ومما يشقي الزوجين أيضا مختصا بالسن أن يتزوج هرم شابت مفارقه بشابة في مقتبل العمر، أو بالعكس فتى بعجوز، فإن مشرب الشباب يختلف عن مشرب الهرم، فضلا عن أن النسل الناتج من أبوين بعيدي فرجة السن الواحد عن الآخر يأتي في الغالب ضعيفا أو لا يأتي بتاتا، وإنك إذا نظرت هرما وشابة، أو شابا وعجوزا ممسكا أحدهما بذراع الآخر، كما قد ترى الفرنجة في طريقك أحيانا، فإنك لأول وهلة تستنكر هذا المنظر، وتحكم - إن حقا وإن كذبا - بأنها ابنته في الأول أو أمه في الثاني، وما يمجه النظر فهو ليس طبيعيا، وإذا كان الله - سبحانه - أحكم أمر الملاءمة في الطبيعة؛ فلم يخلق الجبل الوعر في السماء الرقيقة الصافية، ولم يبرأ النجوم الجميلة المتألقة في الأرض الخشنة القاتمة، فلم نجمع نحن بين الأضداد ونخالف ذوق الطبيعة الصادق؟!
الشابة تفكر في زينتها وحسن هندامها والتأنس بجمال الاجتماع بصديقاتها، والهرم يفكر في علبة السعوط والثريد ودواء السعال فيا:
أيها المنكح الثريا سهيلا
عمرك الله كيف يلتقيان؟!
كذلك الشاب لا يلذ سمعه الشينات الكثيرة والياآات في موضوع السين والراء، ولا زيادة مصروفاته في تركيب الأسنان المستعارة، وصبغ الشعر، وطلاء الوجه، وغيره من لوازم سيدتنا أو (أمنا العجوز) كما كنا نقول في قصص الطفولة. أحب فتى مرة امرأة أعجبه شكلها فخطبها إلى نفسها، فقالت له: أنت فتى وأنا عجوز لا أصلح لك، فلم يقبل قولها وظنها مازحة وألح عليها في قبوله بعلا، فلم تر بدا من إجابته إلى طلبه، فلما دخل عليها ليلة العرس جلس يكلمها وإذا بها خلعت أسنانها ووضعتها على منضدة أمامها فهلع قلبه إلا أنه بقي صامتا ينظر إليها ريثما تتم عملها، ثم خلعت إحدى عينيها وكانت صناعية من الزجاج، ثم جردت رأسها من شعرها المستعار فظهر أصلع مخيفا، وبينما هي تنزع القطن من صدرها هرول الشاب نحو الباب مسرعا؛ فنادته: لماذا تهرب وقد كنت تدعي أني فتنتك بجمالي؟ فأجابها: يا سيدتي «نعم أهرب ويحق لي؛ لأني رأيت أغلب أعضائك من الدكان وأخاف أن تكون حواسك كذلك أيضا.» فهل يغبط الرجل على زوجة مثل هذه؟! وإذا لم يغبط فلماذا تكره الشابة على تزوج الهرم؟ اللهم أنت خالق الخلق ومحدد الأعمار، تزعم الجاهلات أن زواج الهرم دلال في حياته وغنى بعد موته؛ فهل ضمنت المرأة الطماعة أن المنية ستعدو عليه أول؟ وهل تطيب الحياة الزوجية إذا كان الواحد يترقب الموت لرفيقه؟ وهل تصح معاشرة هذه التي تعد موت القرين ربحا؟ إن هذا إلا ضلال كبير.
فعلى ملاءمة سن الزوجين يتوقف شيء كثير من الوفاق والمحبة، والواجب أن لا تتزوج الفتاة إلا متى صارت أهلا للزواج كفؤا لتحمل مصاعبه، ولا يكون ذلك قبل السادسة عشرة. وتزويج الصغار لعب فيه شقاء للأمة من عدة وجوه؛ عناء في الزوجية نتيجته دائما الشقاق أو الانفصال، كثرة وفيات الأطفال، ضعف النسل، إصابة النساء بالأمراض العصبية والأمراض النسائية الأخرى.
وزواج مختلفي السن إضعاف للنسل وشقاء للزوجين وقلب لنظام الطبيعة الدقيق.
فمتى يلتفت لهذا الآباء والأمهات؟ ومتى تنقشع سحابة هذا الشقاء عن سماء بيوتنا؟ ومتى ننظر للزواج بعين الجد والاهتمام؟ اللهم أرني ذلك اليوم فهو أمنية النفس وسبيل سعادة الأمة وترقيها. (9) طلاء الوجوه
أول ما يلفت نظر باحثة مثلي عند زيارتها القاهرة كثرة وجود الخود البيض في شوارعها وطرقاتها ومنازلها، فيا ليت لي علم الغيب كلنا من جنس واحد؛ إما من سلالة العرب الفاتحين أو من الفراعنة، والأولون والآخرون لم تؤثر عنهم الشقرة، ولم يأت في أوصافهم الصحيحة وتواريخهم ذكر لاشتداد حمرة الخدود وزيادة بياض الوجوه إلا ما كان مبالغة خيالا في حبيبة أو حقيقة نادرة، فلماذا نجد نساء القاهرة كلهن شقرا ونساء المدن الأخرى أقل بياضا؟ أو لماذا نجد الدم ضاربا في وجوه الحضريات قليلا عند الفلاحات والبدويات مع أنهن دائما معرضات للشمس، تنقي الدم وتجدد الصحة. إن في الأمر لسرا، نعم إن المسحوقات والمراهم وضروب الأصبغة تفعل بالوجوه فعالها «وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟»
تزعم عاشقة الطلاء أن البياض حلية، ولكن هل تعتقد أن هذا الأبيض، الذي خيل لها أنه أبيض، يبقى إذا فرض أن خيالها صحيح؟ كلا؛ إن هذا الأبيض الذي تتعمده وتجتهد في تنميقه لا يلبث أن يزرق فيصير وجهها بنفسجيا. فهل سمعت في أشعار المتغزلين والمشببين أن الوجه البنفسجي من أمهات الجمال؟ وهل إذا لفح الحر الوجه المدهون، فسال عليه العرق يخطط جداول وغدرانا، وينقل من كحل المحاجر إلى صفحات الخدود، فيختلط الأسود والأحمر، هل يرى ذلك الوجه مشرقا جذابا؟ ولماذا تعد الشقرة خيرا من السمرة ألا تتساوى في ذاتها الألوان ؟! إن مسألة اللون اعتيادية صرفة لا أثر لها من الصحة، فأنا أحب اللون الأخضر وجارتي تحب الأحمر، فهل تفضل إحدانا الأخرى من هذه الوجهة؟
Page inconnue