليس له مكان، والغرض من هذه الرسالة هو الإخبار عن حال الأنفس البسيطة قبل تشخيصها واتصالها بالأجسام الجزئية والأشخاص الحسية وعلة اتصالها مدة وحال مفارقتها عند بلوغ نهايتها، وكيف يعرف الإنسان هويته وآنيته وكيفية نفسه وحقيقة ذاته، وأنه مجموع فيه معاني الموجودات كلها، فهو كالكل ومحيط بالجميع فينتبه كذلك ويتأمل الصواب والفرصة مدة حياته فيقصده ويقتنيه ويحتويه؛ إذ لذلك أنشأه منشيه فيعيده ويبديه ويديمه ويبقيه، وهو يبليه ويشفيه ويهديه لينجيه فيفوز بالبقاء والنعيم، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
الرسالة الثالثة عشرة منها في «كيفية نشر الأنفس الجزئية في الأجساد البشرية والأجسام الطبيعية»، والغرض منها البيان عن كيفية بلوغ الإنسان بدوام انتقاله وتغير أحواله وآخر معاده ومآله، وكيف يصير إلى رتبة الملائكة ومنازل الروحانيين دار القرار ومحل الأخيار عند خلع المادة وبلوغ الإرادة ونهاية السعادة إلى حلوله بعد الموت أو قبله بوجوده الصوري وجوهره النوري. الرسالة الرابعة عشرة منها في «بيان طاقة الإنسان في المعارف»، إلى أي حد هو ومبلغه في العلوم إلى أي غاية ينتهي وأي شرف منها يرتقي، والغرض منها هو التنبيه على معرفة الله - جل جلاله - والقصد نحوه واستنجاز لقائه والوقوف بين يديه والرجوع بالكلية إليه، كما كان منه المبدأ وإليه المعاد والمنتهى. الرسالة الخامسة عشرة منها في «ماهية الموت والحياة»، وما الحكمة في وجودها في الدنيا عالم الكون والفساد وما حقيقة المعاد، والغرض منها هو البيان عن علة رباط الأنفس الناطقة بالأجساد البشرية واتصالها بالأشخاص الجزئية إلى وقت الموت، وكيفية التأهب والاستعداد قبل الفوت والاستعجال ما دام الخلاص ممكنا والنجاة معرضة والأجسام موجودة والآلة متمكنة، والاستهانة بالموت والتجافي عنه وإزالة الخوف منه ببقاء النفس بعد الموت، الذي هو مفارقتها الجسد وترك استعمالها إياه واستراحتها من أذاه ووصولها إلى عالمها ووجودها مناها وبلوغها منتهاها، وأنه لا سبيل لها إلى البقاء السرمدي الذي لا يتغير ولا يزول إلا بمفارقة الجسد المستحيل الذي هو سبب الانتقال والزوال والتغير من حال إلى حال.
الرسالة السادسة عشرة منها في «ماهية اللذات والآلام الجسمانية والروحانية»، وعلة كراهية الحيوانات الموت، وكيف أسباب الآلام واللذة التي تنال النفوس بسبب الأجسام، وكيف تنال بمجردها إذا فارقت الجسد، وكيف يكون انفرادها بذاتها وتجردها بنفسها خلوا منها وانتهاؤها إلى الفردانية واتحادها بالجوهر الصورانية والذوات الروحانية، وكيف تكون لذات أهل الجنان وآلام أهل النيران، والغرض منها هو التصور أن عذاب أهل جهنم كيف يكون مع الجن والشياطين المغللة المقيدة المنكوسة المعكوسة، وأن نعيم أهل الجنان كيف يكون مع الملائكة والروحانيين مسرورين فيها مخلدين لا يمسهم فيها نصب ولا عناء، يتبوءون من الجنة حيث يشاءون، وأن جهنم عالم الكون والفساد يصلاها من شقي بسوء المنقلب والمعاد، وأن الجنان في أعالي عالم الأفلاك وسعة السماوات سعد بها من فاز بعد الممات بذخائر الخيرات والباقيات الصالحات.
الرسالة السابعة عشرة منها في «علل اختلاف اللغات»، ورسوم الخطوط والعبارات، وكيف مبادئ المذاهب والديانات والآراء والاعتقادات وأول نشوئها، وابتداؤها ونماؤها وتزايدها حالا بعد حال وقرنا بعد قرن، وكيفية انتقالها من قوم إلى قوم، وسبب تغييراتها والزيادة فيها والنقصان منها، والغرض منها هو التنبيه على أن أفعال النفس إنما تقع بحسب ما في طبعها وغريزتها، وأن قوة البحث عن الخفيات موجودة في جوهريته؛ أي بضمير التذكير اعتبارا للإنسان أي في جوهرية النفس كالمادة والعلم صورة لتلك المادة، فهي علامة بالقوة والعلم صورة قائمة فيها، وأن في قوتها أن تعلم الأشياء المحسوسة والمعقولة من أصناف العلوم في الأعلى والأسفل والأدق والأجل منها بقوة النطق؛ ولذلك يسنح لذاته سوانح ويخطر بباله خواطر فيعمل فيها فكره فيستخرج بعلمه آراء ويستنبط بذهنه مذاهب، ثم يعبر عن تلك الصورة المتخيلة في ضميره بألفاظ مؤدية عنها، ثم يقيد تلك الألفاظ برسوم من الكتابة دالة على تلك الألفاظ دلالة الألفاظ على تلك الخواطر ودلالة الخواطر على أعيان الأشياء وحقائقها ومعانيها، وإنما يتعاطون ذلك على حسب مناسبات من الطباع واتفاقات تقع في الأوقات والبقاع، والمنشأ والمولد والمخالطات بأقوام أصدقاء وأقارب ومعارف والإصغاء إليهم والأخذ عنهم والتخلق بأخلاقهم، فبحسب هذه الاتفاقات إيثار الإنسان الشيء على غيره من الآراء والمذاهب والمطالب والاعتقادات والنحل والصناعات والمكاسب؛ لأن كل إنسان وإن كان في ظاهر أمره متمكنا من اختيار ما يقتنيه من المذاهب والآراء، فبينه وبين كل واحد منها مناسبات جبلية باطنة وعادات ألفية ظاهرة تجذبها إليه وتحببها عنده وتحرضه عليها وتدعوه إليها، وبحسب انجذابه في طبعه وميله وألفه يكون تبرزه فيها ومهارته بها؛ ولذلك برز أحدهم في شيء وتخلف آخر واجتهادهما واحد وربما اتفق واحد منهم أن يسمع كلاما أو يرى أمرا فيرضاه لنفسه ويميل إليه بطبعه ويقتنيه ويدخل في جملة أهله فيتأكد ألفته وأنسه به على مرور الزمان، فإذا قوي الألف، واستمرت العادة، وسكنت نفسه إليه، وتمكن من قلبه لشدة صحبته له ومعرفته به وفرط ميله إليه آثره على غيره حتى يصير في آخر الأمر ألفا لما يختاره منه ومعاندا لما سواه، ويرى له الفضل على غيره من المذاهب الحقيقية والآراء العقلية وإن كان مفضولا، ويحكم له بالشرف والعلو وإن كان مشروفا، فبحسب ذلك تكثر الاختلافات، وتتباين المذاهب والديانات والحق فيهم مع الأنزر الأقل والآخر لاحق بالأول.
•••
ومنها الرسائل النفسانية العقلية، تشتمل على عشر رسائل: الرسالة الأولى منها في «المبادئ العقلية» على رأي الفيثاغوريين، والغرض منها أن الباري - جل جلاله - لما أبدع الموجودات في المبدع الأول وهو العقل، واخترع المخترعات بوساطته في النفس، وخلقها مقدرة في الطباع، وكونها بحسب الأمهات والموالد، ورتبها ونظمها كمراتب الأعداد من الواحد الذي قبل الاثنين والاثنين قبل الثلاثة وكذلك ما بعده، وجعل لكل جنس منها حدا مخصوصا ونهاية معلومة مطابقة بعضها لبعض فاعلة ومنفعلة هيولى وصورة، نوعا وجنسا، إذا رأى ذلك أحكم وأتقن وأكمل وأهدى إليه وأبين. الرسالة الثانية منها في «المبادئ العقلية» على رأي إخوان الصفا وخلان الوفا، والغرض منها هو البحث عن علة الأشياء والأخبار وأسباب الكائنات الكليات والجزئيات عن الباري - جل وعز - كتركيب العدد الصحيح عن الواحد قبل الاثنين. الرسالة الثالثة منها في معنى قول الحكماء: «إن العالم إنسان كبير» ذو نفس وروح حي، عالم طائع لباريه، خلقه ربه - جل ثناؤه - يوم خلقه تاما كاملا، وأن كل الخلائق داخلون فيه وهو جملتهم، وليس خارج العالم شيء آخر لا خلاء ولا ملاء، وليس العالم في مكان وكل ما فيه في مكان موكل كل واحد من أهل العالم بما يتأتى منه، ويقدر عليه يفعلون ما يؤمرون وكل في فلك يسبحون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، كما قال تعالى @QUR014 وما منا إلا له مقام معلوم * وإنا لنحن الصافون * وإنا لنحن المسبحون. الرسالة الرابعة منها في «العقل والمعقول»، وما العقل الهيولاني وما العقل بالقوة وما العقل بالفعل، وما العقل المستفاد وما العقل الفعال، والغرض منها هو تعريف ذات الإنسان وصورة الصور، وما جوهر النفس بحقيقتها والإشارة إلى الباقي فيها وكيف اجتماع صور المعلومات فيها على تباينها وتغايرها وكيف تصورها الموجودات المنتزعة من المواد، وكيف تصير أحد موجودات العالم بعد أن لم يكن شيء من الموجودات إلا بالقوة وكيف خروجه بالصورة من العدم إلى الوجود وكيف يحصل عقلا بالفعل وعاقلا بالفعل ومعقولا بالفعل والوجود الصوري مجردا من سائر المواد معراة من الهيولات فتبقى ببقاء العقل الفعال وجه الله ذي الجلال والإكرام، لا إله إلا هو، كل شيء هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون. الرسالة الخامسة منها في «الأكوار والأدوار واختلاف القرون والأعصار والزمان والدهور»، والغرض منها هو البيان عن كيفية إنشاء العالم ومبدأه وترتيبه وظهوره وغايته، وكيفية فنائه وخرابه لو انقطعت مواد بقائه عن مبقيه لينعدم في الحال ويضمحل بلا زمان، وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب.
الرسالة السادسة منه في «ماهية العشق»، ومحبة النفوس ونزوعها وتشوقها إلى الاتحاد والمرض الإلهي وما حقيقته ومن أين مبدأه، والغرض منها هو البيان بأن السابق المشوق إليه، المعشوق المطاع المراد المطلوب، المحبوب على الحقيقة هو الباري - جل ثناؤه - وأن الخلائق وجملة العالم مشتاقة إليه مريدة متحركة نحو الكمال باستتمام الصورية، وعاشقة إلى مصورها الذي هو فوق الصور والكمال التمام، وهو الباري المصور له الأسماء الحسنى والأمثال العلى.
الرسالة السابعة منها في «ماهية البعث والصور والنشور والقيامة والحساب وكيفية المعراج»، وعلمها هو الغرض الأقصى من رسائلنا كلها، وإليه المنتهى وهو الغاية القصوى، وإليه أشار بقوله: @QUR011 تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. الرسالة الثامنة منه في «كمية أجناس الحركات وكيفية اختلافها ومباديها وغايتها»، والغرض منها هو البيان عن كيفية وجود العالم عن الباري - جل جلاله - وكيف حركة الطبائع إلى استكمالها وقبول صورها الخاصية في كل واحد منهما، وكيفية سكونها عند استكمال كل واحد منها لصورته الخاصية؛ إذ بالصورة يصير الشيء هو ما هو، وبه يحصل في الوجود ويتميز ويتحيز ويصير شيئا معلوما مشارا إليه. الرسالة التاسعة منها في «العلل والمعلولات»، وكيف رجوع أواخرها على أوائلها وأوائلها على أواخرها، والغرض المقصود منها هو معرفة أصول العلوم ومباديها وأسبابها وقوانينها، ورسومها وكيفياتها على الحقيقة. الرسالة العاشرة منها في «الحدود والرسوم»، والغرض منها هو معرفة حقائق الأشياء وماهياتها وأجناسها وأنواعها المركبة والبسيطة بما هي كل واحد منها، وبمعرفتها الوقوف على ذوات الأشياء وكيفياتها وفصولها.
•••
ومنها «الرسائل الناموسية الإلهية والشرعية الدينية»، وهي تشتمل على إحدى عشرة رسالة: الرسالة الأول منها في «الآراء والمذاهب» في الديانات الشرعية الناموسية والفلسفية، وبيان اختلاف العلماء في أقاويلهم، وما أدى إليه اجتهادهم من البحث والنظر، والكشف عن الحقائق والأصول، وكمية تلك المقالات وما الأسباب والعلل التي من أجلها كان اختلافهم، ومن المحق ومن البطل، وما يصلح للجميع وما يصلح للخاص وما يصلح للعام، والغرض من هذه كلها هو البيان بأن المذاهب والديانات كلها وضعت كالعقاقير والأدوية والأشربة لمرض النفوس وكسب الصحة ولطف الحيل؛ لخلاصها من بحر الهيولى وأسر الطبيعة، ووصف طريق الآخرة وكيفية النجاة في المعاد من جهنم عالم الكون والفساد، والوصول إلى الجنان والفردوس عالم الأفلاك والسبع السماوات، وأن أكثر هذه الديانات لأقوام قد انحرفوا عن طريق النجاة وبعدوا عن انتهاج سبيل الرشاد، فاستولى عليهم الميل والعصبية والحمية الجاهلية نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة، فضلوا ضلالا بعيدا، وما الله بظلام للعبيد. الرسالة الثانية منها في «ماهية الطريق إلى الله عز وجل» وكيفية الوصول إليه، والغرض منها هو الحث على تهذيب النفس وإصلاح الأخلاق وتطهير السرائر وتنزيه الضمائر، وتنبيه النفوس الساهية عما بعد الموت في المعاد من أحوال القيامة والبعث والنشر والحساب والميزان، والصراط والجواز على جهنم والورود فيها وحقائق معانيها، @QUR018 وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا * ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا. الرسالة الثالثة منها في «بيان اعتقاد إخوان الصفا وخلان الوفا» ومذاهب الربانيين الإلهيين، والغرض منها هو وضوح الحجة على بقاء النفوس بعد مفارقتها الجسد الذي يسمى الموت، وحل الشكوك فيها وكشف الشبه بطريق إقناعي لا برهاني؛ إذ الرسالة الجامعة مقصورة على البراهين على ما أشرنا إليه في رسائلنا التي هي كالمدخل إليه والعنوان له. الرسالة الرابعة منها في «كيفية عشرة إخوان الصفا وخلان الوفا» وتعاون بعضهم لبعص بصدق المودة وصحة المحبة ومحض الرأفة والشفقة والتحنن والرحمة، وسيرهم في صلواتهم ومذاكرتهم ومجالستهم واجتماعاتهم، والغرض منها تأليف القلوب والتعاضد في الدين والدنيا جميعا؛ إذ هي سبب نجاتهم والمؤدية إلى خلاصهم.
