وارتاع الغلام فوثب إلى مولاه يمسح بيده على كتفه، وهو يهتف به في حنان وتوسل: «مولاي، لا أراك تفعلها.»
79
فنظر إليه أبو العباس كالمغضب وقال: «ماذا تعني؟»
قال طريف ولسانه يلجلج في فمه: «لن تستعجل أجلك بيدك يا مولاي، وأنت من أنت، إن وراء كل ضيق فرجا!»
قال أبو العباس ساخرا: «ماذا فهمت يا غبي؟ حسبتني أعني ذلك؟ والله لا كان، ولن أموت حتى أبلغ الثأر بيدي من تلك الدولة الباغية، لا أنتظر حتى يحين أجلها كالذي يزعمه الموفق، وإنما بيدي سيحين ذاك الأجل.»
وهدأت نفس الغلام هونا ما، وعاد إلى مجلسه بين يدي مولاه، وقال كأنما يريد أن يصرفه عن الفكر في أمر يحاوله: «لقد أذكرني مولاي ذكرى، فإن رأى أن أقصها عليه ...»
وتشوف أبو العباس إلى جديد يتفرج به مما هو فيه من ضيق النفس، فقال: «هيه يا طريف.»
قال الغلام: «فسأقص على مولاي ما كان من أمر يحيى بن علي المنجم ومولاي الموفق في يوم الفطر، وكنت بالباب أسمع - من حيث لا أريد - ما يدور بينهما من الحديث.»
فابتسم الأمير وقال: «ماذا سمعت من حيث تريد، أو من حيث لا تريد؟ ...»
قال طريف: «زعم يحيى أنه استنبأ النجوم، فأنبأته بأمر الطولونية، وأنها ستكون أدنى إلى بغداد مما هي اليوم، حتى تصير في القصر الحسني، وتدخل دار صاعد، وتسير بها الشذوات في دجلة، وتضاء لها الأنوار في قصر الخلافة، ويقع ظلها على عرش أمير المؤمنين! ...»
Page inconnue