154

Épîtres des Frères de la Pureté

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

Genres

وذلك أن مثل البيت وسط المسجد الحرام، والمسجد وسط الحرم، والحرم وسط الحجاز، والحجاز وسط بلدان الإسلام كمثل الأرض وسط كرة الهواء، وكرة الهواء في وسط كرة القمر، وفلك القمر في وسط الأفلاك، وكمثل المصلين من الآفاق المتوجهين نحو البيت كمثل الكواكب في الأفلاك ومطارح شعاعاتها نحو مركز الأرض، ومثل دوران الأفلاك بكواكبها حول الأرض كمثل دوران الطائفين حول البيت، ومثل اختلاف أدوارها حول الأرض كمثل اختلاف أشواط الطائفين حول البيت؛ وذلك أنا نرى الطائفين حول البيت منهم من يمشي الهوينى، ومنهم من يستعجل، ومنهم من يهرول، ومنهم من يسعى، فتختلف بحسب ذلك أشواطهم، وكلهم متوجهون في طوافهم نحوا واحدا وقصدا واحدا، ولكن إذا بلغ الماشي الركن العراقي فقد بلغ المستعجل الركن الشامي، والمهرول الركن اليماني، والساعي الحجر الأسود، فبهذا السبب إذا طاف الماشي شوطا واحدا فقد طاف الساعي أشواطا، فهؤلاء الطائفون وإن اختلفت أشواطهم من أجل سرعة حركاتهم وإبطائها فليس قصدهم إلا قصدا واحدا إلى جهة واحدة، فهكذا حكم الأفلاك وكواكبها في دورانها حول الأرض، وكما أن الطائفين حول البيت يبتدئون من عند باب البيت، ويجتمعون عنده سبعة أشواط يدورونها حول البيت، فهكذا يقال إن الكواكب كلها ابتدأت بحركاتها من موازاة أول دقيقة من برج الحمل الذي كأنه باب الفلك، ثم دارت حول الأرض، ثم اختلفت موازاتها بعد ذلك في درجات البروج بحسب سرعتها وإبطائها كما قيل، وإذا اجتمعت هذه كلها بعد دورات كثيرة في موازاة تلك الدقيقة التي ابتدأت منها قامت القومة الكبرى واستأنفت الدور.

(18) فصل في مثال أدوارها

واعلم يا أخي أن حكماء الهند ضربوا مثلا لدوران هذه الكواكب حول الأرض ليقرب على المتعلمين فهمه ويسهل على المتأملين تصوره: ذكروا أن ملكا من الملوك بنى مدينة دورها ستون فرسخا، وأرسل سبعة نفر يدورون حولها بسير مختلف؛ أحدهم كل يوم فرسخا، والآخر كل يوم فرسخين، والثالث كل يوم ثلاثة فراسخ، والرابع كل يوم أربعة فراسخ، والخامس كل يوم خمسة فراسخ، والسادس كل يوم ستة فراسخ، والسابع كل يوم سبعة فراسخ، فقال: دوروا حول هذه المدينة، وليكن ابتداؤكم من عند الباب، فإذا اجتمعتم عند الباب بعد دوراتكم فتعالوا فعرفوني كم دار كل واحد منكم.

فمن فهم حساب دوران هؤلاء النفر حول تلك المدينة وتصوره يمكنه أن يفهم دوران هذه الكواكب حول الأرض بعد كم دورة يجتمعون في أول برج الحمل كما كان ابتداؤهم، فأما حساب أولئك النفر فإنهم بعد ستين يوما يجتمع ستة نفر عند باب المدينة وقد دار واحد منهم دورة والآخر دورتين والثالث ثلاث دورات والرابع أربع دورات والخامس خمس دورات والسادس ست دورات، فأما الذي يدور كل يوم سبعا فقد دار ثمانية أدوار وزاد أربعة أسباع فرسخ دور، فيحتاج هؤلاء النفر أن يستأنفوا الدور فبعد مائة وعشرين يوما يجتمعون مرة أخرى عند الباب وقد دار كل واحد حسابه الأول مرة أخرى، ولكن السابع قد دار سبع عشرة مرة وزاد فرسخا واحدا، فيجتاحون أن يستأنفوا الدور، فبعد مائة وثمانين يوما يجتمع الستة مرة ثانية وقد دار واحد حسابه الأول مرة ثالثة، ولكن صاحب السابع قد دار خمسا وعشرين دورة وزاد خمسة أسباع فيحتاجون أن يستأنفوا الدور فبعد مائتين وأربعين يوما يجتمعون مرة رابعة وقد دار كل واحد منهم حسابه الأول، ولكن صاحب السبعة قد دار أربعا وثلاثين دورة وزاد سبعين، فيحتاجون أن يستأنفوا الدور فبعد ثلاثمائة يوم يجتمعون مرة خامسة وقد دار كل واحد منهم حسابه الأول مرة خامسة، ولكن صاحب السبعة قد دار اثنتين وأربعين دورة وزاد ستة أسباع فيحتاجون أن يستأنفوا الدور فبعد ثلاثمائة وستين يوما يجتمعون مرة سادسة وقد دار كل واحد منهم لحسابه الأول مرة سادسة، ولكن صاحب السبعة دار إحدى وخمسين دورة وزاد ثلاثة فراسخ، فيحتاجون أن يستأنفوا الدور فبعد أربعمائة وعشرين يوما يجتمعون كلهم عند باب المدينة وقد دار الأول سبعة أدوار والثاني أربع عشرة دورة، والثالث إحدى وعشرين دورة، والرابع ثماني وعشرين دورة، والخامس خمسا وثلاثين دورة، والسادس اثنتين وأربعين دورة، والسابع قد دار ستين دورة.