Page inconnue
الرسالة الخامسة منها في «ماهية الإيمان وخصال المؤمنين المحقين»، والغرض منها هو معرفة الجلالة الروحانية، وما الإلهام وما الوسوسة وما التوفيق وما الخذلان وما الهداية وما الضلالة؛ إذ كان هذا الباب علما غامضا وسرا خفيا من العلوم الروحانية والأسرار النفسانية. الرسالة السادسة منها في «ماهية الناموس الإلهي والوضع الشرعي» وشرائط النبوة وكمية خصالهم ومذاهب الربانيين والإلهيين، والغرض منها هو التنبيه على أسرار الكتب النبوية ومرامي مرموزاتهم المقصودة وأوضاعهم الناموسية الإلهية والتهدي إليها، وكيفية الكشف لها من المهدي المنتظر والبرقليط الأكبر. الرسالة السابعة منها في «كيفية الدعوة إلى الله عز وجل» بصفوة الأخوة وصدق الوفاء ومحض المودة وخطاب طبقات المدعوين ومنازل المستجيبين إلى ذلك، والغرض منها هو البيان بأن دولة أهل الخير تبتدي أولها من قوم أخيار فضلاء أبرار، يجتمعون ويتفقون على رأي واحد ومذهب واحد وسنة رضية وسيرة عادلة من غير تخاذل ولا تقاعد. الرسالة الثامنة منها في «كيفية أفعال الروحانيين والجن والملائكة المقربين والمردة والشياطين»، والغرض منها هو البيان أن في العالم فاعلين نفسانيين روحانيين غير جسمانيين، لا يتمانعون ولا يتزاحمون ولا يتضايق بهم المكان ولا يحويهم الزمان، ولا يتحصلون بمشاعر الحواس ومدارك العيان، ذواتهم حيث أفعالهم وصورهم معروفة بآثارهم. الرسالة التاسعة منها في «كمية أنواع السياسات» وكيفيتها ومراتب المسوسين وصفات المدبرين لها في العالم، والغرض منها هو البيان بأن مدبر الجميع وسائس الكل الحكيم الأول الباري المصور - جل جلاله - وأن من كان أحسن سياسة وأحسن تدبيرا كان عند الله أعظم منزلة ولديه أقرب زلفة، ومن كان بقدرة الله أبصر وبحكمته أعرف كان بسياسة خلقه أعلم، ومن كان بها أعلم فسياسته أحسن وأعدل، ومن كان كذلك فإليه أقرب ولديه أوجه. الرسالة العاشرة منها في «كيفية نضد العالم بأسره» وفي مراتب الموجودات ونظام الكائنات، وأن آخرها منعطف على أولها من أعلى الفلك المحيط إلى منتهى مركز الأرض، وأنها كلها عالم واحد كمدينة واحدة وكحيوان واحد وكإنسان واحد، والغرض منها هو الوقوف على معرفة الحقائق ومباديها وتواليها وسوابقها ولواحقها، علما يقينا وبيانا شافيا مقنعا كافيا بلا شك ولا شبهة ولا ريب ولا مرية، وأن مبدأها كلها صادرة عن فعل الله - عز وجل - وحده الذي هو الإبداع المحض لا من موجود هو أولها بالوجود والوحدة وأقدمها فيه، وهو المبدئ الذي أبرز الله فيه سائر الموجودات تنبعث منه القوى متكثرة نحو غايتها المختلفة، وإليها تتصاعد متحدة، وأن إلى ربك المنتهى وإلى الله ترجع الأمور، وجعله السبب الأول الذي به يتعلق ما سواه من سائر الموجودات تعلق المعلول بالعلة، مرتبطا بعضها ببعض فاعلة ومنفعلة، منتقلا من رتبة الدنيا إلى رتبة القصوى ارتباط معلول بعلة على حسب بواديها وتواليها إلى أن تتلاحق بأجمعها، وتتوارد بأسرها إليه، فيكون هو علة العلل ومبدأ المبادئ الفائضة بما أفاض إليه الباري - جل جلاله - على ما دونها بخيرها، ووجودها يقبل كل ذات من الذوات بقدر ما يحتمله منها من الوجود اللائق به في الدوام والبقاء نور الله وعنايته ورحمته وكلمته به، الله يهدي من يشاء ويثيب وإليه يرجع من ينيب.
الرسالة الحادية عشرة منها في «ماهية السحر والعزائم»، وماهية العين والزجر والفأل والوهم والرقى، وكيفية أعمال الطلسمات الباقية، وما عمارة الأرض وما الجن وما الشياطين وما الملائكة المقربون والروحانيون، وكيف تأثيرات بعضهم في بعض، والغرض منها هو البيان بأن في العالم فاعلين غير مرئيين ولا محسوسين يسمون روحانيين، أفعالهم ظاهرة وذواتهم باطنة، منها ما تظهر أفعاله بوساطة الطبيعة، ومنها بوساطة النفس، ومنها بوساطة العقل وهو أجل منازل المخلوقين وأعلى رتبة الروحانيين؛ لأن الباري - جل ثناؤه - جعل العقل سابقا والنفس لاحقا، والطبيعة سائقا والهيولى شائقا والعدم ماحقا، والعقل هو المبدئ الأول والموجود الأول عن موجده أبدئ وبه يبقى؛ ولذلك صار ممتد الوجود بوجوده مستكمل الفضائل والخيرات، تام الأنوار والبركات معرى من الشوائب والتغييرات، مبرأ من النقص الواقع من جهة الهيوليات، يرتب كل موجود مرتبة وينزله منزله ويوفيه قسطه في لزوم النظام والبلوغ إلى التمام؛ ولذلك جعل له القوة الحافظة على سائر الموجودات ووجوداتها العاقلة لهم ذواتها الخاصة بواحد واحد منها يستحقها أو يليق بها، فلذلك يشار إلى ذاتها باسم الفعل الصادر عنها؛ إذ فعله ذاته وصورته تأثيراته، فهذا هو السابق البادي، ثم يليه اللاحق التالي وهو القوة المخترعة بوساطته المبدعة بها الذوات من سائر الموجودات أفضل أحوالها في الوجود الذي هو الحياة، وهي النفس التي بها أعطى الأجسام أفضل صورها وأتم وجودها، ولما تصورت الأجسام بها، وانطبعت فيها حصلت لها بها قوة تتعلق بها الأجسام على قدر اختلافها فحصل صورة كل واحد منها مخالفة لصورة الآخر وهو الطبيعة الباقية في الأجسام، يحصل بها التخلق والتصور والتشكل بالصورة الخاصة لواحد واحد منها، وهي قوة وضعها الباري - جل جلاله - في الجسم، وعلق قوامه بوجودها فيه، وصيره بخاصتها للتحرك به إلى تمام معدله وغاية قدر لبلوغه إليه ووقوفه عنده إلا أن يعوقه عائق من خارج، فيمتنع من حركته إلى أن ينقطع ذلك فيعود إلى حركته الخاصية، ثم الهيولى الأولى التي هي ذات بالقوة لا موجود بالفعل يخرج إلى الوجود بالفعل بقبول الصورة التي بها يصير الشيء هو ما هو، ويفارقه كون العدم والعدم هو لا موجود بالفعل ولا موجود بالذات، موجود بالعرض، فسبحان خالق الوجود والعدل وباسط الأنوار ، والظلم موجد وجود كل موجود، فينعدم ومعيده فينصرم ومنشئه فيبلى ومبقيه ليبقى، منه المبدأ وإليه المنتهى، تم الكلام على الرسائل.
وتليها «الرسالة الجامعة لما في هذه الرسائل المتقدمة كلها» المشتملة على حقائقها بأسرها، والغرض منها إيضاح حقائق ما أشرنا إليه، ونبهنا في هذه الرسالة عليه أشد الإيضاح والبيان، يأتي على ما فيها فيتبين حقائقها ومعانيها ملخصة مستوفاة مهذبة مستقصاة ببراهين هندسية يقينية ودلائل فلسفية حقيقية، وبينات علمية وحجج عقلية وقضايا منطقية وشواهد قياسية وطرق إقناعية، لا يقف على كنهها ولا يحيط بحقائقها ولا يحصلها ولا شيئا منها إلا من ارتاض بما قدمنا، وحذق وعرف وتدرب فيها وتمهر أو بما يشاكله؛ إذ هذه الرسائل كلها كالمقدمات لها والمداخل إليها والأدلة عليها والأنموذج منها لا ينفتح غلق معتاصها، ولا ينكشف مستور غامضها إلا لمن تهذب بهذه الرسائل الاثنتين والخمسين أو بما شاكلها من الكتب، والرسالة الجامعة من رسائلنا هي منتهى الغرض لما قدمناه، وأقصى المدى ونهاية القصد وغاية المراد، ولله الحمد والمنة وله الحول والقوة.
هذه فهرست رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا وأهل العدل وأبناء الحمد، وهي اثنتان وخمسون رسالة، ورسالة في تهذيب النفوس وإصلاح الأخلاق.
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن مثل صاحب هذه الرسائل مع طالبي العلم ومؤثري الحكمة، ومن أحب خلاصه واختار نجاته كمثل رجل حكيم جواد كريم له بستان خضر نضر بهج مونق، معجب طيب الثمرات لذيذ الفواكه عطر الرياحين أرجة الأوراد فائحة الأزهار بهية المنظر، نزهة المرامي مختلفة الأشكال والأصباغ والألوان والمذاق والمشام من بين رطب ويابس وحلو وحامض، وفيها من سائر الطيور المطربة الأصوات الملهية الألحان المستحسنة التغريد، تطرد تحت أشجارها أنهار جارية وخلال أزهارها وخضرها جداول منسابة تموج، وفي حافات الأنهار خضر مونقة وأصداف مشرقة الألوان وجواهر متناسبة الأصباغ رائقة المناظر عجيبة الصور بديعة التأليف غريبة التنضيد، فرحة كل نفس، ونزهة كل عين، مسلاة كل هم، مدعاة كل أنس، فأراد لكرم نفسه وسخاء سجيته أن يدخلها كل مستحق ويتلذذ فيها وبها كل مشرف عاقل، فنادى في الناس أن هلموا وادخلوا هذا البستان وكلوا من ثمارها ما اشتهيتم، وشموا من رياحينها ما اخترتم، وتفرجوا كيف شئتم، وتنزهوا أين هويتم، وافرحوا واطربوا وكلوا واشربوا وتلذذوا وتنعموا واستروحوا بطيبها وتنسموا بروائحها، فلم يجبه أحد ولم يصدقه خلق، ولا عبئوا به، ولا التفتوا إليه استعظاما لقوله واستبعادا لوصفه واستكبارا لكلامه واستغرابا لذكره، فرأى الحكيم من الرأي أن وقف على باب البستان وأخرج مما فيه تحفا وطرفا ولطفا من كل ثمرة طيبة وفاكهة لذيذة وريحان زكي وورد جني ونور أنيق وجوهر بهي وطير غرد وشراب عذب، فكل من مر به عرضها عليه وشهاها إليه وذوقه منها، وحياه بها، وأشمه من فوائح الرياحين، وأسمعه من بدائع التلحين حتى إذا ذاق وشم وفرح به وطرب منه وارتاح إليه واهتز وعلم أنه قد وقف على جميع ما في البستان، ومالت إليه نفسه واشتاق إلى دخول البستان وتمناه وقلق إليه ولم يصبر عنه، فقال له عند ذلك: ادخل البستان وكل ما شئت وشم ما شئت واختر ما شئت، وانظر كيف شئت وتنزه أين شئت، وجئ من أين شئت وتلذذ وتنعم وتطيب وتنسم.
فهكذا ينبغي لمن حصلت عنده هذه الرسائل، والرسالة لا يضيعها بوضعها في غير أهلها وبذلها لمن لم يرغب فيها، ولا يظلمها بمنعها عن مستحقها وصرفها عن مستوجبها ولا يعرفها إلا لكل حر خير سديد مبصر للقصد، مجلب للرشد من طالبي العلم ومؤثري الأدب ومحبي الحكم، وليتحرز في حفظها وأسرارها وإعلانها وإظهارها كل التحرز، ويحرسها غاية الحراسة ويصنها أحسن الصيانة، وليكن المؤدي فيها حق الأمانة، لا يضعها إلا في حقها ولا يمنعها عن مستحقها، فإنها جلاء وشفاء ونور وضياء، بل كالداء إن لم تكن دواء، وكالفساد إن لم تكن صلاحا، وكالهلاك إن لم تكن نجاة تداوي، وقد تدوي وتميت وتحيي، فهي كالترياق الكبير الذي هو في نفسه وحده، وتختلف الأحوال عنده فيفعل الشيء وضده بحسب القوابل والمنفعلات عنه والحواصل والمتوالد منه، بل مثلها الغذاء والضياء فإن بالغذاء القوة والزيادة، وبالضياء الأبصار والهداية.
