وكانت الحلي ومقابض السيوف دقيقة الصنع بارعة الفن، كما يدل على ذلك سيف الأمير أبي عبد الله آخر أمراء غرناطة، واشتهر المسلمون دائما بصناعة المعادن حتى إن بعض الأشياء التافهة كالمفاتيح، كانت جميلة الصنعة فائقة الحلية، والثريا البديعة التي صنعت لمسجد أمير غرناطة محمد الثالث والتي لا تزال ماثلة بمجريط (مدريد ) خير مثال لتفوق العرب في نقش البرنز وإتقان زخارفه.
ووصلت الأندلس إلى منزلة في صناعة المخرمات لم تصلها إلا دمشق والقاهرة، ولا نزال نقرأ في كثير من أمكنة غرناطة تلك العبارة «لا غالب إلا الله» وهي شعار أمرائها، وقد سبق أن تحدثنا عن الأبواب النحاسية بقصور قرطبة، وبعض هذه لا يزال باقيا إلى اليوم بكنائس إسبانيا.
وطالما سمع الناس عن سيوف طليطلة ومهارة أهلها في صناعة الصلب، وهذه الصناعة - وإن كانت في إسبانيا قبل الفتح الإسلامي - زادت تقدما في أيام الخلفاء والأمراء بقرطبة، واشتهرت المرية، وإشبيلية، ومرسية، وغرناطة بصنع الدروع وآلات الحرب.
وجاء بوصية الدون بدرو: «وأوصي أيضا لابني بسيفي القشتالي الذي صنع بإشبيلية ورصع مقبضه بالذهب ونفيس الجوهر.»
وقصارى القول إن قرطبة كانت بحق «مفخرة للدنيا» في الفنون والعلوم وأسباب المدنية جمعاء.
هوامش
الحاجب العظيم
كبير الوزراء
كان عبد الرحمن الناصر آخر عظماء الأمراء من بني أمية بالأندلس، وكان ابنه الحكم دودة كتب، ودود الكتب من الناس - وإن أفادوا جدا فيما اتجهوا إليه - قلما يكونون حكاما عظماء، فإن منصب الملك لا يهيئ لصاحبه أن يبلغ الذروة في العلم، فقد يعرف الملك كل شيء تحت الشمس، وقد يصرف فراغه كما كان يفعل ملوك قرطبة في الشعر والموسيقى، غير أنه يجب ألا يدفن نفسه في خزائن كتبه، أو أن يعنى بالمخطوطات أكثر من عنايته بالحروب، أو أن يؤثر تجليد الكتب ورتقها على رتق مواطن الألم من رعيته، وكان الحكم في شدة انصرافه إلى الكتب كذلك .
إنه لم يكن ضعيف القلب أو غافلا عن تبعاته الجسام، ولكن انهماكه في الدرس سلبه الاهتمام بالغزو والتشوق إلى الظفر في الحرب، فقد أغرق في إلقاء العنان لطبيعته الميالة إلى الاطلاع حتى تكونت له أذواق وميول فنية، هي أثر الدراسات العلمية ونتيجتها.
Page inconnue