فلما كانت أفعاله دالة، على أنه عالم بها، وقادر عليها، كانت أيضا دالة على أنه حي، ووصفنا غيره أيضا، بأنه حي على الحقيقة، إلا أنه حي بحياة هي غيره.
الدليل على أن الله حي: هو ما ظهر من أفعاله. وقد ثبت أنه لا تصح هذه الأفعال، إلا من قادر عالم ، والقادر العالم، لا يكون إلا حيا. وبالله التوفيق.
الباب العاشر والمائتان
في العلي الجليل العظيم الرفيع الشريف
قد وصف الله تعالى نفسه: بأنه العلي العظيم. فقال: { وهو العلي العظيم } .
فالعلي الجليل العظيم: كل هذه الأسماء بمعنى واحد. وهو أنه سيد مالك الأشياء، قاهر لها، وأنه على جميع الأشياء كلها مقتدر؛ لأن سيد القوم: كبيرهم، وجليلهم وعظيمهم والعلي يكون بمعنى الغالب والقاهر، في اللغة، نحو قوله تعالى: { ولعلا بعضهم على بعض } يعني بذلك غلب بعضهم بعضا وقهره. ومثله قوله تعالى: { إن فرعون علا في الأرض } يعني قهر أهلها، وستولى عليهم.
وقال أبو محمد فيما أحسب قال في العلي الأعلى، يريد بذلك رفع المقدار، وارتفاع المنزلة. لا يجوز أن يريد رفيع المكان. وإنما يريد رفيع المنزلة والشأن.
مسألة:
فإن قال: أفتزعمون أن الله لم يزل عليا؟
قيل له: نعم؛ لأنه لما كان الله تعالى قاهرا مقتدرا على الأشياء كلها، كما قلنا، وجب أن يقال: علي ومتعال.
وقد يوصف، بأنه متعال، على جهة، أنه متنزه جليل. نحو قوله تعالى عز وجل: { تعالى عما يشركون } ونحو قول المسلمين: تعالى الله عن وصف الجاهلين؛ لأن معنى ذلك: أن الله تعالى يجل عن ذلك، وأنه منزه عنه.
مسألة:
فإن قال: أفتزعمون أنة رفيع، وأنه شريف، كما زعمتم أنه علي؟
قيل له: إن أصل الارتفاع في اللغة والشرف: هو ما يعقل، من ارتفاع مكان الشيء وإشرافه. فلما لم يجز على الله، أن يوصف بارتفاع المكان، ولا بالإشراف، لم يجز أن يقال: إنه شريف رفيع.
فإن قال: أفليس يقال: رفيع شريف. وإنما يعنون به سؤدده، وعظم قدوه وليس يعنون بذلك ارتفاع مكانه؟
Page 168