حملت إليك هذه الرسالة عن أمير المؤمنين، فهات الجواب. فَذَلَّ حتى لصق بالأرض. وبان لي الاضطراب فيه. فلما رأيت ذلك نهضت إلى أبي دلف، فأخذت بيده وقلت: قد أخذته بأمر أمير المؤمنين. فقال: لا تفعل يا أبا عبد الله. فقلت: قد فعلت وأخرجت القاسم فحملته على دابة ووافيت المعتصم. فلما بَصُر بي قال: مرحبًا بك يا أبا عبد الله، أوريت زنادي. ثم ردّ علي خبري مع الأفشين حدسًا بظنه ما أخطأ فيه حرفا. ثم سألني عما ذكر لي وهل هو كما قال؟ فأخبرته أنه لم يخطئ حرفا.
وقرأت في الكتابة المذكور: كان أحمد بن أبي دُوَاد ينكر أمر الغناء إنكارًا شديدًا فأعلمه المعتصم أن صديقه أبا دلف يغني. فقال: ما أراه مع عقله يفعل ذلك! فستر المعتصم أحمدَ بن أبي دواد في موضع، وأحضر أبا دلف، وأمره أن يغني، ففعل ذلك وأطال. ثم أخرج أحمد بن أبي دُوَاد عليه من موضعه، والكراهية بينه ظاهرة في وجهه. فلما رآه قال: سوأةً لهذا مِنْ فِعْل! أبعد السن وهذا المحل، تضع نفسك كما رأى! فخجل أبو دُلف وتسوَّر، وقال: إنهم أكرهوني. فقال: هبهم أكرهوك على الغناء أفأكرهوك على الإحسان فيه والإصابة!
قال أبو الفرج في الأغاني: أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي، حدثني العباس بن ميمون. قال: هجا أبو الأسد الحمامي، واسمه نباتة بن عبد الله أحمدَ بن أبي دُوَاد، فقال:
أنت امرؤ غثُّ الصنيعة رثُّها ... لا تُحسن النعمي إلى أمثالي
نعماك لا تعدوك إلا في امرئ ... في سلك مثلك من ذوي الأشكال
وإذا نظرت إلى صنيعك لم تجد ... أحدًا سموت به إلى الإفضال
فاسلم لغير سلامة ترجى لها ... إلا لسدّك خلة الأَنذال
قال: فبلَّغ عبد الرحمن بنُ عبيد الله بن عائشة الأبياتَ لأحمد، فبعث إلى أبي الأسدِ ببرٍّ واسْتَكَفَّه. وبعث ابن عائشة على مظالم ما سَبذَان، وقال له: قد شركت أبا الأسد في التوبيخ لنا، فشر كناك معه في الصنيعة، فإِن كنتما صادقين
1 / 50