وكان سعيد يتوقع أن يرى قطاما هناك فلم يرها فانشغل باله وزاد انشغاله لسكوت لبابة عن الحديث وجمودها. فقال مالي أراك ساكتة يا خالة ألم ترسلي إلى بالمجيء.
قالت: بلى.
قال: وأين قطام.
فتنهدت وقالت هي هنا في الغرفة الأخرى وسنذهب إليها بعد قليل.
قال: أراك في قلق ... مالذي جرى ... قولي.
قالت: لم يجر شيء ... وتظاهرت كأنها تكتم خبرا.
فقال: وكيف. مالي أراك كئيبة أخبريني لقد نفد صبري.
قالت: لا ينشغل خاطرك ياولدي إذ ليس هناك ما يدعو إلى القلق. غير أني مللت من استعطاف هذه الفتاة وترغيبها وتشويقها فلم أر منها إلا البكاء والنحيب ولم أسمع إلا قولها «الانتقام الانتقام» ومن يخاطبها بغير هذا الموضوع لا يسمع منها جوابا.
قال: ألم تذكري لها شيئا من حديثي معك.
قالت: «كيف لا وهي لو لم أذكر لها اسمك مشفوعا بوعدك بالانتقام لما أجابتني» ثم أدنت فمها من أذنه وقالت: «ولكنني آنست من خلال ذلك التمنع أنها ترتاح إلى ذكر اسمك وأظنها تحبك كثيرا ولكن انشغالها في الانتقام شغلها عن الحب ولذلك فقد سرت لما أخبرتها بوعدك ولكنها لم تصدق قولي كأنها تحسبني أقول مزاحا أو لعلها استبعدت ذلك منك أو خافت عدولك عنه لجهلها ما أنت مفطور عليه من الحمية وكرم الأخلاق» قالت العجوز لك بنغمة تدل على ثقتها التامة بشرف نفس سعيد وصدق وعده. ثم شغلت نفسها بالنحنحة والسعال ومسح آماقها مما يتحلب فيها من الدمع المتواصل لضعف الشيخوخة وصبرت لترى ما يبدو منه قبل إتمام الحديث.
Page inconnue