قال الراوي: فلما برزت إلى الميدان وقابلت الفرسان، وهي كأنها عقاب كاسر أو أسد زائر نادت برفيع صوتها: أيها الفارس، من تكون من الرجال، وإلى من تنسب من الشجعان.
فلما سمع المقداد مقالها ألوى عنان جواده إليها، وكان المقداد قد كل من الطراد ومن مبارزة الشجعان، فعطش من كثرة العجاج والغبار، ثم إن المقداد دنا إليها فلم يمهلها دون أن حمل عليها حملة منكرة، وتجاولا طويلا واعتركا مليا وتطاعنا بالرمحين حتى تحطت، وتضاربا بالسيفين حتى تتلمت، وعضت الخيل على المراود، وارتضت تحت خيولها الجلامد، وعلا بينهما الغبار وأظلم النهار حتى غابا عن الأبصار، وهما في كر وفر وطعن وضرب، وبعد وقرب وهتك وفتك وجد وهزل وازدحام، والناس يقولون: ما هذا إلا شيطان مريد، أو عفريت شديد أو ملك من الملائكة، وهم يلومون أباها ويقولون: إن ابنتك من كثرة بغيها راودها شيطان من الجان. قال: ولم يزل المقداد والمياسة في كر وفر حتى جرى منهما العرق، وازورت منهما الحدق وهو لا ينظر إلى وجهها، ثم إنها قالت: أيها الفارس الكرار، من تكون حتى أعرفك وأعرف حسبك ونسبك؟ ما لي أراك منكس الرأس كأنك جبان؟ وكان المقداد لا ينظر إليها مخافة أن يفتتن بحسنها وبجمالها وتبطل حركته، ثم إن المقداد أنشأ يقول:
اصبر قليلا أيها الشجاع
لا بد ما ألقيك وسط القاع
بأبيض وأسمر قطاع
كأنه البرق من الشعاع
قال فأجابته المياسة تقول:
يا ذا الذي يطمع في وصالي
إني أنا قاتلة الرجال
وأتلف النفوس والآجال
Page inconnue