أسبابُ اختِيارِ البحثِ:
كثرتِ المنظوماتُ في المذاهبِ الفقهيَّةِ، لا سيَّمَا فقهُ الإمامِ الشَّافعيِّ رحمَهُ اللهُ تعالَى، لعلَّ مِنْ أهمِّهَا وأشْهرِهَا فيمَا توصَّلتُ إليهِ ما نحنُ بصددِهِ: نظمُ الإمامِ يحيى بنِ موسى العمريطيِّ (بعد ٩٨٩ هـ)، المسمَّى (نهايةُ التَّدريبِ)، نظمَ فيهِ متنَ (الغايةِ والتَّقريبِ) للقاضي أبي شجاعٍ (٥٩٣ هـ) رحمَهُ اللهُ تعالَى، والذي اتَّفقَ الأعلامُ على اختصارِ مُحتواهُ، وغزارةِ فحواهُ، مع كثرةِ الشُّروحِ عليهِ، ومجالسِ العلمِ المعقودةِ فيهِ، فجاءَ نظمُ العمريطيِّ مستقٍ لهذِهِ القيمةِ مِنْ أصلِهِ وزيادةً، مستدركًا عليهِ جُملةً من المسائلِ بالغةِ الأهميَّةِ، مُتمِّمًا إياهُ بطائفةٍ منَ الزِّياداتِ المُوضِّحةِ والشَّارحةِ، مُصحِّحًا ما ضُعِّفَ في المذهبِ ممَّا ذكرَهُ أبو شجاعٍ، كمَا حذفَ الزَّائدَ الذي لا فائدةَ منهُ، وبذلكَ لم يُفوِّتِ العمريطيُّ من مقاصدِ (متنِ الغايةِ) شيئًا، بلْ زادَهُ ألقًا ونفعًا، ناهيكَ عنِ القالبِ الذي جاءَ بِهِ، ممَّا جعلَهُ أيسرَ في الحفظِ، وأسهلَ في الفهمِ والاستيعابِ، فكانَ نظمُهُ مثلَ الشَّرحِ في الوضوحِ، رصينَ المبنى، رزينَ المعنى، لَا بُدَّ منهُ للمبتدي، ولَا غنى عنهُ للمنتهي.
وقد اتَّضحَ لي عندَ البدءِ بتحقيقِ هذَا النَّظمِ ما اكتنزَهُ مِنْ قيمةٍ وقوَّةٍ علميَّةٍ ما لمْ أُدركهُ مِنْ قبلُ لعدمِ وجودِ دراسةٍ جادَّةٍ ومستفيضةٍ عليهِ، ولأجلِ هذَا أطلتُ النَّفَسَ في تحقيقِهِ ووضعِ الدِّراسةِ عليهِ.
1 / 9