فكما أن الصبي الصغير والطفل الرضيع السليم من الداء المستعد للزيادة والنماء يحتاج إلى حسن التربية ولطف التغذية وإطعام ما هو له أوفق وأصلح وفيه أزكى وأنجع على معرفة ومقدار، ثم التدرج بغذائه حالا بعد حال إلى استكمال قوته وتمام بنيته؛ لئلا يتغذى بما لا ينجع فيه ولا يستمرئه فيمرضه ويدويه بل يهلكه ويرديه، فكان الذي أعد لشفائه وبقائه هو سبب دائه وفنائه، أو كالعليل الملتبس بالداء البعيد من الشفاء إن غذي لا ينتفع بغذائه بل يزيد في دائه، وربما كان سبب هلاك نفسه وانقضاء عمره، وأما الضياء فإنه لا يصلح إلا لمن فتح عينه وصح نظره وقوي بصره، ويزيده الجلاء جلاء والنور قوة وضياء، فأما من لم يفتح عينه أو كان قريب العهد بالخروج من الظلام فيضعف جدا عن مقابلة ضوء النهار ونور الشمس بل يكسبه الضياء ظلمة البصر حتى ربما صار ضلالا وعمى، وكذلك من كان عليل الطرف أرمد العين ذا عور أو في بصره سوء وقذى فلا يفتح عينه فيبصر، ولا يعاين الصور فيميز، بل يستريح أبدا إلى الظلمات، ويهرب من الضياء، وكما زاد الضياء نقص إبصاره وضعف إدراكه، فإن لج أداه إلى الغشاء والعماء وفقد النظر وذهاب البصر، كذلك الواجب على من حصلت عنده هذه الرسائل وهذه الرسالة أن يتقي الله تعالى فيها بأن يهتم ويعتني بها غاية العناية، ولا يخل بهذه الوصاية، ويتلطف في استعمالها وإيصالها تلطف الأخ الشقيق والأب الشفيق والواد الصديق والطيب الرفيق بعد بذل وسعه واستفراغ جهده في توخي القصد، وتحري الصواب في بذله شيئا بعد شيء لمن رآه شديد الحاجة إليه؛ عظيم الحرص عليه؛ كثير الرغبة فيه بعد أن اختبرهم واستبرأهم واستكشف حالهم فمن أنس منه رشدا ورجا فيه خيرا ممن أقصى مناه خلاص روحه ونجاة نفسه وجعل سعيه فيما يرجع إلى ذاته وإلى ما هو سبب حياته يزهد في أعراض الدنيا، ويرغب فيما هو خير وأبقى لا يكذب نفسه ولا يسامحها بل يصدقها صدقا، ويجد حزما، ويعلم حقا أن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى وأن إلى ربك المنتهى، دفعها إليه رسالة رسالة على الولاء شبيه الغذاء والتربية والنماء وكالدواء للصحة والشفاء والكحل والجلاء لتقوية البصر والضياء ما يقرب من فهمه ويليق بمحله من علمه، ويستصلحه لمثله قدر ما يغذيه ويربيه ويصحه ويشفيه، بل يبصره ويهديه ويشده ويقويه أولا فأولا، على الترتيب المبين في الفهرست حتى إذا ما تمكنت الحكمة من نفسه وأنست به وتصورت عنده واستقر في خلده وقوي فيه وتحقق بفكرة معانيه، طلب عند ذلك الكل بشدة حرص وانشراح صدر وغاية رغبة وخلوص نية وقوة عزيمة، وفضل معرفة وزيادة يقين وصحة بصيرة فحصلها وعمل بها، واستحق بعد النظر فيهن والوقوف على جمل معانيهن النظر في الرسالة الجامعة التي هي نهاية المراد ونزهة المرتاد والفوز في المعاش والمعاد؛ لأن بهن التوصل إليها وبفهمهن الوقوف عليها، فمن وفقه الله لذلك ويسره فقد هداه من الحيرة، وأحياه بعد الموت، وأمنه من الخوف، وأزلفه إليه، وأسبغ جلائل نعمه عليه فيبقى بقاء الأبد، ويدوم دوام السرمد في السعادة التامة والبركات العامة والنعيم المقيم، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
(تمت فهرست رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا وأهل العدل وأبناء الحمد وأرباب الحقائق وأصحاب المعاني، في تهذيب النفوس وإصلاح الأخلاق، للبلوغ إلى السعادة الكبرى والجلالة العظمى والبقاء الدائم والكمال الأخير بحول الله وقوته وتأييده وتوفيقه، وله الحمد وحده وصلى الله على رسوله سيدنا محمد وآله الأئمة الطاهرين وسلم تسليما عليهم أجمعين.)
القسم الرياضي
الرسالة الأولى في العدد
Page inconnue
@QUR07 الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى
اعلم أيها الأخ البار الرحيم بأنه لما كان من مذهب إخواننا الكرام - أيدهم الله - النظر في جميع علوم الموجودات التي في العالم من الجواهر والأعراض والبسائط والمجردات والمفردات والمركبات، والبحث عن مبادئها وعن كمية أجناسها وأنواعها وخواصها، وعن ترتيبها ونظامها على ما هي عليه الآن، وعن كيفية حدوثها ونشوئها عن علة واحدة ومبدأ واحد من مبدع واحد جل جلاله، ويستشهدون على بيانها بمثالات عددية وبراهين هندسية مثل ما كان يفعله الحكماء الفيثاغوريون؛ احتجنا أن نقدم هذه الرسالة قبل رسائلنا كلها، ونذكر فيها طرفا من علم العدد وخواصه التي تسمى «الأرثماطيقي» شبه المدخل والمقدمات؛ لكيما يسهل الطريق على المتعلمين إلى طلب الحكمة التي تسمى الفلسفة، ويقرب تناولها للمبتدئين بالنظر في العلوم الرياضية، فنقول:
الفلسفة أولها محبة العلوم، وأوسطها معرفة حقائق الموجودات بحسب الطاقة الإنسانية، وآخرها القول والعمل بما يوافق العلم. والعلوم الفلسفية أربعة أنواع: أولها الرياضيات، والثاني المنطقيات، والثالث العلوم الطبيعيات، والرابع العلوم الإلهيات، فالرياضيات أربعة أنواع: أولها الأرثماطيقي، والثاني الجومطريا، والثالث الأسطرنوميا، والرابع الموسيقى، فالموسيقى هو معرفة تأليف الأصوات وبه استخراج أصول الألحان، والأسطرنوميا هو علم النجوم بالبراهين التي ذكرت في كتاب المجسطي، والجومطريا هو علم الهندسة بالبراهين التي ذكرت في كتاب إقليدس، والأرثماطيقي هو معرفة خواص العدد وما يطابقها من معاني الموجودات التي ذكرها فيثاغورس ونيقوماخس، فأول ما يبتدأ بالنظر به في هذه العلوم الفلسفية الرياضيات، وأول الرياضيات معرفة خواص العدد؛ لأنه أقرب العلوم تناولا، ثم الهندسة ثم التأليف ثم التنجيم ثم المنطقيات ثم الطبيعيات ثم الإلهيات، وهذا أول ما نقول في علم العدد شبه المدخل والمقدمات:
الألفاظ تدل على المعاني والمعاني هي المسميات، والألفاظ هي الأسماء، وأعم الألفاظ والأسماء قولنا: «الشيء»، والشيء إما أن يكون واحدا أو أكثر من واحد، فالواحد يقال على الوجهين إما بالحقيقة وإما بالمجاز، فالواحد بالحقيقة هو الشيء الذي لا جزء له البتة ولا ينقسم، وكل ما لا ينقسم فهو واحد من تلك الجهة التي بها لا ينقسم، وإن شئت قلت الواحد ما ليس فيه غيره بما هو واحد، وأما الواحد بالمجاز فهو كل جملة يقال لها واحد كما يقال عشرة واحدة ومائة واحدة وألف واحد. والواحد واحد بالوحدة، كما أن الأسود أسود بالسواد، والوحدة صفة للواحد كما أن السواد صفة للأسود. وأما الكثرة فهي جملة لآحاد، وأول الكثرة الاثنان ثم الثلاثة ثم الأربعة ثم الخمسة، وما زاد على ذلك بالغا ما بلغ. والكثرة نوعان: إما عدد وإما معدود، والفرق بينهما أن العدد إنما هو كمية صور الأشياء في نفس العاد، وأما المعدودات فهي الأشياء نفسها، وأما الحساب فهو جمع العدد وتفريقه. والعدد نوعان: صحيح وكسور، والواحد الذي قبل الاثنين هو أصل العدد ومبدأه، ومنه ينشأ العدد كله، صحيحه وكسوره، وإليه ينحل راجعا، أما نشوء الصحيح فبالتزايد، وأما الكسور فبالتجزؤ، والمثال في ذلك ما أقول في نشوء الصحيح إنه إذا أضيف إلى الواحد واحد آخر يقال عند ذلك إنهما اثنان، وإذا أضيف إليهما واحد آخر يقال لتلك الجملة ثلاثة، وإذا أضيف إليها واحد آخر يقال لها أربعة، وإذا أضيف إليها واحد يقال لها خمسة، وعلى هذا القياس نشوء العدد الصحيح بالتزايد واحدا واحدا بالغا ما بلغ، وهذه صورتها: «1 2 3 4 5 6 7 8 9».
وأما تحليل العدد إلى الواحد فعلى هذا المثال الذي أقول إنه إذا أخذ من العشرة واحد تبقى تسعة، وإذا ألقي من التسعة واحد تبقى ثمانية، وإذا أسقط من الثمانية واحد تبقى سبعة، وعلى هذا القياس يلقى واحد واحد حتى يبقى واحد، فالواحد لا يمكن أن يلقى منه شيء؛ لأنه لا جزء له البتة، فقد تبين كيف ينشأ العدد الصحيح من الواحد وكيف ينحل إليه، وأما نشوء العدد الكسور من الواحد فعلى هذا المثال الذي أقول إنه إذا رتب العدد الصحيح على نظمه الطبيعي الذي هو واحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة ثمانية تسعة عشرة، ثم أشير إلى الواحد من كل جملة فإنه يتبين كيف يكون نشوءه من الواحد، وذلك أنه إذا أشير إلى الواحد من الاثنين يقال للواحد عند ذلك نصف، وإذا أشير إلى الواحد من جمله الثلاثة فيقال له الثلث، وإذا أشير إليه من جملة الأربعة يقال له الربع، وإذا أشير إليه من جمله الخمسة يقال له الخمس، وكذلك السدس والسبع والثمن والتسع والعشر، وأيضا إذا أشير إلى الواحد من جملة الإحدى عشر فيقال له: جزء من أحد عشر ومن اثني عشر نصف السدس ومن ثلاثة عشر جزءا من ثلاثة عشر ومن أربعة عشر نصف السبع وخمسة عشر ثلث الخمس، وعلى هذا المثال يعتبر سائر الكسور، فقد تبين كيف يكون نشوء العدد من الواحد الصحيح منها والكسور جميعا، وكيف هو أصل لهما جميعا، وهذه صورتها:
واعلم يا أخي بأن العدد الصحيح رتب أربع مراتب: آحاد وعشرات ومئات وألوف، فالآحاد من واحد إلى تسعة، والعشرات من عشرة إلى تسعين، والمئات من مائة إلى تسعمائة والألوف من ألف إلى تسعة آلاف، ويشتملها كلها اثنتا عشرة لفظة بسيطة، وذلك من واحد إلى عشرة عشرة ألفاظ، ولفظة مائة ولفظة ألف فصار الجميع اثنتي عشرة لفظة بسيطة، وأما سائر الألفاظ فمشتقة منها أو مركبة أو مكررة، فالمكررة كالعشرين من العشرة، والثلاثين من الثلاثة، والأربعين من الأربعة، وأمثال ذلك، وأما المركبة كالمائتين وثلاثمائة وأربعمائة وخمسمائة فإنها مركبة من لفظة المائة مع سائر الآحاد، وكذلك ألفان وثلاثة آلاف وأربعة آلاف، فإنها مركبة من لفظة الألف مع سائر الألفاظ من الآحاد والعشرات والمئات، كما يقال خمسة آلاف وسبعة آلاف وعشرون ألفا ومائة ألف وسائر ذلك، وهذه صورتها:
أما الآحاد فهي «أ ب ج د ه و ز ح ط ي»، وأما العشرات فهي «ك ل م ن س ع ف ص»، وأما المئات فهي «ق ر ش ت ث خ ذ ض ظ»، وأما الألوف فهي «غ بغ، جغ، دغ، هغ، وغ، زغ، حغ، طغ، يغ».
واعلم بأن كون العدد على أربع مراتب، التي هي الآحاد والعشرات والمئات والألوف ليس هو أمرا ضروريا لازما لطبيعة العدد مثل كونه أزواجا وأفرادا صحيحا وكسورا بعضها تحت بعض، لكنه أمر وضعي رتبته الحكماء باختيار منهم؛ وإنما فعلوا ذلك لتكون الأمور العددية مطابقة لمراتب الأمور الطبيعية، وذلك أن الأمور الطبيعية أكثرها جعلها الباري - جل ثناؤه - مربعات مثل الطبائع الأربع التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، ومثل الأركان الأربعة التي هي النار والهواء والماء والأرض، ومثل الأخلاط الأربعة التي هي الدم والبلغم، والمرتان المرة الصفراء والمرة السوداء، ومثل الأزمان الأربعة التي هي الربيع والصيف والخريف والشتاء، ومثل الجهات الأربع، والرياح الأربع: الصبا والدبور والجنوب والشمال، والأوتاد الأربع: الطالع والغارب ووتد السماء ووتد الأرض، والمكونات الأربع التي هي المعادن والنبات والحيوان والإنس، وعلى هذا المثال وجد أكثر الأمور الطبيعية مربعات.
واعلم بأن هذه الأمور الطبيعية إنما صارت أكثرها مربعات بعناية الباري - جل ثناؤه - واقتضاء حكمته لتكون مراتب الأمور الطبيعية مطابقة للأمور الروحانية التي هي فوق الأمور الطبيعية، وهي التي ليست بأجسام، وذلك أن الأشياء التي فوق الطبيعية على أربع مراتب؛ أولها الباري - جل جلاله - ثم دونه العقل الكلي الفعال، ثم دونه النفس الكلية، ثم دونه الهيولى الأولى، وكل هذه ليست بأجسام.
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن نسبة الباري - جل ثناؤه - من الموجودات كنسبة الواحد من العدد، ونسبة العقل منها كنسبة الاثنين من العدد، ونسبة النفس من الموجودات كنسبة الثلاثة من العدد، ونسبة الهيولى الأولى كنسبة الأربعة.
