قال: كيف لا أذكر ذلك وقد كان له تأثير شديد علي.
قالت: أتدري أين كنت يومئذ؟
قال: كلا.
قالت: خرجت إلى أهلي لزيارة. ولم يكن غرضي مجرد الزيارة ولكنني بعد أن عاهدتك على قتل أمير المؤمنين شعرت بقلق واضطراب ولم أذق رقادا تلك الليلة.
فلما أصبحت قلت في نفسي لعل سبب هذا القلق ذنب ارتكبته بما سعيت فيه على الإمام وهو لا يستحقه. فلاح لي أن أمضي بنفسي إلى أهلي وأبحث عن حقيقة الواقع فرأيت بعد البحث أن الذنب في قتل والدي وأخي لم يكن ذنبه هو وتحققت أنه برئ وأنه نصح لهما مرارا قبل الواقعة أن يرجعا فأبيا ولما اختدم النزال وعلم أنهما تحت خطر القتل أوصى أن لا يصيبهما أحد بسوء. ولكن بعض الأغرار قتلهما بغير علمه ولما علم هو بذلك غضب على القاتل وانتقم منه. فشعرت في تلك الساعة بارتكابي أمرا عظيما بما نويته وعولت على تحويلك عما تعاقدنا عليه. فقضيت مدة غيابك وأنا في حيرة لا أدري كيف أبدأ بإقناعك. وحفظت ذلك في سري حتى عن خالتي لبابة.
ولم يتمالك سعيد عند سماعه ذلك عن الوقوف بغتة بغير أرادته وقبل أن يجيبها على خطابها نادى عبد الله ولبابة فجاءا فالتفت سعيد إلى عبد الله وقال له تعال اسمع يا أخي ما دبره الله لنا من أسباب السعادة. فإننا لم نتكلف في إقناع قطام إلى مشقة بل هي تريد إقناعنا بالعدول عن العهد الذي أخبرتك عنه.
فأظهرت قطام الاستغراب وقالت: وكيف ذلك يا سعيد وما الذي جئتنا به عساه خيرا.
فتعرضت لبابة للكلام فقالت : يظهر أنك جئتها بمثل ما جاءتك هي به.
قال: «نعم يا خالة وأحمد الله على ذلك فإني جئت من مكة وقد اقتنعت ببراءة الإمام علي وتقيدت بعهد عاهدت به جدي أن لا أقتل عليا وكنت خائفا أن لا توافقني قطام عليه وهي إذا لم تفعل ذلك كنت من أشقى الناس. فالحمد لله على ما جرى» وجلس يقص عليهم حديث جده ووصيته فظهرت لوائح البشر والسرور على الجميع. ثم استطرد إلى حديث المؤامرة فلما ذكر أن أحد المؤامرين تعهد بقتل الإمام علي تظاهرت قطام بالغضب وقالت: ألم تعرف من هو الرجل؟
قال: لم أعرفه ولكنني علمت من سياق الحديث أنه من فسطاط مصر.
Page inconnue