فهذا مثل ضربه حكماء الهند لدوران الأفلاك والكواكب حول الأرض، وذلك أن مثل الأرض كمثل تلك المدينة المبنية التي دورها ستون فرسخا، ومثل الكواكب السبعة السيارة ودورانها حول الأرض كمثل أولئك النفر السبعة، واختلاف حركاتهم في السرعة والإبطاء كاختلاف سير أولئك النفر، والملك هو الله الباري المصور، تبارك الله رب العالمين.

(19) فصل فيما يرى لها من الرجوع والاستقامة والوقوف

اعلم يا أخي أن الذي يوصف من هذه الكواكب السبعة السيارة خمسة منها، وهي: زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد، تارة بالرجوع، وتارة بالوقوف، وليس بالحقيقة ذلك، وإنما هو عارض في رأي العين، وذلك أن كل كوكب جرمه على كرة صغيرة تسمى أفلاك التداوير، وهي مركبة كل واحدة على فلك من الأفلاك الكبار التي تقدم ذكرها، وغائصة في غلظ سموكها، ويكون جانب منها مما يلي سطوحها العلوي، وجانب منها مما يلي سطوحها السفلي، كل واحدة منها أيضا دائمة الدوران في مواضعها من أفلاكها الحاملة لها، ويعرض لكل كوكب إذا كان مركبا عليها تارة الصعود إلى أعلى سطح فلك فيبعد عن الأرض، وتارة النزول من هناك، فيقرب من الأرض، فإذا كان في أعلى ذراها ترى له حركة على توالي البروج من أولها إلى آخرها، وإذا كان في أسفل فلكه ترى له حركة من آخر البروج إلى أولها، وإذا كان صاعدا أو نازلا يرى كأنه واقف وليس بواقف ولا راجع، ولكن دأبه الدوران، وإنما جعل أصحاب الرصد هذه الأسماء ألقابا له.

(20) فصل في تفصيل الحركات الخمس والأربعين

اعلم يا أخي أنه يعرض لكل كوكب من هذه السبعة ست جهات مختلفات؛ إحداها: من المشرق إلى المغرب، وأخرى: من المغرب إلى المشرق، وأخرى: من الشمال إلى الجنوب، وأخرى: من الجنوب إلى الشمال، وأخرى: من فوق إلى أسفل، وأخرى: من أسفل إلى فوق، فتكون جملتها اثنتين وأربعين حركة، ويعرض للكواكب الثابتة حركتان وللفلك المحيط حركة واحدة، فتلك هي خمس وأربعون حركة، فأما حركتها من المشرق إلى المغرب فهي بالقصد الأول الحقيقي، وأما سائرها فبالعرض لا بالقصد، وأما الذي يعرض من المغرب إلى المشرق فقد بينا معناه فيما تقدم، وأما الذي يعرض من فوق إلى أسفل ومن أسفل إلى فوق فهو من جهة أفلاك التداوير، ومن جهة الأفلاك الخارجة عن المراكز، وأما التي تعرض من الشمال إلى الجنوب ومن الجنوب إلى الشمال فمن جهة ميل فلك البروج عن فلك معدل النهار وشرحها يطول، فمن أراد هذا العلم مستقصى فلينظره في كتاب المجسطي، أو بعض المختصرات في تركيب الأفلاك.

(21) فصل في بيان الظلمتين الموجودتين في العالم

Page inconnue