إلا أن العصر المرابطى، الذي تلا عصر الطوائف، لم تكن فيه مكانة للعلوم، ولا سيما الأدبية منها، وذلك للروح الدينية المتشددة السائدة في هذا العصر، ولبعد الأمراء عن الذوق الشعري والأدبي. وكانوا مع ذلك لا يتعففون عن أموال الناس كما كان يتعفف عنها أمير المسلمين، وإنما كانوا قد شمروا عن أسؤقهم للتزيد من الثروة والمكاسب وقد شاركهم في ذلك النساء والفقهاء فأفسدوا على الأمة كل شيء من دينهم ودنياهم وناهيك ما قاله عبد الواحد المراكشي في ذلك: " ولم يكن يقرب من أمير المسلمين، ويحظى عنده، إلا من علم الفروع، أعنى فروع مذهب مالك، فنفقت في ذلك الزمان كتب المذهب، وعمل بمقتضاها، ونبذ ما سواها، وكثر ذلك حتى نسى النظر في كتاب الله، وحديث رسول الله ﷺ، فلم يكن أحد من مشاهير أهل ذلك الزمان يعتني بهما كل الاعتناء، ودان أهل ذلك الزمان بتكفير كل من ظهر منه الخوض في شيء من علوم الكلام، وقرر الفقهاء عند أمير المسلمين تقبيح علم الكلام، وكراهة السلف له، وهجرهم من ظهر عليه شئ منه، وأنه بدعة في الدين وربما أدى أكثره إلى الاختلال في العقائد، في أشباه لهذه الأقوال، حتى استحكم في نفسه بغض علم الكلام وأهله، فكان يكتب عنه في كل وقت إلى البلاد بالتشديد في نبذ الخوض في شئ منه، وتوعد من وجد عنده شئ من كتبه، ولما دخلت كتب أبى حامد الغزالي رحمة الله المغرب. أمر أمير المسلمين بإحراقها، وتقدم بالوعيد الشديد من سفك الدم، واستئصال المال، إلى من وجد عنده شئ منها، واشتد الأمر في ذلك ".
وأضف إلى ذلك ما قاله أبو جعفر أحمد بن محمد المعروف بالنبي من أهل مدينة جيان كم جزيرة الأندلس، يهجو الفقهاء: " الكامل "
أهل الرياء لبستمو ناموسكم ... كالذئب أدلج في الظلام العاتم
فملكتمو الدنيا بمذهب مالك ... وقسمتو الأموال بابن القاسم
وركبتمو شهب الدواب بأشهب ... وبأصبغ صبغت لكم في العالم
أبو الوليد الوقشي
حياته ومؤلفاته، وشيوخه، وتلاميذه
أبو الوليد هشام بن أحمد الوقشي
لا خلاف بين المصادر الشرقية والغربية في اسم الوقشي واسم أبيه وقد أجمعت ونصت على أنه هشام بن أحمد كما أنها لا تختلف في كنيته ونصت عليه كذلك أما نسب الوقشي يعد أبيه فان المراجع تختلف فيه اختلافا كثيرا وقد وقع في ذلك اضطراب كبير وتخليط فاحش ولا يمكن للقارئ أن يجزم القول فيه.
فقد روى ابن بشكوال في الصلة أنه بن أحمد بن خالد بن هشام. وفي النسخة الأخرى من نفس الكتاب التي قرئت على المصنف أنه هشام بن أحمد بن هشام. وقال القاضي صاعد بن أحمد: إنه هشام بن أحمد بن خالد. وذكره القاضي عياض في مشيخة القاضي فيروز فقال: إنه هو هشام بن أحمد بن هشام بن خالد بن سعيد. وأما الضبي من المغاربة فاكتفى بذكر اسمه واسم أبيه فقد ولم يذكر المقري إلا اسمه وأهمل اسم أبيه أيضا.
ويسرد ياقوت نسبه في الإرشاد فقال إنه هو هشام بن أحمد بن خالد بن سعيد. ويقول في البلدان عند ذكر مدينة وقش أنه هشام بن أحمد بن هشام. وهو عند السيوطي هشام بن أحمد بن هشام بن خالد بن سعيد. وقد زاد إسماعيل باشا البغدادي اسما آخر في نهاية عمود النسب فقال إنه هو هشام بن أحمد بن هشام بن خالد بن سعيد بن الوليد ولا نعرف مصدره الذي أخذ منه هذه الزيادة التي أخلت به جميع المصادر القديمة. وهو عند ابن حجر هشام بن أحمد بن هشام بن سعيد بن خالد. وقال الخوانسارى إنه هشام بن أحمد بن خالد بن سيد بن الوليد الكناني.
1 / 5