وفرجت سهير فاها، وأنعمت فيه النظر في دهش، واستطاعت بصعوبة أن تقول: ما لها؟ - والله يا ستي أنا حائر لا أدري ماذا أقول، ولكني أيضا لا أستطيع أن أسكت.
وقالت سهير وهي واجفة لا تزال: قل ما لها! - إنها تلتقي منذ زمن بعيد بفوزي صديق أحمد بك. - ماذا؟ - وفوزي هذا ولد ضائع، وقد رأيتهما الآن معا ... يا ستي أنا آسف، ولكني لم أستطع أن أسكت.
وقالت سهير ذاهلة: أشكرك يا سيد. - أستأذن يا ست هانم.
واستدار السيد يريد أن ينصرف، فإذا الباب يفتح، وتدخل منه هناء، فيتنحى السيد عن فرجة الباب ويطرق برأسه إلى الأرض، وتنظر إليه هناء بدهشة بالغة، وتظل رانية إليه لحظات، ثم يبين على وجهها كأنها فهمت، فتصرف عنه عينها وتدخل الحجرة، ويخرج هو متعثرا مطرقا لم يرفع رأسه.
ونظرت هناء إلى أمها، فوثقت أن ما فهمته هو الحقيقة، ووجدت هناء نفسها مضطربة، فقد كانت تعد نفسها لأن تقول هي لأمها ما انتوت ... أما أن يسبقها النبأ ... وتلاقيها أمها بهذا الوجه المكفهر، فهذا ما لم تكن تتوقع، ولكن ما يهم أنها قد عزمت. قالت الأم: أصحيح ما سمعت يا هناء؟
وقالت هناء في حزم: نعم. - صحيح؟ - نعم. - كيف ... كيف يحدث هذا؟ - أليس لي الحق أن أختار؟ - تختارين ولدا ضائعا فقيرا لا يملك شيئا؟!
وقالت هناء في ثورة: أنا أكره المال، أنا أكره المال وسيرة المال، أبي تزوجك من أجل المال فقط، فانظري إلى حياتك، أبي لا يهتم بغير المال، جمع المال وبدد احترامنا له، وفقد احترامك، وفقد احترام الخدم، أنا أكره المال ... أكرهه! لا أحب الغنى، ولا أحب الأغنياء، ولا أريد المال، لا أريد المال.
وطفرت الدموع من عيني سهير، ولكنها تمالكت أمر نفسها سريعا، وجففت دموعها، محاولة أن تخفي الدموع، وتخفيها عن ابنتها، وحاولت ببقايا روحها المبهورة الكسيرة أن تلتقي بابنتها في ثورة كثورتها! - حمق ... حمق هذا الذي تقولين، حمق وخرافة، إن كان أبوك قد تزوجني من أجل المال ففسدت حياتي، فلأي سبب تعتقدين أن هذا الولد يطلبك؟! - لا أدري لأي سبب، ولكن ليس من أجل المال. - أيتها الحمقاء، كيف تعرفين؟ - أنا لست طفلة ... كلامه لا يدل على أنه يريد مالا! - لن يكون هذا، لن يكون هذا أبدا.
وقالت هناء في حزم: أظن أنه يحسن أن يتم هذا برضاك.
وفطنت سهير لما تقصد إليه ابنتها، ولكنها لم تصدق ما سمعت، فهي تقول: ماذا تقولين؟
Page inconnue