Page inconnue
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن العدد كله آحاده وعشراته ومئاته وألوفه أو ما زاد بالغا ما بلغ؛ فأصلها من الواحد إلى الأربعة، وهي هذه «1 2 3 4»، وذلك أن سائر الأعداد كلها من هذه يتركب ومنها ينشأ وهي أصل فيها كلها.
بيان ذلك أنه إذا أضيف واحد إلى أربعة كانت خمسة، وإن أضيف اثنان إلى أربعة كانت ستة، وإن أضيف ثلاثة إلى أربعة كانت سبعة، وإن أضيف واحد وثلاثة إلى أربعة كانت ثمانية، وإن أضيف اثنان وثلاثة إلى أربعة كانت تسعة، وإن أضيف واحد واثنان وثلاثة إلى أربعة كانت عشرة. وعلى هذا المثل حكم سائر الأعداد من العشرات والمئات والألوف وما زاد بالغا ما بلغ.
وكذلك أصول الخط أربعة، وسائر الحروف منها يتركب، والكلام من الحروف يتركب - كما بينا فيما بعد - فاعتبرها، فإنك تجد ما قلنا حقا صحيحا، ومن يريد أن يعرف كيف اخترع الباري - جل ثناؤه - الأشياء في العقل وكيف أوجدها في النفس وكيف صورها في الهيولى فليعتبر ما ذكرنا في هذا الفصل.
واعلم يا أخي أن الباري - جل ثناؤه - أول شيء اخترعه وأبدعه من نور وحدانيته جوهر بسيط يقال له: العقل الفعال كما أنشأ الاثنين من الواحد بالتكرار، ثم أنشأ النفس الكلية الفلكية من نور العقل، كما أنشأ الثلاثة بزيادة الواحد على الاثنين، ثم أنشأ الهيولى الأولى من حركة النفس كما أنشأ الأربعة بزيادة الواحد على الثلاثة، ثم أنشأ سائر الخلائق من الهيولى ورتبها بتوسط العقل والنفس كما أنشأ سائر العدد من الأربعة بإضافة ما قبلها إليها - كما مثلنا قبل.
واعلم يا أخي، أيدك الله بروح منه، بأنك إذا تأملت ما ذكرنا من تركيب العدد من الواحد الذي قبل الاثنين ونشوئه منه؛ وجدته من أدل الدليل على وحدانية الباري - جل ثناؤه - وكيفية اختراعه الأشياء وإبداعه لها؛ وذلك أن الواحد الذي قبل الاثنين وإن كان منه يتصور وجود العدد وتركيبة - كما بينا قبل - فهو لم يتغير عما كان عليه ولم يتجزأ.
كذلك الله - عز وجل - وإن كان هو الذي اخترع الأشياء من نور وحدانيته وأبدعها وأنشأها وبه قوامها وبقاؤها وتمامها وكمالها فهو لم يتغير عما كان عليه من الوحدانية قبل اختراعه وإبداعه لها - كما بينا في رسالة المبادئ العقلية - فقد أنبأناك بما ذكرنا من أن نسبة الباري - جل ثناؤه - من الموجودات كنسبة الواحد من العدد، وكما أن الواحد أصل العدد ومنشأه وأوله وآخره؛ كذلك الله - عز وجل - هو علة الأشياء وخالقها وأولها وآخرها.
وكما أن الواحد لا جزء له ولا مثل له في العدد، فكذلك الله - جل ثناؤه - لا مثل له في خلقه ولا شبه، وكما أن الواحد محيط بالعدد كله، ويعده كذلك الله - جل جلاله - عالم بالأشياء وماهياتها تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
واعلم يا أخي بأن مراتب العدد عند أكثر الأمم على أربع مراتب كما تقدم ذكرها، وأما عند الفيثاغوريين فعلى ستة عشر مرتبة، وهذه صورتها:
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن العدد الكسور مراتبه كثيرة؛ لأنه ما من عدد صحيح إلا وله جزء أو جزآن أو عدة أجزاء كالاثني عشر، فإن له نصفا وثلثا وربعا وسدسا ونصف سدس، وكذلك الثمانية وعشرون وغيرهما من الأعداد، إلا أن العدد الكسور وإن كثرت مراتبه وأجزاؤه فهي مرتبة بعضها تحت بعض، ويشملها كلها عشرة ألفاظ، لفظة منها عامة مبهمة وتسعة مخصوصة مفهومة ومن التسعة الألفاظ لفظة موضوعة، وهي النصف.
وثمانية مشتقة وهي: الثلث من الثلاثة والربع من الأربعة والخمس من الخمسة والسدس من الستة والسبع من السبعة والثمن من الثمانية والتسع من التسعة والعشر من العشرة، وأما اللفظة العامة المبهمة فهي الجزء؛ لأن الواحد من أحد عشر يقال له: جزء من أحد عشر وكذلك من ثلاثة عشر ومن سبعة عشر وما شاكل ذلك.
Page inconnue
وأما باقي الألفاظ الكسور فمضافة إلى هذه العشرة الألفاظ كما يقال لواحد من اثني عشر: نصف السدس، ولواحد من خمسة عشر: خمس الثلث، ولواحد من عشرين: نصف العشر، وعلى هذا المثال يتبين سائر معاني الكسور بإضافة بعضها لبعض.
واعلم بأن نوعي العدد يذهبان في الكثرة بلا نهاية، غير أن العدد الصحيح يبتدئ من أقل الكمية وهو الاثنان ويذهب في التزايد بلا نهاية، وأما الكسور فيبتدئ من أكثر الكمية وهو النصف ويمر في التجزؤ بلا نهاية، فكلاهما من حيث الابتداء ذو نهاية، ومن حيث الانتهاء غير ذي نهاية.
(1) فصل في خواص العدد
ثم اعلم أن ما من عدد إلا وله خاصية أو عدة خواص، ومعنى الخاصية أنها الصفة المخصوصة للموصوف الذي لا يشركه فيها غيره، فخاصية الواحد أنه أصل العدد ومنشأه - كما بينا قبل - وهو يعد العدد كله الأزواج والأفراد جميعا، ومن خاصية الاثنين أنه أول العدد مطلقا وهو يعد نصف العدد الأزواج دون الأفراد، ومن خاصية الثلاثة أنها أول عدد الأفراد، وهي تعد ثلث الأعداد تارة الأفراد وتارة الأزواج، ومن خاصية الأربعة أنها أول عدد مجذور، ومن خاصية الخمسة أنها أول عدد دائر، ويقال: كري، ومن خاصية الستة أنها أول عدد تام، ومن خاصية السبعة أنها أول عدد كامل، ومن خاصية الثمانية أنها أول عدد مكعب، ومن خاصية التسعة أنها أول عدد فرد مجذور وأنها آخر مرتبة الآحاد. ومن خاصية العشرة أنها أول مرتبة العشرات، ومن خاصية الأحد عشر أنها أول عدد أصم، ومن خاصية الاثني عشر أنها أول عدد زائد.
وبالجملة: إن من خاصية كل عدد أنه نصف حاشيتيه مجموعتين وإذا جمعت حاشيتاه تكونان مثله مرتين، ومثال ذلك خمسة فإن إحدى حاشيتيها أربعة والأخرى ستة ومجموعهما عشرة وخمسة نصفها، وعلى هذا القياس يوجد سائر الأعداد إذا اعتبر، وهذه صورتها:
1 2 3 4 - 5 - 6 7 8 9
وأما الواحد فليس له إلا حاشية واحدة وهي الاثنان والواحد نصفها وهي مثله مرتين، وأما قولنا: إن الواحد أصل العدد ومنشأه فهو أن الواحد إذا رفعته من الوجود ارتفع العدد بارتفاعه، وإذا رفعت العدد من الوجود لم يرتفع الواحد، وأما قولنا: إن الاثنين أول العدد مطلقا فهو أن العدد كثرة الآحاد وأول الكثرة اثنان، وأما قولنا: إن الثلاثة أول الأفراد فهي كذلك؛ لأن الاثنين أول العدد وهو الزوج، ويليه ثلاثة، وهي فرد، وأما قولنا: إنها تعد ثلث العدد تارة الأفراد وتارة الأزواج فلأنها تتخطى العددين وتعد الثالث منهما، وذلك الثالث يكون تارة زوجا وتارة فردا، وأما قولنا: إن الأربعة أول عدد مجذور فلأنها من ضرب الاثنين في نفسه وكل عدد إذا ضرب في نفسه يصير جذرا والمجتمع من ذلك مجذورا.
وأما ما قيل من أن الخمسة أول عدد دائر فمعناه أنها إذا ضربت في نفسها رجعت إلى ذاتها، وإن ضرب ذلك العدد المجتمع من ضربها في نفسها رجع إلى ذاته أيضا، وهكذا دائما؛ مثال ذلك خمسة في خمسة خمسة وعشرون، وإذا ضرب خمسة وعشرون في مثله صار ستمائة وخمسة وعشرين، وإذا ضرب هذا العدد أيضا في نفسه خرج ثلاثمائة ألف وتسعون ألفا وستمائة وخمسة وعشرون، وإن ضرب هذا العدد في نفسه خرج عدد آخر وخمسة وعشرون. ألا ترى أن الخمسة كيف تحفظ نفسها وما يتولد منها دائما بالغا ما بلغ؟ وهذه صورتها:
5 - 25 - 625 - 390625
وأما الستة فإن فيها مشابهة للخمسة في هذا المعنى لكنها ليست ملازمة كلزوم الخمسة ودوامها 6 36 1296 ستة في ستة ستة وثلاثون فالستة راجعة إلى ذاتها وظهر ثلاثون وإذا ثلاثون، وإذا ضربت ستة وثلاثون في نفسها خرج ألف ومائتان وستة وتسعون فظهرت الستة ولم يظهر الثلاثون، فقد بان أن الستة تحفظ نفسها ولا تحفظ ما يتولد منها، وأما الخمسة فإنها تحفظ نفسها وما يتولد منها دائما أبدا. وأما ما قيل من خاصية الستة أنها أول عدد تام فمعناه أن كل عدد إذا جمعت أجزاء فكانت مثله سواء سمي ذلك العدد عددا تاما فالستة أولها، وذلك أن لها نصفا وهو ثلاثة، وثلثا وهو اثنان وسدسا وهو واحد فإذا جمعت هذه الأجزاء كانت ستة سواء وليست هذه الخاصية لعدد قبلها، ولكن لما بعدها لثمانية وعشرين ولأربعمائة وستة وتسعين وثمانية آلاف ومائة وثمانية وعشرين، وهذه صورتها:
Page inconnue
6 28 496 8128
وأما ما قيل: إن السبعة أول عدد كامل فمعناه أن السبعة قد جمعت معاني العدد كلها؛ وذلك أن العدد كله أزواج وأفراد، والأزواج منها أول وثان، فالاثنان أول الأزواج، والأربعة زوج ثان، والأفراد منها أول وثان والثلاثة أول الأفراد والخمسة فرد ثان، فإذا جمعت فردا أولا إلى زوج ثان أو زوجا أولا إلى فرد ثان كانت منها سبعة؛ مثال ذلك أنك إذا جمعت الاثنين الذي هو أول الأزواج إلى الخمسة الذي هو فرد ثان كان منهما سبعة، وكذلك إذا جمعت الثلاثة التي هي فرد أول إلى الأربعة التي هي زوج ثان كانت منهما سبعة، وكذلك إذا أخذ الواحد الذي هو أصل العدد مع الستة التي هي عدد تام يكون منهما السبعة التي هي عدد كامل، وهذه صورتها:
7654321
وهذه الخاصية لا توجد لعدد قبل السبعة ولها خواص أخر، سنذكرها عند ذكرنا أن الموجودات بحسب طبيعة العدد.
وأما ما قيل: إن الثمانية أول عدد مكعب فمعناه أن كل عدد إذا ضرب في نفسه سمي جذرا والمجتمع منهما مجذورا - كما بينا من قبل - وإذا ضرب المجذور في جذره سمي المجتمع من ذلك مكعبا؛ وذلك أن الاثنين أول العدد، فإذا ضرب في نفسه كان المجتمع منه أربعة وهي أول عدد مجذور ثم ضرب المجذور في جذره الذي هو اثنان فخرج من ذلك ثمانية، فالثمانية أول عدد مكعب.
وأما ما قيل: إنها أول عدد مجسم فلأن الجسم لا يكون إلا من سطوح متراكمة، والسطح لا يكون إلا من خطوط متجاورة، والخط لا يكون إلا من نقط منتظمة، كما بينا في رسالة «الهندسة»، فأقل خط من جزأين وأضيف سطح من خطين وأصغر جسم من سطحين، فينتج من هذه المقدمات أن أصغر جسم من ثمانية أجزاء؛ أحدها الخط وهو جزءان فإذا ضرب الخط في نفسه كان منه السطح وهو أربعة أجزاء، وإذا ضرب السطح في أحد طوليه كان منه العمق فيصير جملة ذلك ثمانية أجزاء طول اثنين في عرض اثنين في عمق اثنين.
وأما ما قيل: إن التسعة أول فرد مجذور فلأن الثلاثة في الثلاثة تسعة وليس من السبعة والخمسة والثلاثة شيء مجذور.
وأما ما قيل: إن العشرة أول مرتبة العشرات فهو بين، كما أن الواحد أول مرتبة الآحاد، وهذا بين ليس يحتاج إلى الشرح ولها خاصية أخرى وهي تشبه خاصية الواحد، وذلك أنه ليس لها من جنسها إلا طرف واحد، وهو العشرون، وهي نصفها كما بينا للواحد أنه نصف الاثنين.
وأما ما قيل: إن الأحد عشر أول عدد أصم، فلأنه ليس له جزء ينطق به ولكن يقال: واحد من أحد عشر واثنان منه، وكل عدد هذا وصفه يسمى أصم مثل ثلاثة عشر وسبعة عشر وما شاكل ذلك، وهذه صورتها:
وأما ما قيل: إن الاثني عشر أول عدد زائد؛ فلأن كل عدد إذا جمعت أجزاؤه وكانت أكثر منه سمي عددا زائدا والاثنا عشر أولها، وذلك أن لها نصفا وهو ستة ولها ثلث وهو أربعة وربع وهو ثلاثة وسدس وهو اثنان، ونصف سدس وهو واحد. وإذا جمعت هذه الأجزاء كانت ستة عشر، وهي أكثر من الاثني عشر بزيادة أربعة، وهذه صورتها:
Page inconnue
12 نصف 6 ثلث 4 ربع 3 سدس 2 نصف السدس 1
وبالجملة ما من عدد صحيح إلا وله خاصية تختص به دون غيره، ونحن تركنا ذكرها كراهية للتطويل.
