ثم لايخفى أن قول المهدي: قضاء أبي بكر الخ. تسامح لأنه لم يحكم هنا بشيء ، ولا قضى به، بل طلب تكميل البينة ليحكم، ولم تقم فبقي الشيء على أصله، فلا حكم فيه أصلا.
إذا عرفت أنه لم يطلب الوصي ولا عمه عليهما السلام الميراث بعد علمهما بحديث "لا نورث" وأنهما عرفاه إما من رواية أبي بكر أوفي زمنه، بحيث أفاد عندهما العلم كما قدمناه عن الحافظ ابن حجر، عرفت الإشكال الشديد حقيقة في قول عمر في هذه القصة: "جئتني يا عباس تسألني نصيبك من ابن أخيك، وجاءني هذا- يعني عليا- يسألني نصيبه من امرأته" فإنه ظاهر أنهما أتيا عمر في خلافته يطلبان الميراث.
والحافظ ابن حجر، قد تنبه للإشكال وأجاب عنه، فقال في فتح الباري:
"أما قول عمر:جئتني يا عباس، تسألني نصيبك من ابن أخيك، فإنما عبر بذلك لبيان قسمة الميراث أن لوكان هناك ميراث، لا أنه أراد الغض منهما"(¬1).
قلت: يريد أنهما لم يسألاه الميراث لعلمهما أنه لا ميراث لهما بعد معرفتهما حديث : "لا نورث" وإقرارهما في صدر القصة بمعرفة ذلك بل بعلمه ، فاحتاج ابن حجر إلى تأويل قول عمر للعباس:" تسألني نصيبك من ابن أخيك" لأنه ظاهر في طلب ما علما أنه لا يحل طلبه، فتأوله بأنه عبر عمر بهذا اللفظ يعني لفظ نصيبك لبيان قسمة الميراث لوكان هناك، وأنه يكون للبنت النصف، وللعم النصف.
قلت: وهو تأويل في غاية السماجة، وغاية البعد عن القبول، وكيف يبين لعلي رضي الله عنه كيفية قسمة تركة انحصر وارثها في البنت والعم والزوجات؟ وقد كان عمر يرجع إلى علي - رضي الله عنه - في عدة قضايا ،ويستعينه في عدة وقائع ويقول:
Page 44