295

اللباب في علوم الكتاب

اللباب في علوم الكتاب

Enquêteur

الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض

Maison d'édition

دار الكتب العلمية

Édition

الأولى

Année de publication

١٤١٩ هـ -١٩٩٨م

Lieu d'édition

بيروت / لبنان

Genres

التأويل، وهذا جواب عن سؤال أيضًا، وهو أن يقال: قوله تعالى: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذي استوقد﴾ يقتضي تشبيه مثلهم مثل المستوقد، فما مثل المنافقين ومثل المُسْتَوْقِدِ حتّى شّبّه أحدهما بالآخر؟
فالجواب: أن يقال: استعير المثل للقصّة وللصفة إذا كان لها شأن وفيها غرابة، كأنه قيل: قصتّهم العجيبةُ كقصّة الذي استوقد نارًا، وكذا قوله: ﴿مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون﴾ [الرعد: ٣٥] أي فيما قصصنا عليه من العَجَائب قصّة الجنّة العجيبة.
﴿وَلِلَّهِ المثل الأعلى﴾ [النحل: ٦٠] أي: الوصف الذي له شأن من العظمة والجلالة.
﴿مَثَلُهُمْ فِي التوراة﴾ [الفتح: ٢٩] أي: وصفهم وشأنهم المتعجّب منه، ولكن المَثَل - بالفتح - ولذلك حوفظ في لفظه فلم يغير.
و«الذي»: في محلّ خفض بالإضافة، وهو موصول للمفرد المذكّر، ولكن المراد به - هنا - جمع ولذلك روعي مّعٍنَاه في قوله: ﴿ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ﴾ فأعاد الضمير عليه جمعًا، والأولى أن يقال: إنَّ «الذي» وقع وصفًا لشيء يفهم الجمع، ثم حذف ذلك الموصوف للدّلالة عليه.
والتقدير: ومثلهم كمثل الفريق الذي استوقد، او الجمع الذي اسْتَوْقَدَ؛ ويكون قد روعي الوصف مرة، فعاد الضمير عليه مفردًا في قوله: ﴿استوقد نَارًا﴾ و«حوله»، والموصوف أخرى فعاد الضمير عليه مجموعًا في قوله: «بنورهم»، و«تركهم» .
وقيل: إنَّ المنافقين ذاتهم لم يشبهوا بذات المُسْتوقد، وإنما شبهت قصّتهم بقصّة المستوقد، ومثله قوله: ﴿مَثَلُ الذين حُمِّلُواْ التوراة ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحمار﴾ [الجمعة: ٥]، وقوله: ﴿يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ المغشي عَلَيْهِ مِنَ الموت﴾ [محمد: ٢٠] .
وقيل: المعنى: ومثل كل واحد منهم كقوله: ﴿يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا﴾ [غافر: ٦٧] أي: يخرج كلّ واحد منكم. ووهم أبو البقاء، فجعل هذه الآية من باب ما حذفت منه النُّون تخفيفًا، وأنّ الأصْل: «الذين» ثم خففت بالحذف، وكأنه مثل قوله تعالى: ﴿وَخُضْتُمْ كالذي خاضوا﴾ [التوبة: ٦٩]، وقول الشاعر: [الطويل] .
٢٢٥ - وَإِنَّ الَّذي حَانَتْ بِفَلْجٍ دِمَاؤُهُمْ ... هُمُ القَمْمُ كُلُّ القَوْمِ يَا أُمُّ خَالِدِ
والأصل: «كالذين خَاضُوا» «وإنَّ الذين حانت» . وهذا وَهْم؛ لأنه لو كان من باب

1 / 372