•••
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن العدد ينقسم قسمين: صحيح وكسور كما بينا قبل، فالصحيح ينقسم قسمين أزواجا وأفرادا، فالزوج هو كل عدد ينقسم بنصفين صحيحين، والفرد كل عدد يزيد على الزوج واحدا أو ينقص عن الزوج بواحد، فأما نشوء عدد الزوج فيبتدئ من الاثنين بالتكرير دائما على ما يرى:
وأما نشوء الأفراد فيبتدئ من الواحد إذا أضيف إليه اثنان وأضيف إلى ذلك اثنان دائما بالغا ما بلغ:
والزوج ينقسم على ثلاثة أنواع: زوج الزوج، وزوج الفرد، وزوج الزوج والفرد، فزوج الزوج هو كل عدد ينقسم بنصفين صحيحين متساويين ونصفه بنصفين دائما إلى أن تنتهي القسمة إلى الواحد، مثال ذلك أربعة وستون، فإنه زوج الزوج، وذلك أن نصفه اثنان وثلاثون، ونصفه ستة عشر، ونصفه ثمانية، ونصفه أربعة، ونصفه اثنان، ونصفه واحد. ونشوء هذا العدد يبتدئ من الاثنين إذا ضرب في الاثنين ثم ضرب المجموع في الاثنين وما يجمع من ذلك في الاثنين، ثم ضرب المجموع في الاثنين دائما بلا نهاية.
ومن أراد أن يتبين هذا مستقصى فليضعف بيوت الشطرنج فإنه لا يخرج إلا من هذا العدد، أعني زوج الزوج؛ ولهذا العدد خواص أخر ذكرها نيقوماخس في كتابه بشرح طويل ونحن نذكر منها طرفا؛ قال:
إن هذا العدد إذا رتب على نظمه الطبيعي وهو واحد اثنان أربعة ثمانية ستة عشر اثنان وثلاثون أربعة وستون، وعلى هذا القياس بالغا ما بلغ فإن من خاصيته أن من ضرب الطرفين أحدهما في آخر يكون مساويا لضرب الواسطة في نفسها إن كان له واسطة واحدة، وإن كانت له واسطتان فمثل ضرب أحدهما في الأخرى، مثال ذلك أربعة وستون فإنه الطرف الآخر والواحد الطرف الأول وله واسطة واحدة، وهي ثمانية، فأقول: إن ضرب الواحد في أربعة وستين أو الاثنين في اثنين وثلاثين أو الأربعة في ستة عشر مساو لضرب ثمانية في نفسها، وهذه صورتها:
وإن زيدت فيه رتبة أخرى حتى يصير له واسطتان فأقول: إن ضرب الطرفين أحدهما في الآخر يكون مساويا لضرب الواسطتين إحداهما في الأخرى؛ مثال ذلك مائة وثمانية وعشرون إذا ضرب في واحد وأربع وستون في اثنين أو اثنان وثلاثون في أربعة يكون مساويا لضرب ستة عشر في ثمانية، وهذه صورتها:
ولهذا العدد خاصية أخرى أنه إذا جمع من واحد إلى حيث ما بلغ يكون أقل من ذلك العدد الذي انتهى إليه بواحد؛ مثال ذلك إذا أخذ واحد واثنان وأربعة يكون جملتها أقل من ثمانية بواحد وإن زيدت الثمانية عليها يكون الجملة أقل من ستة عشر بواحد وإن زيدت الستة عشر عليها يكون الجملة أقل من اثنين وثلاثين بواحد، وعلى هذا القياس توجد مراتب هذا العدد بالغا ما بلغ، وهذه صورتها:
Page inconnue
وأما زوج الفرد فهو كل عدد ينقسم بنصفين مرة واحدة ولا ينتهي في القسمة إلى الواحد، مثل ستة وعشرة وأربعة عشر وثمانية عشر واثنين وعشرين وستة وعشرين، فإن كل واحد من هذه وأمثالها من العدد ينقسم مرة واحدة ولا ينتهي إلى الواحد، ونشوء هذا العدد من ضرب كل عدد فرد في اثنين، وهذه صورتها: «و ي يد يح كب كول لو لج مب مو» كل واحد من هذه الأعداد نصف لما فوقه من العدد، وأما زوج الزوج والفرد فهو كل عدد ينقسم بنصفين أكثر من مرة واحدة ولا ينتهي في القسمة إلى الواحد مثل اثني عشر وعشرين وأربعة وعشرين وثمانية وعشرين وأمثالها في الأعداد، وهذه صورتها:
ونشوء هذا العدد من ضرب زوج الفرد في اثنين مرة أو مرارا كثيرة، ولها خواص تركنا ذكرها مخافة التطويل.
وأما العدد الفرد فيتنوع قسمين: فرد أول وفرد مركب، والفرد المركب نوعان مشترك ومتباين، تفصيل ذلك: أما الفرد الأول فهو كل عدد لا يعده غير الواحد عدد آخر مثل ثلاثة خمسة سبعة أحد عشر ثلاثة عشر سبعة عشر تسعة عشر ثلاثة وعشرين وأشباه ذلك من العدد، وخاصية هذا العدد أنه ليس له جزء سوى المسمى له؛ وذلك أن الثلاثة ليس لها إلا الثلث والخمسة ليس لها إلا الخمس وكذلك السبعة ليس لها إلا السبع، وهكذا الأحد عشر والثلاثة عشر والسبعة عشر، وبالجملة: جميع الأعداد الصم لا يعدها إلا الواحد فإن اسم جزئها مشتق منها.
وأما الفرد المركب فهو كل عدد يعده غير الواحد عدد آخر مثل تسعة وخمسة وعشرين وتسعة وأربعين وواحد وثمانين، وأمثالها من العدد، وهذه صورتها «ط كه مط فاقكا قسط»، وأما الفرد المشترك فهو كل عددين يعدهما غير الواحد عدد آخر مثل تسعة وخمسة عشر وواحد وعشرين؛ فإن الثلاثة تعدها كلها وكذلك خمسة عشر وخمس وعشرون وخمسة وثلاثون، فإن الخمسة تعدها كلها، فهذه الأعداد وأمثالها تسمى مشتركة في العدد الذي يعدها، وهذه صورتها «ط يه كا كه له»، وأما الأعداد المتباينة فهي كل عددين يعدهما عددان آخران غير الواحد، ولكن الذي يعد أحدهما لا يعد الآخر مثل تسعة وخمسة وعشرين؛ فإن الثلاثة تعد التسعة ولا تعد الخمسة والعشرين والخمسة تعد الخمسة والعشرين ولا تعد التسعة، فهذه الأعداد وأمثالها يقال لها: المتباينة.
فصل
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن من خاصية كل عدد فرد أنه إذا قسم بقسمين كيف ما كان فأحد القسمين يكون زوجا والآخر فردا، ومن خاصية كل عدد زوج أنه إذا قسم كيف ما كان فيكون كلا قسميه إما زوجا وإما فردا، وهذه صورتها:
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن العدد ينقسم من جهة أخرى ثلاثة أنواع، إما تاما وإما زائدا وإما ناقصا، فالتام هو كل عدد إذا جمعت أجزاؤه كانت الجملة مثله سواء مثل ستة وثمانية وعشرين وأربعمائة وستة وتسعين وثمانية آلاف ومائة وثمانية وعشرين، فإن كل واحد من هذه الأعداد إذا جمعت أجزاؤه كانت الجملة مثله سواء.
ولا يوجد من هذا العدد إلا في كل مرتبة من مراتب العدد واحد كالستة في الآحاد وثمانية وعشرين في العشرات وأربعمائة وستة وتسعين في المئات وثمانية آلاف ومائة وثمانية وعشرين في الألوف، وهذه صورتها: 6 28 496 8128 وأما العدد الزائد فهو كل عدد إذا جمعت أجزاؤه كانت أكثر منه، مثل الاثني عشر والعشرين والستين وأمثالها من العدد، وذلك أن الاثني عشر نصفها ستة وثلثها أربعة وربعها ثلاثة وسدسها اثنان ونصف سدسها واحد، فجملة هذه الأجزاء ستة عشر، وهي أكثر من اثني عشر، وأما العدد الناقص فهو كل عدد إذا جمعت أجزاؤه كانت أقل منه مثل أربعة وثمانية وعشرة وأمثالها من العدد، وذلك أن الثمانية نصفها أربعة وربعها اثنان وثمنها واحد وجملتها تكون سبعة، فهي أقل من الثمانية، وعلى هذا القياس حكم سائر الأعداد الناقصة.
فصل
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن العدد من جهة أخرى ينقسم قسمين؛ أحدهما يقال له: أعداد متحابة، وهي كل عددين أحدهما زائد والآخر ناقص، وإذا جمعت أجزاء العدد الزائد كانت مساوية لجملة العدد الناقص، وإذا جمعت أجزاء العدد الناقص كانت مساوية لجملة العدد الزائد، مثال ذلك مائتان وعشرون وهو عدد زائد ومائتان وأربعة وثمانون وهو عدد ناقص، فإذا جمعت أجزاء مائتين وعشرين كانت مساوية لمائتين وأربعة وثمانين، وإذا جمعت أجزاء هذا العدد يكون جملتها مائتين وعشرين فهذه الأعداد وأمثالها تسمى «متحابة» وهي قليلة الوجود، وهذه صورتها:
Page inconnue
واعلم يا أخي بأن من خاصية العدد أنه يقبل التضعيف والزيادة بلا نهاية، ويكون ذلك على خمسة أنواع: فمنها «على النظم الطبيعي» مثل هذا بالغا ما بلغ: 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12، ومنها «على نظم الأزواج» بالغا ما بلغ مثل هذا 2 4 6 8 10 12 14، ومنها «على نظام الأفراد» بالغا ما بلغ مثل هذا 1 3 5 7 9 11 13 15 17، ومنها «بالطرح» كيفما اتفق كما يوجد في سائر الحساب، ومنها «بالضرب» كما نبين بعد.
فصل
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن لكل نوع من هذه الأنواع عدة خواص، وقد ذكر ذلك في كتاب الأرثماطيقي بشرح طويل، ولكن نذكر منها طرفا في هذا الفصل؛ فنقول:
إن من خاصية النظم الطبيعي أنه إذا جمع من واحد إلى حيث ما بلغ يكون المجموع مساويا لضرب ذلك العدد الأخير بزيادة واحد عليه في نصفه، مثال ذلك إذا قيل: كم من واحد إلى عشرة مجموعا على النظم الطبيعي؟ فقياسه أن يزاد على العشرة واحد ثم يضرب في نصف العشرة فيكون خمسة وخمسين، أو تضرب الخمسة في نفسها فيكون خمسة وعشرين ثم في النصف الآخر الذي هو ستة فيكون ثلاثين، الجملة خمسة وخمسون وذلك بابه المطلوب وقياسه.
وأما نظم الأزواج فهو مثل واحد اثنين أربعة ستة ثمانية عشرة اثني عشر، وعلى هذا المثال بالغا ما بلغ، ومن خاصية هذا النظم أن يكون المجموع أبدا فردا ، ومن خاصيته أيضا أنه إذا جمع على نظمه الطبيعي من واحد إلى حيث ما بلغ يكون المجموع مساويا لضرب ذلك العدد في النصف الآخر بزيادة واحد ثم يزاد على الجملة واحد؛ مثال ذلك إذا قيل لك: كم واحد إلى العشرة مجموعا على نظم الأزواج؟ فقياسه أن تأخذ نصف العشرة فتزيد عليه واحدا، ثم تضربه في النصف الآخر ثم تزيد على الجملة واحدا فذلك أحد وثلاثون، وعلى هذا القياس سائر الأعداد.
وأما نظم الأفراد فمثل واحد، ثلاثة، خمسة، سبعة، تسعة، أحد عشر، بالغا ما بلغ، فمن خاصيته أنه إذا جمع على نظمه الطبيعي يكون المجموعان الواحد زوج والآخر فرد، يتلو بعضها بعضا، بالغا ما بلغ، وتكون كلها مجذورات، ومن خاصيته أيضا أنه إذا جمع على نظمه الطبيعي من واحد إلى حيث ما بلغ فإن المجموع يكون مساويا لضرب نصفه مجذورا مجبورا في نفسه، مثال ذلك إذا قيل: كم من واحد إلى أحد عشر؟ فبابه أن تأخذ نصف العدد وهو خمسة ونصف فتجبره فيصير ستة فتضربه في نفسه فيكون ستة وثلاثين، وذلك بابه فقس عليه.
•••
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن معنى الضرب هو تضعيف أحد العددين بقدر ما في الآخر من الآحاد، مثال ذلك إذا قيل: كم ثلاثة في أربعة، فمعناه: كم جملة ثلاثة أربع مرات؟
واعلم يا أخي بأن العدد نوعان صحيح وكسور - كما بينا قبل - فصار أيضا ضرب العدد بعضه في بعض نوعين: مفرد ومركب، فالمفرد ثلاثة أنواع: الصحيح في الصحيح مثل اثنين في ثلاثة وثلاثة في أربعة وما شاكله، ومنها الكسور في الكسور مثل نصف في ثلث وثلث في ربع وما شاكله، ومنها الصحيح في الكسور مثل اثنين في ثلث أو ثلث في أربعة ما شاكله، وأما المركب فهو أيضا ثلاثة أنواع: فمنها الكسور والصحيح في الصحيح مثل اثنين وثلث في خمسة وما شاكلها، ومنها الصحيح والكسور في الصحيح والكسور مثل اثنين وثلث في ثلاثة وربع وما شاكلها، ومنها الصحيح والكسور في الكسور مثل اثنين وثلث في سبع.
