III
بأنهما جبلان متجاوران، والوادي الذي وقف فيه بني إسرائيل وقت الخطاب كان متوسط بين الأذ[ين]ة جبال المذكورة. وأما جبل مكة، فهو قاطع البرية الفلاة مسير زائد على ثلثين يوما. وأيضا فإن قائم النصارى لم يكن من جبل ساعير ولا من أهله، لأن أبويه من بني إسرائيل وتأليده بيت لحم، وتربيته في أرض القدس، وهي كانت مسكنه إلى آخر مدته. وأما تباعه بني العيص فلم يكونوا مبدأ من تبعه، لأن بعد وفاته بسنين طويلة لم يكن له دعوة إلى ما انخدع قوم من الرومانيين لرأي بعض أصحابه، وجبروا قوم من أمتهم على الدخول في مذهبه، واتسع الأمر إلى شعوب كثيرة من جملتهم بني العيص. فلم يبق له دليل مما ذكره جملة من هذه النصوص. وأما إلزامه بالنسخ من كون الله تعالى عزل الأبكار من ولاية الاختصاص وأخذ الليوانيين عوضهم بسبب تقاعدهم عن نصرة موسى على
عباد العجل، فنحن نبين بأن هذا لا يلزم منه نسخ، مع كوننا قد بيننا مذهبنا في النسخ، إلا أن قول الحق واجب. وذاك بأنه، لما كان سبحانه <و>تعالى لا يحكم على علمه بالبدا، وكان من سنة العالم في تلك الأزمان تشريف الأبكار وتقديمهم لتناول القرابين والتخصص بالإمامة، كما كان من قضية يعقوب عليه السلام وحرصه على حوز فضيلة البكورة حتى اشتراها بثمن من עֵשָוأخيه، وبقي الأمر على متعاهده من تشريف البكور إلى حين ما ظهر عنهم تقاعد وكسل في نصرة الدين الواجب على أمثالهم اقتضى عدله تعالى خلع هذه الفضيلة منهم وعزلهم واختصاص من نهض في نصرة الدين وتحرك لها وهم بني לוי. فلم يحصل من هذا نسخ شريعة ولا بدا له تعالى ما لم يكن يعلمه من قبل، وهذا بين. وأما نكرته علينا بأن الله أحب طائفتنا وشرفها دون باقي
الأمم ومعارضته لنا بאיוב النبي، وقوله بأنه كان من غير أمتنا، واعتراضه بقول التوراة أن لا فرق بين الدخيل وبين الصريح، وتعييره بالذين كفروا من بني إسرائيل، فهي أقوال من لم يحصل صورة معتقدنا في ذلك. وذاك أن الله خص بني إسرائيل بتنزيل الشريعة عليهم، وإسماعهم كلامه، وإيرائهم معجزاته الباهرة، وإحلال نوره في ما بينهم دائما على البيت الذي كان قبلتهم، وكونه أنزل نار سماوية لأكل قرابينهم دائما، ما لم يفعل مثل ذلك مع أمة أخرى. فحصل من هذا أنه تعالى شرف هذه ذرية יעקוב دون غيرها من الشعوب، وإن كان في باقي الأمم متعبدين وصالحين ومقربين، فلم يفعل معهم مثل ذلك. ثم إنه تعالى عرفنا بأن أي دخيل في ديننا متبرعا لا مكره، فإن حكمه حكمنا، لا فرق في سائر الأحكام والقضايا بيننا وبينه، بعد أن كان غير ملزوما بها، ومع هذا
فلا نخالف بأن المجاهدين من غيرنا أفضل من المقصرين منا، أحرى وأوكد قوم عصوا وطغوا في عبادة الأوثان، وإن كانوا من هذه السلسلة، فإنهم مبعدين معاقبين مستحقي جهنم، ليس في ملتنا من اعتقد غير هذا. فقد بان بهذا أن قولنا أن الله تعالى أحب هذه الطائفة على معنى التخصيص والتفضيل والتشريف، على هذا المقصد يجري جميع ما نقوله في صلواتنا، ولاعتقادنا أن شريعتنا لازمة لنا إلى أبد الدهر أعربنا عن ذلك بمحبة الدهر، كماذكر، وهذههي عبارة النبي ישעיה عليه السلام، لا ابتكار منا. وأما ما شنع به علينا بأننا نقول: إنا أبناء الله، إما أنه قصد المغلطة والجور، أو أنه لم يعلم مفهوم ذلك، كما لم يعلم مفهوم غيره، وذاك أنا لو سمعنا قائل يقول باللغة العربية أنه ابن الله، لأنكرنا ذلك عليه، وكفرناه بطريق أن هذه الاسمية
