سراياك تترى والدَّمُستُق هاربٌ ... وأصحابه قتلى وأمواله نهبى
أتى مرعشًا يستقربُ البعد مقبلًا ... وأدبر إذ أقبلت يستبعدُ القربا
كذا يترك الأعداء من يكره القنا ... ويَقفُلُ من كانت غنيمته رُعبا
وهل ردَّ عنه باللقان وقوفهُ ... صدور العوالي والمطَّهمة القُبَّا
مضى بعدما التفَّ الرماحان ساعةً ... كما يتلقى الهدبُ في الرقدة الهدبا
ولكنّه ولىّ وللطعن سورةٌ ... إذا ذكرتها نفسُهُ لمسَ الجنبا
وخلّى العذارى والبطاريق والقرى ... وشعث النصارى والقرابينَ والصُلبا
أرى كلّنا يبغي الحياة لنفسه ... حريصًا عليها مُستهامًا بها صّبا
فحبُ الجبان النفس أورثه البقا ... وحبُ الشجاع الحربَ اورثه الحربا
ويختلفُ الرزقان والفعلُ واحدٌ ... إلى أن يُرى إحسان هذا لذا ذنبا
فأضحت كأنَّ السور من فوق بدئه ... إلى الأرض قد شقَّ الكواكب والتربا
تصدُّ الرياح الهوج عنه مخافةً ... وتفزع فيها الطيرُ أن تلقط الحبا
وتَردي الجياد الجردُ فوق جبالها ... كما ندفَ الصِنَّيرُ في طرقها العُطبا
كفى عجبًا أن يعجب الناسُ أنه ... بنى مرعشًا تبًَّا لآرائهم تبا
وما الفرق بين الأنام وبينه ... إذا حذرَ المحذور واستصعب الصعبا
لأمر أعدّته الخلافة للعدى ... وسمَّته دونَ العالم الصارم العطبا
ولمخ تفترق عنه الأسنة رحمةً ... ولم تترك الشامَ الاعادي له حّبا
ولكن نفاها عنه غير كريمةٍ ... كريمُ الثنا ما سبَّ قطُّ ولا سبا
وجيشٌ يثنّي كل طود كأنه ... خريق رياحٍ واجهت غُصنًا رطبًا
كأن نجوم الليل خافت مغُاره ... فمدت عليها من عجاجتهِ حجبًا
فمن كان يُرضي اللؤمَ والكفرُ ملكُهُ ... فهذا الذي يُرضي المكارمَ والربَّا
وقال يمدح كافورًا سنة ست وأربعين وثلاث مئة
مَنِ الجآذرُ في زيّ الاعاريب ... حمر الحلي والمطايا والجلابيب
إن كنت تسأل شكًا في معارفها ... فمن بلاكَ بتسهيدٍ وتعذيب
لا تجزني بضنىً بي بعدها بقرٌ ... تجزي دموعي مسكوبًا بمسكوب
سوائرٌ ربّما سارت هوادجها ... منيعةً بين مطعونٍ ومضروب
وربما وخدت أيدي المطيّ بها ... على نجيع من الفرسان مصبوب
كم زورةٍ لك في الأعراب خافيةٍ ... أدهى وقد رقدوا من زروة الذيب
أزورهم وظلام الليل يشفعُ لي ... وانثني وبياض الصبح يُغري بي
قد وافقوا الوحش في سكني مراتعها ... وخالفوها بتقويضٍ وتطنيب
جيرانها وهُمُ شرُّ الجوارِ لها ... وصحبها وهم شر الاصاحيب
قؤادُ كلّ محبٍّ في بيوتهم ... ومالُ كلّ أخيذ المال محروب
ما اوجهُ الحضر المستحسناتُ به ... كأوجه البدويات الرعابيب
حسنُ الحضارةِ مجلوبٌ بتطريةٍ ... وفي البداوة حسنُ غير مجلوب
أين المعينُ من الآرام ناظرةً ... وغير ناظرةٍ في الحسنِ والطيب
أفدي ظباءَ فلاوةٍ ما عرفن بها ... مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب
ولا برزنا من الحمّام ماثلة ... أوراكهنّ صقيلات العراقيب
ومن هوى كل من ليست مموّهة ... تركت لون مشيبي غير مخضوب
ليت الحوادث باعتني الذي أخذت ... مني بحلمي الذي أعطت وتجريبي
فما الحداثة من حلم بمانعةٍ ... قد يوجد الحلم في الشبان والشبيب
ترعرع الملك الاستاذ مكتهلًا ... قبل اكتهال أديبًا قبل تاديب
مجرّبًا فهمًا من قبل تجربةٍ ... مهذبًا كرمًا من غير تهذيب
حتى أصاب من الدنيا نهايتها ... وهّمه في ابتداءاتٍ وتشبيب
يدبر الملك من مصرٍ إلى عدن ... إلى العراق فأرض الروم فالنوب
ولا تجاوزها شمسٌ إذا أشرقت ... إلا ومنه لها إذن بتغريب
إذا أتتها الرياح النكب من بلدٍ ... فما تهبُّ بها إلا بترتيب
يصرّف الامر فيها طين خاتمه ... ولو تطلّس منه كلُّ مكتوب
يحطُّ كلّ طويل الرمح حامله ... من سرج كلّطويل الباع يعبوب
كأن كل ّسؤال في مسامعه ... قميص يوسف في أجفان يغقوب
1 / 32