وقال الله، عز وجل، يخبر عن موسى صلى الله عليه:{ فوكزه موسى فقضى عليه، قال هذا من عمل الشيطان } [القصص: 15]. ولم يقل: هذا من الله ومشيئته. وقال يعقوب عليه السلام:{ بل سولت لكم أنفسكم } [يوسف: 18]. والقدرية تقول: إن الله سول لهم ذلك. وقال يوسف صلى الله عليه:{ من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي } [يوسف:100]. وقال يخبر عن يونس، عليه السلام:{ فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } [الأنبياء: 87]. والقدرية تزعم أن الظلم قضاء رب العالمين. وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: { إن ضللت فإنما أضل على نفسي، وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي } [سبأ: 50]. فجعل ضلالته من قبل نفسه، وهداه من قبل ربه، موافقة لله، إذ يقول سبحانه:{ إن علينا للهدى } [الليل: 13]. وقال:{ الذي قدر فهدى } [الأعلى: 3]. وقال:{ يبين الله لكم أن تضلوا } [النساء:76]. أي لئلا تضلوا. وقال:{ فأما ثمود فهديناهم، فاستحبوا العمى على الهدى } [فصلت: 17]. فكل ما كان من هدى فقد أضافه إلى نفسه، وكل ما كان من ضلال فقد أضافه إلى خلقه، والله أولى بما أضاف إلى نفسه، والعباد أولى بما أضاف إليهم، وكانوا هم المعتدين الظالمين، الجائرين المخالفين لقضائه وقدره، تبارك وتعالى.
فأقرت الأنبياء، صلوات الله عليهم بالإساءة والتقصير، فيما أغفلت وقصرت، وأضافت ذلك إلى أنفسها ، وإلى الشيطان، معرفة منهم بالله، أنهم لم يؤتوا في ذلك من ربهم. وخالفت المجبرة والقدرية كتاب الله، ووافقت الشيطان، قلة معرفة منهم بعدل الله في خلقه، ورحمته لهم، وانتفائه من ظلمهم، في قوله:{ إن الله لا يظلم مثقال ذرة، وإن تك حسنة يضاعفها، ويؤت من لدنه أجرا عظيما } [النساء:40].
فقد ذكرنا جملة مما احتج الله على القدرية الكاذبة على الله في كتابه، وعلى النبيين.
Page 372