في اللغة العربية لا تقع إلا على ولد أولده أبوه بطريق التناسل المعهود. وأما في اللغة العبرانية فتقع هذه الاسمية على ثلاث معاني، الواحد هو ما ذكرناه من معنى التناسل، والثاني أنها تقال عن كل فرع تفرع من أصل، مثل أغصان الأشجار ورواضع الأنهار تسمى أيضا بنين، والثالث أنها تقع على معنى التلمذة، وهو أن كل تلميذ استفاد علم من أستاذ، فيسمى انبه، ويسمى الأستاذ أبوه. وعلى هذا المقصد الأخير أكني عن الأمة بأبناء الله، أي القوم الذي علمهم ربهم عبادته، وليس هم تلاميذ عقولهم، مثل أرباب النواميس العقلية، الذين ضلوا السبيل. على هذا المقصد يجري لفظنا في سائر ما حكاه عن أقوالنا الصلوية، وليس نحن له جاحدون كما زعم. وهذا معنى شائع عند أهل اللغة، وقد نطقت به الأنبياء في كتبها في أماكن غير قليلة. فمن عرف اللغة العبرانية
وتجانسها ومجازاتها يعلم ذلك، ومن لم يعلم ذلك يظن أن استعمالات اللغات متساوية فيظن الكفر بقوم لم يكفروا، ويشنع مثل هذه الشناعات. وأما تشنيعه بأننا ننتظر قائما يأتينا من ولد داود النبي، وهو المسيح بالحقيقة، فهذه قضية قد عرفها كل متشرع، وهي قضية الخلف بيننا وبين النصارى، المدعين إلى شريعته، وهم يدعون بأن هذا المنتظر من ولد داود قد ظهر وقام. ونحن نقول أنه لم يقم، إذ وله دلائل لم تصح في غيره. وهذه قضية ليست مكتومة ولا مستقبحة بحيث يكون هذا الرجل قد كشفها وبينها. وأما قوله بأنا نقول أنه، إذا حرك شفتيه بالدعاء مات جميع الأمم، ولم يبق إلا اليهود، فقد جزف فيه التجزيف العظيم. وذاك أن الأنبياء نطقت بأن هذا المسيح إنما يقوم لتمهيد العالم وأن يجعل كل الأمم على مذهب واحد مؤمنين
به لأنه لا يكون إلا بعد ظهوره. وأما قولنا في صلواتنا: اللهم املك على جميع أهل الأرض، وما تبع هذا من هذا المعنى، فهو تابع لإخباره تعالى ووعده بأن في ذلك الزمان لا يبقى من لا يعترف بأنه تعالى الملك المالك الواحد الحق ويتبرهن عند جميع الناطقين أن لا معبود سواه. ولا شبهة بأن معظم أهل الأرض في هذا زماننا غير معتقدين ملك الله، لأن القائلين بالثالوث، وهم النصارى بطوائفهم المختلفة، وهم أكثر عددا من ملتي اليهود والإسلام، ثم الهنود عباد النار في إقليم كبير من الأرض، ثم قبائل الخطا والقپچاق والألان والبرابرة، ثم الصابة والشمسية والمجوس ومنهم من [يع]بد الكواكب، ثم قوم متفلسفة، يجحدوا ال[صان]ع تع[الى] زويات، ثم الن[..]ة وال[....] الحشيشيون وال[..]مية، فذكر الله تعالى غير م[..............]ه غير قائم[ة] إلا عند البعض، ولهذا نقول: اللهم املك على جميع أهل
الأرض، نعني: أوضح لهم ما يقودهم إلى الاعتراف بالربوبية والوحدانية وما ينكر هذا إلا المعنت <ال>مغالط لنفسه. وأما إنكاره قولنا: لم تقل الأمم: أين إلاههم، فهو كلام داود النبي عليه السلام حيث طلب الانتصار بالله على جبابرة الكفار، دعى إلى ربه بالنصرة ونسب نفسه إلى كونه غير مستحقها من أجل نفسه، وإنما من حيث ما رسخ في نفوس الكفار أنا نعبد رب الأفلاك ومحركها، وهم لا يصدقونه. قال: فإذا هم نصروا علينا، قالوا معيرين لنا: أين إلاههم، ويقوى جحودهم وكفرهم بالله، وهذا مما لا ينكر على قائله. وكذلك باقي الأدعية التي ا[ستشن]عها من حيث أن ظواهر لفظها دال على تج[سي]م، فجميعها آيات منصوصة في كلام الأنبياء [.....] ال[.....]ا كما ادعى ولا قيلت عن [نبي و...] ولا عن كفر ولا عن زندقة كما زعم. وما من أهل الشرائع إلا من قد [...]
IV
Page inconnue