ولما تعاظم بلبالها خرجت إلى حديقة النخيل وكانت الشمس قد تكبدت السماء وانحسرت الأظلال واتفق وقوع شهر رمضان في تلك السنة (40ه) في ابان الشتاء لأنه يبدأ في العاشر من يناير (ك3)
1
وكان يوم خروج قطام إلى الحديقة يوما صحا جوه فحسن الخروج به إلى الخلاء في ساعة الظهر للاستدفاء بأشعة الشمس. فمشت بين النخيل مبتعدة عن السور الذي يلي الطريق إلى ما يلي البحيرة وهي لا تنتبه لما حولها من صرير أو تغريد أو نقيق ولم يكن همها إلا إتمام مرامها .
الفصل الثالث والخمسون
لقاء ابن ملجم
قضت في الحديقة ساعة وهي وحدها في كل تلك الدار فملت الشمس وحرارتها فعادت نحو البيت. وفيما هي عائدة سمعت أناسا يتكلمون عن بعد فوقفت على أرومة نخلة كانوا قد قطعوها للوقود منذ عامين والتفتت نحو الطريق فرأت شجين ولم تلبث أن عرفت أنهما لبابة ومعها رجل غريب الذي علمت أنه عبد الرحمن ابن ملجم. فحولت انتباهها إلى إتمام هذه الحيلة فدخلت البيت على عجل وكانت قد رأت لبابة تكلم عبد الرحمن وتشير إليها بإصبعها. ولما دخلت الغرفة عمدت إلى النقاب فأرسلته على رأسها وجلست على وسادة تعودت الجلوس عليها إذا استقبلت الزائرين من الغرباء. ولبثت صامتة تنتظر دخول لبابة وما عتم أن سمعت صوت ضحكتها قبل سماع خفق نعالها. وبعد قليل دخلت لبابة وحدها فاستقبلتها قطام استقبال المشتاق ودعتها إلى الجلوس.
فقالت: لا أجلس قبل أن أدعو رفيقا لي صحبته لزيارتك.
فقالت: أهلا بك وبرفاقك أجمعين فليدخل.
فصاحت لبابة للحال: ادخل يا عبد الرحمن.
وما أتمت كلامها حتى وقف في الباب رجل طويل القامة نحيف البدن خفيف اللحية أشمطها براق العينين بحيث يكاد الشرر يتطاير منهما وعليه العباءة والقفطان والعمامة وآثار السفر لا تزال بادية على نواتي وجهه وخصوصا الأنف فقد كان شديد الاحمرار. فخلع عبد الرحمن نعاله خارج الباب وحيا ودخل. فردت قطام التحية وهي تهم بالوقوف وأشارت إليه أن يجلس فجلس الأربعاء وسيفه مستعرض على حضنه وظهر من كيفية جلوسه أنه شديد الحرص على ذلك السيف كأنه يخاف عليه الضياع ففتحت قطام الكلام قائلة إلى من ينتسب ضيفنا؟
Page inconnue