والمشرك عند أصحابنا نوعان: كتابي، ومن سواه من مجوسي أو وثني؛ فالكتابي: فيه اختلاف بين أصحابنا، فمن ذهب إلى طهارة بلله احتج بقول الله تعالى: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} [المائدة: 05]، لأن الطعام وإن كان المراد به هاهنا الذبائح فلفظه عام، واحتج أيضا بأكل النبيء - عليه السلام - العظم المسموم الذي أهدته له اليهودية (1)، وأحسب أني وجدت في بعض الآثار أنها قصعة [من] (2) ثريد مع لحم، والله أعلم؛ وأجاز بعضهم الغسال من أهل الكتاب، وبعض كرهه، ...
--------------------
قوله والمشرك عند أصحابنا نوعان: يعني في الخارج، وأما الآية فالمراد بالمشركين فيها هم عبدة الأوثان فقط، لا ما يشمل أهل الكتاب أيضا، وإلا لم يصح لهم الاختلاف فيهم، وغالب آيات القرآن يكون المشرك فيها غير أهل الكتاب، كقوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات} الآية [البقرة: 221]، وقوله في الملل:
{و الذين أشركوا} [الحج: 17].
قوله فلفظه عام: أي فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
قوله وبعض كرهه: فيه أن الكراهة لا تنافي الجواز، فلا تحسن المقابلة؛ اللهم إلا أن يقال: أراد أولا الجواز من غير كراهة، وثانيا الجواز مع الكراهة، أو يقال: أراد بالكراهة الكراهة الشديدة الملحقة بالحرام، وهذا هو المناسب لاختلاف أصحابنا في بلل أهل الكتاب، وقد تقدم له -رحمه الله- أنه قال: والأحوط نجاستهم (3)، وفيه
__________
(1) - أخرج ذلك البخاري: كتاب الهبة، رقم: 2424؛ ومسلم: كتاب السلام، رقم: 4060؛ وأبو داود: كتاب الديات، رقم: 3909؛ وأحمد: باقي مسند المكثرين، رقم: 12808 وغيرهم، ولفظ البخاري: أن يهودية أتت النبيء - صلى الله عليه وسلم - بشاة مسمومة فأكل منها، فجيء بها فقيل: ألا نقتلها، قال: لا، قال الراوي: فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله ... - صلى الله عليه وسلم -.
(2) - زيادة من الحجرية.
(3) - تقدم له ذلك في هذا الكتاب: 1/ 285.
Page 50