فصل
Page inconnue
واعلم يا أخي بأن ضرب العدد الصحيح على أربعة أنواع وجملتها عشرة أبواب، وهي: آحاد وعشرات ومئات وألوف، فالآحاد في الآحاد واحدها واحد وعشرتها عشرة، والآحاد في العشرات واحدها عشرة وعشرتها مائة، والآحاد في المئات واحدها مائة وعشرتها ألف، والآحاد في الألوف وأحدها ألف وعشرتها عشرة آلاف، فهذه أربعة أبواب. وأما العشرات في العشرات فواحدها مائة وعشرتها ألف، والعشرات في المئات واحدها ألف وعشرتها عشرة آلاف، والعشرات في الألوف واحدها عشرة آلاف وعشرتها مائة ألف. فهذه ثلاثة أبواب، وأما المئات في المئات فواحدها عشرة آلاف وعشرتها مائة ألف، والمئات في الألوف واحدها مائة ألف وعشرتها ألف ألف فهذان بابان، وأما الألوف في الألوف فواحدهما ألف ألف وعشرتها عشرة آلاف ألف، وهو باب واحد، فصار جملة الجميع عشرة أبواب، وهذه صورتها:
«آحاد في آحاد» «آحاد في عشرات» «آحاد في مئات» «آحاد في ألوف» «عشرات في عشرات» «عشرات في مئات» «عشرات في ألوف» «مئات في مئات» «مئات في ألوف» «ألوف في ألوف».
(2) فصل في الضرب والجذر والمكعبات، وما يستعمله الجبريون والمهندسون من الألفاظ ومعانيها
فنقول:
كل عددين - أي عددين كانا - إذا ضرب أحدهما في الآخر؛ فإن المجتمع من ذلك يسمى عددا مربعا، فإن كان العددان متساويين يسمى المجتمع من ضربيهما عددا مربعا مجذورا أو العددان يسميان جذري ذلك العدد؛ مثال ذلك: إذا ضرب اثنان في اثنين يكون أربعة وثلاثة في ثلاثة تسعة وأربعة في أربعة ستة عشر فالأربعة والتسعة والستة عشر وأمثالها من العدد؛ يسمى كل واحد منها مربعا مجذورا، والاثنان والثلاثة والأربعة يسمى جذرا؛ لأن الاثنين هو جذر الأربعة والثلاثة جذر التسعة والأربعة جذر الستة عشر، وعلى هذا القياس يعتبر سائر المربعات المجذورات وجذورها:
وكل عددين مختلفين - أي عددين كانا - إذا ضرب أحدهما في الآخر فإن المجتمع من ذلك يسمى عددا مربعا غير مجذور والعددان المختلفان يسميان جزأين له ويسميان ضلعين لذلك المربع وهي من ألفاظ المهندسين، مثال ذلك اثنان في ثلاثة أو ثلاثة في أربعة أو أربعة في خمسة، وأشباه ذلك؛ فإن المجتمع من مثل هذه الأعداد المضروبة بعضها في بعض تسمى مربعات غير مجذورات.
فصل
كل عدد مربع، كان مجذورا أو غير مجذور، ضرب في عدد آخر - أي عدد كان - فإن المجتمع من ذلك يسمى عددا مجسما مكعبا فإن كان العدد المربع مجذورا وضرب في جذره يسمى المجتمع من ذلك عددا مجسما مكعبا؛ مثال ذلك أربعة، فإنه عدد مربع مجذور ضرب في الاثنين الذي هو جذرها فخرج منه ثمانية وكذلك أيضا التسعة وهو أيضا عدد مربع مجذور ضرب في الثلاثة الذي هو جذرها كانت منه سبعة وعشرون، وكذلك الستة عشر فإنه عدد مجذور ضرب في الأربعة التي هي جذرها فخرج منه أربعة وستون فالثمانية والسبعة والعشرون وأربعة وستون وأمثالها من الأعداد تسمى أعدادا مجسمة مكعبة، والمكعب جسم طوله وعرضه وعمقه متساوية وله ستة سطوح مربعات متساوية الأضلاع قائمة الزوايا وله اثنا عشر ضلعا متوازية وثماني زوايا مجسمة وأربع وعشرون زاوية مسطحة.
وإن ضرب العدد المربع المجذور في عدد أقل من جذره يسمى المجتمع من ضربه عددا مجسما لبنيا، والجسم اللبني هو الذي طوله وعرضه متساويان وسمكه أقل منهما وله ستة سطوح مربعات متوازي الأضلاع، قائم الزوايا، لكن له سطحين متقابلين مربعين متساويي الأضلاع، قائمي الزوايا، وله أربعة سطوح مستطيلات وله اثنا عشر ضلعا كل اثنين منها متوازيان وثماني زوايا مجسمة وأربع وعشرون زاوية مسطحة، وإن ضرب المربع المجذور في أكثر من جذره يسمى المجتمع منه عددا مجسما بيريا؛ مثال ذلك أربعة فإنه عدد مجذور ضرب في الثلاثة التي هي أكثر من جذرها فكان منه اثنا عشر وكذلك التسعة إذا ضربت في أربعة التي هي أكثر من جذرها خرج منها ستة وثلاثون.
فالاثنا عشر والستة والثلاثون وأمثالها من العدد يسمى مجسما بيريا و«المجسم البيري» هو الذي سمكه أكثر من طوله وعرضه، وله ستة سطوح مربعات اثنان منها مربعان متقابلان متساويا الأضلاع قائما الزوايا وأربعة منها مستطيلة متوازية الأضلاع قائمة الزوايا، وله اثنا عشر ضلعا كل اثنين منها متوازيان متساويان، وله ثماني زوايا مجسمة وأربع وعشرون زاوية مسطحة، وكل عدد مربع غير مجذور ضرب في ضلعه الأصغر فإن المجتمع منه يسمى مجسما لبنيا، وإن ضرب في ضلعه الأطول فإن المجتمع منه يسمى مجسما بيريا، وإن ضرب في عدد أقل منهما أو أكثر فإن المجتمع منه يسمى «مجسما لوحيا».
Page inconnue
مثال ذلك الاثنا عشر فإنه عدد مربع غير مجذور واحد ضلعيه ثلاثة والآخر أربعة، فإن ضرب اثنا عشر في ثلاثة خرج منه ستة وثلاثون، وهو مجسم لبني، وإن ضرب في أربعة خرج منه ثمانية وأربعون وهو مجسم بيري، وإن ضرب في أقل من الثلاثة أو أكثر من الأربعة يسمى مجسما لوحيا، والمجسم اللوحي هو الذي طوله أكثر من عرضه وعرضه أكثر من سمكه وله ستة سطوح كل اثنين منها متساويان متوازيان وله اثنا عشر ضلعا كل اثنين منها متوازيان وثماني زوايا مجسمة وأربع وعشرون زاوية مسطحة.
فصل في خواص العدد المجذور،
فنقول: وكل عدد مجذور إذا زيد عليه جذراه وواحد كان المجتمع من ذلك مجذورا، وكل عدد مجذور إذا انتقص منه جذراه إلا واحدا يكون الباقي مجذورا، وكل عددين مجذورين على الولاء إذا ضرب جذر أحدهما في جذر الآخر وزيد عليه ربع يكون الجملة مجذورا؛ مثال ذلك: جذر أربعة وهو اثنان في جذر تسعة وهو ثلاثة، فيكون ستة وزيد عليه ربع يكون ستة وربعا جذرها اثنان ونصف، فإذا ضرب الاثنان والنصف في مثله كان ستة وربعا جذرها اثنان ونصف وكل عددين مجذورين على الولاء إذا ضرب جذر أحدهما في جذر الآخر يخرج بينهما عدد وسط وتكون ثلاثتها في نسبة واحدة؛ مثال ذلك: أربعة وتسعة فإنهما عددان مجذوران وجذراهما اثنان وثلاثة واثنان في ثلاثة ستة فنسبة الأربعة إلى الستة كنسبة الستة إلى التسعة، وعلى هذا القياس يعتبر سائرها.
(3) فصل في مسائل من المقالة الثانية من كتاب إقليدس في الأصول
كل عددين قسم أحدهما بأقسام كم كانت فإن ضرب أحدهما في الآخر مساو لضرب الذي لم يقسم في جميع أقسام العدد المقسوم قسما قسما، مثال ذلك عشرة وخمسة عشر وقسم الخمسة عشر ثلاثة أقسام سبعة وثلاثة وخمسة، فنقول «أ» إن ضرب العشرة في خمسة عشر مساو لضرب العشرة في سبعة وفي ثلاثة وفي خمسة «ب» كل عدد قسم بأقسام كم كانت فإن ضرب ذلك العدد في مثله مساو لضربه في جميع أقسامه؛ مثال ذلك عشرة قسمت بقسمين سبعة وثلاثة فأقول: إن ضرب العشرة في نفسها مساو لضربها في سبعة وفي ثلاثة «ج» كل عدد قسم بقسمين فنقول: إن ضرب ذلك العدد في أحد قسميه مساو لضرب ذلك القسم في نفسه، وفي القسم الآخر، مثال ذلك عشرة قسمت بقسمين ثلاثة وسبعة فأقول: إن ضرب العشرة في سبعة مساو لضرب سبعة في نفسها وثلاثة في سبعة، «د» كل عدد قسم قسمين فأقول: إن ضرب ذلك العدد في نفسه مساو لضرب كل قسم في نفسه وأحدهما في الآخر مرتين؛ مثال ذلك عشرة قسمت قسمين سبعة وثلاثة فأقول: إن ضرب العشرة في نفسها مساو لضرب سبعة في نفسها وثلاثة في نفسها وسبعة في ثلاثة مرتين، «ه» كل عدد قسم بنصفين ثم بقسمين مختلفين فإن ضرب أحد المختلفين في الآخر وضرب التفاوت في نفسه مساو لضرب نصف ذلك العدد في نفسه.
مثاله عشرة قسمت بنصفين ثم بقسمين مختلفين ثلاثة وسبعة، فنقول: إن ضرب السبعة في ثلاثة والتفاوت في نفسها وهو اثنان مجموعا مساو لضرب الخمسة في نفسها، «و» كل عدد قسم بنصفين ثم يزاد فيه زيادة ما فأقول: إن ضرب ذلك العدد مع الزيادة في تلك الزيادة ونصف العدد في نفسه مجموعا يكون مساويا لضرب نصف ذلك العدد مع الزيادة في نفسه، مثاله عشرة قسمت بنصفين ثم زيد عليه اثنان فنقول: إن ضرب الاثني عشر في اثنين وخمسة في نفسها مجموعا مساو لضرب الاثنين وخمسة مجموعا في نفسه، «ز» كل عدد قسم بقسمين فأقول: إن ضرب ذلك العدد في نفسه وضرب أحد القسمين في نفسه مجموعا مساو لضرب ذلك العدد في ذلك القسم مرتين، وضرب القسم الآخر في نفسه مجموعا مثاله عشرة قسمت بقسمين سبعة وثلاثة فأقول: إن ضرب العشرة في نفسها وسبعة في نفسها مجموعا مساو لضرب العشرة في سبعة مرتين وثلاثة في نفسها مجموعا، «ح» كل عدد قسم بقسمين ثم زيد عليه مثل أحد القسمين فنقول: إن الذي يكون من ضرب جميع ذلك في نفسه مساو لضرب ذلك العدد قبل الزيادة في تلك الزيادة أربع مرات والقسم الآخر في نفسه.
مثاله عشرة قسمت بقسمين سبعة وثلاثة، ثم زيدت عليه ثلاثة فنقول: إن ضرب الثلاثة عشر في نفسه مساو لضرب عشرة في ثلاثة أربع مرات وضرب سبعة في نفسه مرة واحدة، «ط» كل عدد قسم بنصفين ثم بقسمين مختلفين فإن الذي يكون من ضرب القسمين المختلفين كل واحد منهما في نفسه مجموعا مثلا ما يكون من ضرب نصف ذلك في نفسه وضرب التفاوت ما بين العددين في نفسه مجموعا؛ مثال ذلك عشرة قسمت بنصفين، ثم بقسمين مختلفين ثلاثة وسبعة فأقول: إن الذي يكون من ضرب سبعة في نفسها وثلاثة في نفسها مجموعا مثلا ما يكون من ضرب الخمسة في نفسها ومن ضرب الاثنين الذي هو التفاوت ما بين القسمين في نفسه مجموعا، «ي» كل عدد قسم بنصفين ثم زيد فيه زيادة ما فإن الذي يكون من ضرب ذلك العدد مع الزيادة في نفسه وضرب الزيادة في نفسها مجموعا مثلا ما يكون من ضرب نصف العدد مع الزيادة في نفسه وضرب نصف العدد في نفسه.
مثال ذلك عشرة قسمت بنصفين ثم زيد عليها اثنان فأقول: إن ضرب الاثني عشر في نفسه والاثنين في نفسه مجموعا مثلا ما يكون من ضرب سبعة في نفسها وخمسة في نفسها مجموعا.
فصل
واعلم أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، أنه إنما قدم الحكماء النظر في علم العدد قبل النظر في سائر العلوم الرياضية؛ لأن هذا العلم مركوز في كل نفس بالقوة، وإنما يحتاج الإنسان إلى التأمل بالقوة الفكرية حسب، من غير أن يأخذ لها مثالا من علم آخر بل منه يؤخذ المثال على معلوم، وأما ما أشرنا إليه من المثالات التي بالخطوط في هذه الرسالة فإنما تلك للمتعلمين المبتدئين الذين قوة أفكارهم ضعيفة، فأما من كان منهم فهيما ذكيا فغير محتاج إليها.
Page inconnue
واعلم أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن أحد أغراضنا من هذه الرسالة ما قد بينا في أولها، وأما الغرض الآخر فهو التنبيه على «علم النفس» والحث على معرفة جوهرها، وذلك أن العاقل الذهين إذا نظر في علم العدد، وتفكر في كمية أجناسه وتقاسيم أنواعه وخواص تلك الأنواع؛ علم أنها كلها أعراض وجودها وقوامها بالنفس فالنفس إذن جوهر؛ لأن العرض لا يكون له قوام إلا بالجوهر ولا يوجد إلا فيه.
