يلازمه، واستمر على ذلك مدة طويلة. وصنَّف في الفنون الحديثة عدة تصانيف. وأكمل شرح تقرب الأسانيد لأبيه فأجاد فيه. وشرع في شرح مطول لسنن أبي داود، لو كمل كان قدر ثلاثين مجلدة، بل يزيد. وجمع النكت على المختصرات الثلاثة: التنبيه، والحاوي، والمنهاج. فزاد فيها على من تقدمه ممن عمل تصحيح التنبيه وكذا المنهاج، وكذا الحاوي. فإنه جمع بين تصانيفهم وبين ما استفاده من حاشية الروضة لشيخنا البُلْقِيني الكبير. وكان قد جردها فجاءت في مجلدين. وجردها قبله الشيخ بدر الدين الزركشي، وقد ملكتها بخطه، لكن كان قبل أن يجردها
أبو زرعة بعشرين سنة. فزادت في تلك المدة فوائد جمة. واختصر المهمات للإسنوي، وضم إليه فوائد وزوائد من الحاشية المذكورة. وعقد مجلس الإملاء بعد أن كان انقطع بموت شيخنا والده، من سنة ست وثمانمائة إلى أن شرع هو فيه في سنة عشر. ولم يزل يُملي في كل يوم ثلاثاء، إلى أن مرض المرض الذي توفي فيه، مع ما كان فيه من شغل البال بالدرس والحكم وغير ذلك.
ولما مات القاضي جلال الدين البلقيني استقدمه الملك الظاهر طَطَر، في قضاء الشافعية. فباشر بعفة ونزاهة، وشهامة ومعرفة، وصار يصمم في أمور لا يحتملها أهل الدولة. فتمالئوا عليه إلى أن صرف. فحصل له بذلك قَهرٌ أدَّاه إلى التّلف، ومات مبطونًا شهيدًا في يوم الخميس سابع عشري شعبان سنة ست وعشرين وثمانمائة ودفن إلى جانب والده، وكثر الأسف عليه خصوصًا من طلبة العلم.
أحمد بن عبد الكريم بن عبد الحاكم بن سعيد بن مالك بن سعيد الفارقي، جلال الملك، ويكنى أبا أحمد، وهو ممن يكنى باسم نفسه. ولي القضاء في ثالث عشر المحرم
سنة خمس وخمسين وأربعمائة، عوضًا عن الحسن ابن أبي كُدَيْنة. وأضيفت إليه الوزارة عوضًا عن أبي الفرج البابلي. فاستخلف في الحكم أخاه عليًا ثم صرف عن القضاء والوزارة في سابع عشر صفر منها. ثم أعيد في رابع ذي الحجة منها إلى القضاء. ثم صرف ثم أعيد بعد أربعة أيام. ثم صرف في النصف من جمادى الآخرة ثم أعيد في سادس عشري صفر سنة ثمان وخمسين. وأضيف إليه الوزارة في رابع جمادى الآخرة منها. ثم صرف من
1 / 61