وكيف يتوهم عاقل، أو ينطوي قلب مؤمن ؟! أنه مصيب مع خلافه لقول الله وقول أنبيائه ؟! إن من ظن ذلك لقد جهل جهلا مبينا، وضل ضلالا بعيدا.
فزعموا من بعدما حضرنا ما ذكرنا، وما لم نذكر من حجج الله عليهم، وما قد رد الله من مقالتهم، وأكذبهم ما لا يحصى، فزعموا أن الله خلق الخلق صنفين، وجعلهم جزأين، فجعل صنفا يعبدونه، وصنفا يعبدون الشيطان، وجعل من يعبد الشيطان أكثر ممن يعبد الله، فأكذبهم بقوله:{ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } [الذاريات: 56].
ثم زعموا أن الله تبارك وتعالى، رضي بذلك وأراده وأحبه، وأنه لا يرضى أن يعبد من أرضاه أن يكفر به، تكذيبا بقول الله وردا عليه إذ يقول:{ لا يرضى لعباده الكفر، وإن تشكروا يرضه لكم } [الزمر:7]. ويقول:{ وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد } [البقرة:205]. فتعالى الآمر بالعدل والاحسان، أن يكون راضيا بالمنكر والعدوان، لأنه لا يريد الظلم لأنه عدل، ولا يريد الفساد لأنه مصلح، ولا يحب المنكر لأنه حكيم حاكم بالحق.
Page 373