•••
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن غرض الفلاسفة الحكماء من النظر في العلوم الرياضية وتخريجهم تلامذتهم بها إنما هو السلوك والتطرق منها إلى علوم الطبيعيات، وأما غرضهم في النظر في الطبيعيات فهو الصعود منها والترقي إلى العلوم الإلهية الذي هو أقصى غرض الحكماء والنهاية التي إليها يرتقي بالمعارف الحقيقية، ولما كان أول درجة من النظر في العلوم الإلهية هو معرفة جوهر النفس والبحث عن مبدئها من أين كانت قبل تعلقها بالجسد والفحص عن معادها إلى أين تكون بعد فراق الجسد الذي يسمى الموت وعن كيفية ثواب المحسنين كيف يكون في عالم الأرواح وعن جزاء المسيئين كيف يكون في دار الآخرة.
وخصلة أخرى أيضا لما كان الإنسان مندوبا إلى معرفة ربه ولم يكن له طريق إلى معرفته إلا بعد معرفة نفسه، كما قال الله تعالى: @QUR09 ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه؛ أي جهل النفس وكما قيل: من عرف نفسه فقد عرف ربه، وقد قيل أيضا: أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه؛ وجب على كل عاقل طلب علم النفس ومعرفة جوهرها وتهذيبها، وقد قال الله تعالى: @QUR017 ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها، وقال الله تعالى - حكاية عن امرأة العزيز في قصة يوسف عليه السلام: @QUR08 إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، وقال تعالى: @QUR014 وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى، وقال تعالى: @QUR07 يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها، وقال تعالى: @QUR010 يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية، وقال تعالى: @QUR010 الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها، وآيات كثيرة في القرآن ودلالات على وجود النفس وعلى تصرف حالاتها وهي حجة على الجرميين المنكرين أمر النفس ووجدانها.
وأما أولئك الحكماء الذين كانوا يتكلمون في علم النفس قبل نزول القرآن والإنجيل والتوراة، فإنهم لما بحثوا عن علم النفس بقرائح قلوبهم واستخرجوا معرفة جوهرها بنتائج عقولهم؛ دعاهم ذلك إلى تصنيف الكتب الفلسفية التي تقدم ذكرها في أول هذه الرسالة، ولكنهم لما طولوا الخطب فيها ونقلها من لغة إلى لغة من لم يكن فهم معانيها ولا عرف أغراض مؤلفيها؛ انغلق على الناظرين في تلك الكتب فهم معانيها وثقلت على الباحثين أغراض مصنفيها، ونحن قد أخذنا لب معانيها وأقصى أغراض واضعيها وأوردناها بأوجز ما يمكن من الاختصار في اثنتين وخمسين رسالة؛ أولها هذه ثم يتلوها أخواتها على الولاء كترتيب العدد تجدها - إن شاء الله تعالى.
(تمت الرسالة والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسوله محمد النبي وآله الطاهرين وسلم تسليما.)
الرسالة الثانية الموسومة بجومطريا في الهندسة وبيان ماهيتها
بسم الله الرحمن الرحيم
@QUR011 الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون
اعلم أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، أنا قد فرغنا من رسالة العدد في الأرثماطيقي، وبينا من خواص العدد قدر الكفاية والجهد، وانتقلنا من تلك الرسالة إلى هذه الرسالة التي هي الثانية من رسالة الرياضيات في المدخل إلى علم الهندسة، فنقول:
Page inconnue
اعلم بأن العلوم التي كان القدماء يخرجون أولادهم بها ويروضون بها تلامذتهم أربعة أجناس، أولها العلوم الرياضيات، والثاني العلوم المنطقيات، والثالث العلوم الطبيعيات، والرابع العلوم الإلهيات، فالرياضيات أربعة أنواع، أولها الأثماطيقي وهو معرفة العدد وكمية أجناسه وخواصه وأنواعه وخواص تلك الأنواع، ومبدأ هذا العلم من الواحد الذي قبل الاثنين، والثاني «الجومطريا» وهو علم الهندسة وهي معرفة المقادير والأبعاد وكمية أنواعها وخواص تلك الأنواع ومبدأ هذا العلم من النقطة التي هي طرف الخط؛ أي نهايته، والثالث الأسطرنوميا يعني: علم النجوم، وهو معرفة تركيب الأفلاك وتخطيط البروج وعدد الكواكب وطبائعها ودلائلها على الأشياء الكائنات في هذا العلم من حركة الشمس، والرابع الموسيقى وهو معرفة التأليفات والنسب بين الأشياء المختلفة والجواهر المتضادة القوى، ومبدأ هذا العلم من نسبة المساواة نسبة الثلاثة إلى الستة كنسبة الاثنين إلى الأربعة.
وأما المنطقيات فهي معرفة معاني الأشياء الموجودة التي هي مصورة في أفكار النفوس ومبدأها من الجوهر، وأما الطبيعيات فهي معرفة جواهر الأجسام وما يعرض لها من الأعراض، ومبدأ هذا العلم من الحركة والسكون، وأما الإلهيات فهي معرفة الصورة المجردة المفارقة للهيولى، ومبدأ هذا العلم من معرفة جوهر النفس كالملائكة والنفوس والشياطين والجن والأرواح بلا أجسام، وأن الأجسام عندهم ذوو أبعاد ثلاثة، ومبدأ هذا العلم من جوهر النفس.
وقد عملنا في كل نوع من هذه العلوم رسالة شبه المدخل والمقدمات، فأولها رسالة في العدد قبل هذه، وقد بينا فيها طرفا من خواص الأعداد وكمية أنواعها وكيفية نشوئها من الواحد الذي قبل الاثنين، ونريد أن نبين ونذكر في هذه الرسالة أصل الهندسة التي هي أصل المقادير الثلاثة وكمية أنواعها وخواص تلك الأنواع وكيفية نشوئها من النقطة التي هي رأس الخط وأنها في صناعة الهندسة مثل الواحد في صناعة العدد.
واعلم أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن الهندسة يقال على نوعين عقلية وحسية، فالحسية هي معرفة المقادير وما يعرض فيها من المعاني إذا أضيف بعضها إلى بعض، وهي ما يرى بالبصر ويدرك باللمس، والعقلي بضد ذلك، وهو ما يعرف ويفهم، فالذي يرى بالبصر هو الخط والسطح والجسم ذوو الأبعاد وما يعرض فيها، كما أن الثقل في الثقيل لا يعرف إلا بالعقل والثقل عين الثقيل، والمقادير ثلاثة أنواع وهي الخطوط والسطوح والأجسام، وهذه الهندسة تدخل في الصنائع كلها، وذلك أن كل صانع إذا قدر في صناعته قبل العمل فهو ضرب من الهندسة العقلية فهي معرفة الأبعاد وما يعرض فيها من المعاني إذا أضيف بعضها إلى بعض وهي ما يتصور في النفس بالفكر، وهي ثلاثة أنواع الطول والعرض والعمق، وهذه الأبعاد العقلية صفات لتلك المقادير الحسية، وذلك أن الخط هو أحد المقادير وله صفة واحدة، وهي الطول حسب، وأما السطح فهو مقدار ثان وله صفتان وهما الطول والعرض، وأما الجسم فهو مقدار ثالث وله ثلاث صفات وهي الطول والعرض والعمق.
واعلم أن النظر في هذه الأبعاد مجردة عن الأجسام من صناعة المحققين فنبدأ أولا بوصف الهندسة الحسية؛ لأنها أقرب إلى فهم المتعلمين، فنقول:
إن الخط الحسي الذي هو أحد المقادير أصله النقطة كما بينا قبل في الرسالة التي في خواص العدد بأن الواحد أصل العدد؛ وذلك أن النقطة الحسية إذا انتظمت ظهر الخط بحاسة النظر مثل هذا ••••• فإنا لا نقول: إن هذه النقطة شيء لا جزء له، لكن النقطة العقلية هي لا جزء لها، ونقول أيضا: الخط أصل السطح كما أن النقطة أصل الخط، وكما أن الواحد أصل الاثنين، والاثنان أصل لعدد الزوج - كما بينا قبل ذلك - وذلك أن الخطوط إذا تجاورت ظهر السطح لحاسة البصر مثل هذا ![](../Images/figure5.png) ونقول: إن السطح أصل للجسم كما أن الخط أصل للسطح والنقطة أصل للخط كما أن الواحد أصل الاثنين والاثنان والواحد أصلان لأول الفرد - كما بينا قبل ذلك - وذلك أن السطوح إذا تراكمت بعضها فوق بعض ظهر الجسم لحاسة النظر مثل هذا ![](../Images/figure6.png).
(1) فصل في أنواع الخط
فنقول: الخطوط ثلاثة أنواع أولها المستقيم وهو مثل الذي يخط بالمسطر على ما يرى في هذه الصورة مثل هذا --- والثاني المقوس وهو مثل الذي يخط بالبركار ![](../Images/figure7.png) مثل هذا والثالث الخط المنحني وهو المركب منهما مثل هذا ![](../Images/figure8.png) فهذه أنواع الخطوط الثلاثة.
(2) فصل في ألقاب الخطوط المستقيمة
فنقول: إن الخطوط المستقيمة إذا أضيف بعضها إلى بعض إما أن تكون متساوية أو متوازية أو متلاقية أو متماسة أو متقاطعة، فالمتساوية هي التي طولها واحد مثال هذا ![](../Images/figure9.png) والمتوازية هي التي إذا كانت في سطح واحد وأخرجت في كلتي الجهتين إخراجا دائما لا يلتقيان أبدا مثل هذا ![](../Images/figure10.png) والمتلاقية هي التي تلتقي في إحدى الجهتين وتحيط بزاوية واحدة مثل هذا ![](../Images/figure11.png) والمتماسة هي التي تماس إحداهما الأخرى وتحدث زاويتين أو زاوية مثل هذا المثال ![](../Images/figure12.png) والمتقاطعة التي تقطع إحداهما الأخرى وتحدث من تقاطعهما أربع زوايا مثل هذا ![](../Images/figure13.png) فهذه ألقاب الخطوط المستقيمة.
Page inconnue
(3) فصل في أسماء الخط المستقيم
إذا قام خط مستقيم على خط آخر قياما مستويا من غير ميل إلى طرف يقال عند ذلك للخط القائم العمود وللقائم عليه القاعدة مثل هذا ![](../Images/figure14.png)، وإذا أضيف الخطان إلى زاوية يقال لهما: الساقان لتلك الزاوية مثل هذا ![](../Images/figure15.png).
وإذا قام خط مستقيم على خط وللخط والقائم ميل إلى أحد الطرفين يحصل زاويتان إحداهما أكبر يقال لها: المنفرجة والأخرى أصغر يقال لها: الحادة، وكل خط مستقيم يقابل زاوية ما يقال له: وتر تلك الزاوية التي يقابلها مثل هذا ![](../Images/figure16.png) والخطوط إذا أضيفت إلى سطح ما يقال لها: أضلاع ذلك السطح مثل هذا ![](../Images/figure17.png) وكل خط يخرج من زاوية وينتهي إلى أخرى يقال له: قطر المربع مثل هذا ![](../Images/figure18.png) وكل خط يخرج من زاوية المثلث وينتهي إلى الضلع المقابل لها ويقوم على الخط المقابل لها على زاويا قائمة يقال لذلك الخط: مسقط الحجر، ويقال له: العمود أيضا، ويقال للخط الذي وقع عليه مسقط الحجر القاعدة مثل هذا ![](../Images/figure19.png) فهذه أسماء الخطوط المستقيمة.
(4) فصل في أنواع الزوايا
نقول: إن الزوايا على نوعين مسطح ومجسم، والمسطحة هي التي يحيط بها خطان على غير استقامة مثل هذا ![](../Images/figure20.png) والمجسمة هي التي تحيط بها ثلاثة خطوط في زاوية كل اثنين زاوية على غير استقامة.
(5) فصل في أنواع الزوايا المسطحة
تتنوع من جهة الخطوط ثلاثة أنواع إما من خطين مستقيمين مثل هذا ![](../Images/figure21.png) أو خطين مقوسين مثل هذا ![](../Images/figure22.png) أو أحدهما مقوس والآخر مستقيم، والزوايا التي تحيط بها خطوط مستقيمة تتنوع من جهة الكيفية ثلاثة أنواع: قائمة ومنفرجة وحادة، فالقائمة هي التي إذا قام خط مستقيم على خط آخر مستقيم قياما مستويا حدث عن جنبيه زاويتان متساويتان وكل واحدة منهما يقال لها: زاوية قائمة مثل هذا ![](../Images/figure23.png)، وإذا قام ذلك الخط قياما غير مستو على خط مستقيم حدث عن جنبيه زاويتان مختلفتان إحداهما أكبر من القائمة يقال لها: المنفرجة والأخرى أصغر من القائمة يقال لها: الحادة ومجموعهما مساو لقائمتين؛ لأن الزاوية الحادة تنقض عن القائمة بمقدار زيادة المنفرجة على القائمة على هذا المثال ![](../Images/figure24.png) فهذا عدد أنواع الزوايا.
(6) فصل في أنواع الخطوط القوسية
فنقول: إن الخطوط القوسية أربعة أنواع منها محيط الدائرة، ومنها نصف الدائرة، ومنها أكثر من نصف الدائرة، ومنها أقل من نصف الدائرة، ومركز الدائرة هي النقطة التي في وسط الدائرة، وقطر الدائرة هو الخط المستقيم الذي يقطع الدائرة بنصفين، والوتر الخط المستقيم الذي يصل بين طرفي الخط المقوس، والسهم هو الخط المستقيم الذي يفصل الوتر والقوس كل واحد منهما بنصفين، وهو إذا أضيف إلى نصف القوس يقال له عند ذلك: الجيب المعكوس وإذا أضيف نصف الوتر إلى نصف القوس يقال له عند ذلك: الجيب المستوي والخطوط المقوسة المتوازية هي التي مركزها واحد مثل هذا ![](../Images/figure25.png).
والخطوط القوسية المتقاطعة هي التي مراكزها مختلفة مثل هذا: ![](../Images/figure26.png) والخطوط القوسية المتماسة هي التي تماس بعضها بعضا إما من داخل أو خارج ولا يتقاطع مثل هذا ![](../Images/figure27.png) وأما الخطوط المنحنية فقد تركنا ذكرها لأنها غير مستعملة، فاعلم جميع ذلك.
