Lumière et Papillon
النور والفراشة: رؤية جوته للإسلام وللأدبين العربي والفارسي مع النص الكامل للديوان الشرقي
Genres
جف معين الخلق وغاض النبع،
فغامر «وانفض عنك غبار اليأس».
قل لي ماذا يبقى لك؟»
يبقى ما يكفيني، تبقى الفكرة والحب.
وظهر الديوان سنة 1819م. ولكن لحنه لم يكن قد توقف، وشكله لم يكن قد تم، فلم يلبث النبع أن فاض مرة أخرى بخمس قصائد جديدة من كتاب الفردوس، وهي: تذوق، وسماح، وحيوانات مرضي عنها، وهي في الحقيقة أصداء لألحان سابقة تعزف على وترى الحب والدين اللذين انبعثت منهما أغنيات الديوان كله. ولا بد أن الشاعر تفكر طويلا في السراب الذي فتن عينيه في صحراء الكهولة، فقرر أن يعيد بلبل القلب الطائش إلى قفصه. تشهد على ذلك الرسالة السابقة الذكر التي كتبها إلى صديقه تسلتر وتحدث فيها عن التسليم المطلق بإرادة الله الخافية.
قلت إن الديوان أشبه بمجموعة من المرايا، كل قصيدة فيها تعكس القصيدة الأخرى، وتتبادل معها الحوار بحيث تنمو نموا عضويا لتشكيل كل متكامل مدهش في تجانسه وجمعه بين الأضواء والأقطاب والعناصر المتقلبة. وهو كذلك الدائرة التي تستمد وحدتها من وحدة الشخصية المتزنة التي أبدعتها وسرت في كل نقطة فيها، ولهذا فهو يكاد يكون كونا صغيرا، دائرة روحية تمتد إلى كل مجالات العالم والنفس، منطلقة من مركز تشغله «الأنا» الشاعرة التي احتوت العالم في داخلها، وضمت تراث البشرية إلى صدرها، وعاشت حياة جادة غنية خصبة متنوعة. هو دائرة شعرية رسمته يد رجل مجرب حكيم، لا يد شاب مهتاج ثائر، بمداد تمتزج فيه نار القلب الذي نسي قانون الزمن (وكذلك قلب الفنان!) بنور العقل المتفوق الساخر. وقد سار الشاعر على هذا التكوين الدائري في ترتيب كتب الديوان، وإن يكن قد التزم فيه بالترتيب الموضوعي ، لا بالترتيب الذاتي الذي يعكس ظروف حياته وكتابته. يؤكد هذا ما قاله بنفسه لصديقه تسلتر:
18
إن كل جزء من أجزاء الديوان يتغلغل فيه معنى الكل، وهو في صميمه ذو طابع شرقي حميم، ولا بد أن يفهم معنى القصيدة عن طريق القصيدة المتقدمة عليها، إذا أريد له أن يحدث أثره على الخيال أو الشعور، إنني أنا نفسي لم أكن أعرف أي كل عجيب صنعته منه.
هذا التكوين الدائري للديوان هو نفس التكوين الذي يميز إنتاج الشاعر المتأخر. ولا نقصد بهذا طابع الاتزان والوعي الواضح الذي يسري فيه وحسب، بل نريد به كذلك طابع التضاد الذي ينتج عن تقابل قطبين أحدهما سالب والآخر موجب، إذ لا يمكن أن يخلو أي نظام أو نسق (كما كشفت أخيرا أبحاث البنيويين وأصحاب نظرية المنظومة) من صراع أو توتر جدلي - أو بالأحرى حواري - داخل هذا النسق. ولا أظن أحدا يختلف معنا في أن العمل الفني الخليق بهذا الاسم يمثل نسقا. ولا أظن أيضا أنه ينكر صراع القوى الدرامي الحي الذي لا بد أن يدور بداخله. وقد أكد الشاعر نفسه هذا التضاد القطبي في طبيعة الوجود نفسه، وفي كل شكل من أشكال الحياة والفكر. ولهذا كان القبض والبسط، والشهيق والزفير من التعبيرات التي يستخدمها باستمرار ويعبر عنها في العديد من أعماله.
19
Page inconnue