Page inconnue
(7) فصل في ذكر السطوح
فنقول: السطح هو شكل يحيط به الخط أو خطوط، والدائرة هي شكل يحيط به خط واحد مثل هذا ![](../Images/figure28.png) وفي داخله نقطة كل الخطوط المستقيمة التي تخرج منها وينتهي إلى جهتين مساو بعضهما لبعض، ونصف الدائرة شكل يحيط به خطان أحدهما مقوس والآخر مستقيم مثل هذا ![](../Images/figure29.png) وقطعة الدائرة هو شكل يحيط به خط مستقيم وقوس من محيط الدائرة إما أكبر من نصفه وإما أصغر حسب ما بينا وأوردنا مثالها قبل هذا.
(8) فصل في الأشكال المستقيمة الخطوط وأنواعها
فنقول: الأشكال التي يحيط بها خطوط مستقيمة أولها الشكل المثلث وهو الذي يحيط به ثلاثة خطوط وله ثلاث زوايا مثل هذا ![](../Images/figure30.png)، ثم المربع وهو الذي يحيط به أربعة خطوط مستقيمة وأربع زوايا قائمات مثل هذا ![](../Images/figure31.png)، ثم المخمس وهو شكل يحيط به خمسة خطوط وله خمس زوايا مثل هذا ![](../Images/figure32.png)، ثم المسدس وهو الذي يحيط به ستة خطوط وله ست زوايا مثل هذا ![](../Images/figure33.png)، وبعده المسبع مثل هذا ![](../Images/figure34.png)، وعلى هذا القياس تتزايد الأشكال كتزايد العدد.
فصل
وقد بينا أن الخطوط يظهر طولها لحاسة البصر من النقطة إذا انتظمت فأقصر خط من نقطتين مثل هذا •• ثم من ثلاث مثل هذا ••• ثم من أربع مثل هذا •••• ثم من خمس مثل هذا ••••• ويتزايد واحدا بعد واحد كتزايد العدد على النظم الطبيعي، وأصغر شكل المثلث من ثلاثة أجزاء مثل هذا ![](../Images/figure35.png) ثم من أربعة أجزاء مثل هذا ![](../Images/figure36.png) ثم من عشرة أجزاء مثل هذا ![](../Images/figure37.png).
وعلى هذا القياس يتزايد كما يتزايد جمع العدد على النظم الطبيعي، وأما الأشكال المربعات فأولها تظهر في أربعة أجزاء مثل هذا ![](../Images/figure38.png) وبعده من تسعة أجزاء مثل هذا ![](../Images/figure39.png) وبعده من ستة عشر مثل هذا ![](../Images/figure40.png) وبعده من خمسة وعشرين جزءا مثل هذا ![](../Images/figure41.png).
وعلى هذا القياس تتزايد المربعات دائما كتزايد جمع العدد على نظم طبيعة الأفراد وتكون كلها مجذورات.
(9) فصل في بيان المثلث أنه أصل لجميع الأشكال
فنقول: إن الشكل المثلث أصل لجميع الأشكال المستقيمة الخطوط كما أن الواحد أصل لجميع العدد، والنقطة أصل للخطوط، والخط أصل للسطوح، والسطح أصل للأجسام كما بينا قبل، وذلك أنه إذا أضيف شكل مثلث إلى شكل آخر مثله حدث من جملتهما شكل مربع مثل هذا ![](../Images/figure42.png) وإذا أضيف إليهما شكل آخر مثلث حدث من ذلك شكل مخمس، وإن أضيف إليها شكل آخر مثلث حدث شكل مسدس وإن أضيف إليها شكل آخر حدث من ذلك شكل مسبع مثل هذا ![](../Images/figure43.png) وعلى هذا القياس تحدث الأشكال المستقيمة الخطوط الكثيرة الزوايا من الشكل المثلث إذا ضم بعضها إلى بعض وتتزايد دائما بلا نهاية كتزايد العدد من الآحاد إذا ضم بعضها إلى بعض دائما بلا نهاية كما بينا قبل.
Page inconnue
وقد تبين أن من الشكل المثلث تتركب الأشكال المستقيمة الخطوط، وأن من السطح تتركب الأجسام، وأن من الخطوط تتركب السطوح، وأن من النقطة تتركب الخطوط، كما أن من الواحد يتركب العدد، فإن النقطة في صناعة الهندسة كالواحد في صناعة العدد وكما أن الواحد لا جزء له فكذلك النقطة العقلية لا جزء لها.
(10) فصل في أنواع السطوح
السطوح من جهة الكيفية تتنوع ثلاثة أنواع: مسطحا ومقعرا ومقببا، فالمسطح كوجوه الألواح والمقعر كقعر الأواني والمقبب كظهر القباب، ومن الأشكال ما يسمى البيضي مثل هذا ![](../Images/figure44.png) ومنها الهلالي مثل هذا ![](../Images/figure45.png) ومنها المخروط الصنوبري مثل هذا ![](../Images/figure46.png) ومنها الإهليلجي ![](../Images/figure47.png) ومنها نيم خانجي مثل هذا ![](../Images/figure48.png) ومنها الطبلي مثل هذا ![](../Images/figure49.png) ومنها الزيتوني مثل هذا ![](../Images/figure50.png).
(11) فصل في ذكر الأجسام
فنقول: السطوح هي نهايات الأجسام ونهايات السطوح الخطوط ونهايات الخطوط هي النقط، وذلك أن كل خط لا بد أن يبتدئ من نقطة وينتهي إلى أخرى، فكل سطح ينتهي إلى خط أو خطوط وكل جسم فلا بد من أن ينتهي إلى سطح أو سطوح، فمن الأجسام ما يحيط به سطح واحد وهي الكرة ومنها ما يحيط به سطحان وهو نصف الكرة، وذلك أن سطحا منه مقبب وسطحا مدور، ومن الأجسام ما يحيط به ثلاثة سطوح وهو ربع الكرة، ومنها ما يحيط به أربعة سطوح مثلثات ويسمى الشكل الناري، ومنها ما يحيط به خمسة سطوح ومنها ما يحيط به ستة سطوح مربعات فمنها المكعب ومنها اللبني ومنها البئري ومنها اللوحي، فالجسم المكعب هو الذي طوله مثل عرضه وعرضه مثل سمكه وله ستة سطوح مربعات متساوية الأضلاع قائمة الزوايا وله ثماني زوايا مجسمة وأربع وعشرون زاوية مسطحة واثنا عشر ضلعا متساوية كل أربعة منها متوازية، وهذه صورتها: ![](../Images/figure51.png).
وأما الجسم البئري فهو الذي طوله مثل عرضه وسمكه أكبر منهما وله ستة سطوح مربعات، اثنان منهما متقابلان متساويا الأضلاع، قائما الزوايا، وأربعة ضيقات مستطيلات متساوية الأضلاع قائمة الزوايا، وله اثنا عشر ضلعا أربعة منها طوال متساوية متوازية وثمانية قصار متساوية متوازية وله ثماني زوايا مجسمة وأربع عشرون زاوية مسطحة: ![](../Images/figure52.png).
وأما الجسم اللوحي فهو الذي طوله أكبر من عرضه وعرضه أكبر من سمكه وله ستة سطوح مربعات اثنان منها طويلان متقابلان متسعان ومتساويا الأضلاع قائما الزوايا وسطحان آخران قصيران ضيقان متساويا الأضلاع قائما الزوايا وله اثنا عشر ضلعا أربعة منها طوال وأربعة منها قصار وأربعة أقصر من ذلك وله ثماني زوايا مجسمة وأربع وعشرون زاوية مسطحة مثل هذا: ![](../Images/figure53.png).
وأما الجسم اللبني فهو الذي طوله مثل عرضه وسمكه أقل منهما وله ستة سطوح مربعات، اثنان منها واسعان متقابلان متساويا الأضلاع قائما الزوايا وأربعة منها ضيقات مستطيلات متساوية الأضلاع قائمة الزوايا وله اثنا عشر ضلعا أربعة منها قصار متساوية متوازية وثمانية منها طوال متساوية كل أربعة منها متوازية ولها ثماني زوايا مجسمات وأربع وعشرون زاوية مسطحة مثل هذا ![](../Images/figure54.png).
وأما الجسم الكري فهو الذي يحيط به سطح واحد وفي داخله نقطة وكل الخطوط المستقيمة الخارجة من تلك النقطة إلى سطح الكرة متساوية يقال لتلك النقطة: مركز الدائرة، وإذا دارت الكرة فيكون في سطحها نقطتان متقابلتان ساكنتان يقال لهما: قطب الكرة مثل هذا ![](../Images/figure55.png).
وإذا وصل بينهما بخط مستقيم جاز ذلك الخط على مركز الكرة يقال له: محور الكرة، وإذا اتصل الخط من نقطة إلى نقطة فهو المحور.
Page inconnue
وإذ قد ذكرنا طرفا من أصل الهندسة الحسية شبه المدخل والمقدمات، وقلنا: إن هذا العلم يحتاج إليه أكثر الصناع فلنبين ذلك، وهو التقدير قبل العمل؛ لأن كل صانع يؤلف الأجسام بعضها إلى بعض ويركبها فلا بد له أن يقدر أولا المكان في أي موضع يعملها والزمان في أي وقت يعملها ويبتدئ فيها والإمكان هل يقدر عليه أم لا وبأي آلة وأدوات يعملها وكيف يؤلف أجزاءها حتى تلتئم وتأتلف، فهذه هي الهندسة التي تدخل في أكثر الصنائع التي هي تأليف الأجسام بعضها إلى بعض.
واعلم أن كثيرا من الحيوانات تعمل صنعة طبيعية قد جبلت عليها بلا تعليم كالنحل في اتخاذها البيوت، وذلك أنها تبني بيوتها مطبقات مستديرات الشكل كالأتراس بعضها فوق بعض وتجعل ثقب البيوت كلها مسدسات الأضلاع والزوايا لما في ذلك من إتقان الحكمة؛ لأن من خاصية هذا الشكل أنه أوسع من المربع والمخمس وأنها تكشف تلك الثقوب حتى لا يكون بينها خلل فيدخل الهواء فتفسد العسل فيعفن، وهذا مثال ذلك: ![](../Images/figure56.png).
وهكذا العنكبوت تنسج شبكتها في زاويا البيت والحائط شفقة عليها من تخريق الرياح وتمزيق حملها، وأما كيفية نسجها فهو أن تمد سداها على الاستقامة وخيوط لحمتها على الاستدارة؛ لما فيه من سهولة العمل، وهذا مثال ذلك: ![](../Images/figure57.png).
ومن الناس من يستخرج صناعة بقريحته وذكاء نفسه لم يسبق إليها، وأما أكثر الصناع فإنهم يأخذونها توقيفا وتعليما من الأستاذين.
فصل
واعلم يا أخي أيدك الله وإيانا بروح منه؛ أن علم الهندسة يدخل في الصنائع كلها وخاصة في المساحة وهي صناعة يحتاج إليها العمال والكتاب والدهاقين وأصحاب الضياع والعقارات في معاملاتهم من جباية الخراج وحفر الأنهار وعمل البريدات وما شاكلها.
ثم اعلم بأن المقادير التي تمسح بها الأراضي بالعراق خمسة مقادير، وهي الأشل والباب والذراع والقبضة والأصبع، واعلم بأن الأصبع الواحدة غلظها ست شعيرات مصفوفة مضمومة ظهور بعضها إلى بطون بعض والقبضة الواحدة أربع أصابع والذراع الواحدة ثماني قبضات، وهو اثنان وثلاثون أصبعا والباب طوله ست أذرع وهي ثمان وأربعون قبضة وهو مائة واثنان وتسعون أصبعا والأشل حبل طوله عشرة أبواب وهو ستون ذراعا وأربعمائة وثمانون قبضة وألف وتسعمائة وعشرون أصبعا.
واعلم بأنك إذا ضربت هذه المقادير بعضها في بعض، فالذي يخرج منها يسمى تكسيرا، فإذا جمعت فيكون منها جريبات وقفيزات وعشيرات، وأما حسابها فهو أن القبضة الواحدة في مثلها تكون ستة عشر أصبعا والذراع الواحدة في مثلها تكون أربعا وستين قبضة مكسرة وألفا وأربعة وعشرين أصبعا مكسرة وهو تسع ربع عشر عشير الجريب والباب الواحد في مثله يكون ستا وثلاثين ذراعا مكسرة، وهذه صورتها 36 وهو 2304 قبضات مكسرة وهو 36864 أصبعا مكسرة، وهو عشر عشير الجريب.
وأما الأشل في مثله فيكون جريبا وهو عشرة أقفزة وهو مائة عشير، وهذه صورتها 3600 ذراع مكسرة وهو 230400 قبضة مكسرة وهو 3686400 أصبعا مكسرة، وأما القفيز فهو عشرة أعشار وهو عشرة أبواب مكسرة، وهو من ضرب تسعة عشر ذراعا إلا شيئا يسيرا في مثله وهو ثلاثمائة وستون ذراعا، وأما العشير فهو من ضرب باب واحد في مثله وهو 36 ذراعا مكسرة وهو 2304 قبضات مكسرة وهو 36864 أصبعا مكسرة، والأشوال في الأشوال واحدها جريب وعشرتها عشرة أجربة، والأشوال في الأبواب واحدها قفيز وعشرتها جريب، والأشوال في الأذرع واحدها عشير وثلثا عشير وست منها قفيز، والأشل في القبضات واحدها سدس عشير وربع سدس عشير وكل ثلاثة أخماس منها عشير، وكل 36 منها قفيز والأشل في الأصابع كل واحد منها ربع سدس عشير وربع ربع سدس عشير وكل عشرة منها ربعا عشير وسدس ثمن عشير.
والأبواب في الأبواب واحدها عشير وعشرتها قفيز والأبواب في الأذرع واحدها سدس عشير وستة منها عشير، والأبواب في القبضات كل واحد منها ثلاثة أرباع ربع تسع عشير، والأبواب في الأصابع كل خمسة وثمانين منها ثلث عشير وربع سدس عشير وتسع عشير تقريبا، وكل أربعة منها ثلاثة أرباع وتسع عشير وكل مائة ثمان وعشرين منها ثلثا ثلث عشير والأذرع في الأذرع واحدها ربع تسع عشير، وكل أربع منها تسع عشير وكل مائة منها عشيران وثلثا عشير وتسع عشير.
Page inconnue