الإهداء
إلى والدي ﵀ وطيب ثراه
رجاء بر، ووفاء عمر، ونماء أجر، وضياء قبر، ودوام ذخر
وفي ربى جنة الرحمن - إن شاء الله - نلتقي
إلى والدتي: حفظها الله وأبقى شذاها
رجوى رضاء، ونجوى دعاء، وطول بقاء، ودوام هناء
وعلى ذرى عرفات الله - إن شاء الله - نرتقي
ولدكما
1 / 5
يَا طَالِبَ العِلْمِ خُذْ أُرْجُوزَةً نُظِمَتْ … نَظْمَ اللَّآَلِي بِأَسْلَاكٍ مِنَ الذَّهَبِ
فَهِيَ التِي تَمْنَحُ الطُّلَّابَ مَعْرِفَةً … وَحِفْظُ أَبْيَاتِهَا يُغْنِيكَ عَنْ كُتُبِ
1 / 6
مقدمة
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، القائلِ: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: ١٢٢]. والصَّلاةُ والسَّلامُ على سيِّدنَا محمَّدٍ القائلِ: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيرًَا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» (^١). وبعدُ:
***
أهميَّةُ علمِ الفقهِ:
فإنَّ التَّفقُّهَ في الدِّينِ منْ أشرفِ العلومِ وأجلِّهَا، إذْ عليهِ مدارُ عبادةِ الحقِّ ومعاملةِ الخلقِ، وبِهِ يتميَّزُ الحلالُ مِنَ الحرامِ، وهوَ السَّبيلُ لإدراكِ معاني القرآنِ، وفهمِ مرامي سنَّةِ العدنانِ ﷺ، والعملِ بمقتضاهَا، قالَ ابنُ
_________
(^١) أخرجه البخاري (ر ٧١)، ومسلم (ر ١٠٣٧) من حديث معاوية ﵁.
1 / 7
الجوزيِّ: (الفِقْهُ عَلَيهِ مَدَارُ العُلُومِ …، فَإِنِ اتَّسَعَ الزَّمَانُ للتَّزَيُّدِ مِنْ عِلْمٍ فَلْيَكُنْ مِنَ الفِقْهِ فَإِنَّهُ الأَنْفَعُ) (^١).
***
أهميَّةُ المنظوماتِ في المتونِ العلميَّةِ:
ولمَّا كانتِ العلومُ تُقسمُ إلى متونٍ- وهيَ الأصولُ - وإلى فروعٍ حرصَ العلماءُ على ضبطِ المتونِ وتحفُّظِهَا واستظهارِهَا، لأنَّهَا بمثابةِ القاعدةِ التي تُبنى عليهَا الفروعُ، والفروعُ تنضبطُ بالفهمِ وإعمالِ العقلِ في الأصلِ قياسًَا واستنباطًَا، ولأجلِ هذَا فقدْ عملَ العلماءُ على نظمِ المتونِ تسهيلًا لحفظِهَا واستحضارِهَا، قالَ السَّفارينيُّ (١١٨٨ هـ):
صَارَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ العِلْمِ … أَنْ يَعْتَنُوا فِي سَبْرِ ذَا بِالنَّظْم
لِأَنَّهُ يَسْهُلُ لِلْحِفْظِ كَمَا … يَرُوقُ لِلسَّمْعِ، وَيَشْفِي مِنْ ظَمَا (^٢)
***
_________
(^١) صيد الخاطر ص ٥٥.
(^٢) العقيدة السفارينية ص ٤٠.
1 / 8
أسبابُ اختِيارِ البحثِ:
كثرتِ المنظوماتُ في المذاهبِ الفقهيَّةِ، لا سيَّمَا فقهُ الإمامِ الشَّافعيِّ رحمَهُ اللهُ تعالَى، لعلَّ مِنْ أهمِّهَا وأشْهرِهَا فيمَا توصَّلتُ إليهِ ما نحنُ بصددِهِ: نظمُ الإمامِ يحيى بنِ موسى العمريطيِّ (بعد ٩٨٩ هـ)، المسمَّى (نهايةُ التَّدريبِ)، نظمَ فيهِ متنَ (الغايةِ والتَّقريبِ) للقاضي أبي شجاعٍ (٥٩٣ هـ) رحمَهُ اللهُ تعالَى، والذي اتَّفقَ الأعلامُ على اختصارِ مُحتواهُ، وغزارةِ فحواهُ، مع كثرةِ الشُّروحِ عليهِ، ومجالسِ العلمِ المعقودةِ فيهِ، فجاءَ نظمُ العمريطيِّ مستقٍ لهذِهِ القيمةِ مِنْ أصلِهِ وزيادةً، مستدركًا عليهِ جُملةً من المسائلِ بالغةِ الأهميَّةِ، مُتمِّمًا إياهُ بطائفةٍ منَ الزِّياداتِ المُوضِّحةِ والشَّارحةِ، مُصحِّحًا ما ضُعِّفَ في المذهبِ ممَّا ذكرَهُ أبو شجاعٍ، كمَا حذفَ الزَّائدَ الذي لا فائدةَ منهُ، وبذلكَ لم يُفوِّتِ العمريطيُّ من مقاصدِ (متنِ الغايةِ) شيئًا، بلْ زادَهُ ألقًا ونفعًا، ناهيكَ عنِ القالبِ الذي جاءَ بِهِ، ممَّا جعلَهُ أيسرَ في الحفظِ، وأسهلَ في الفهمِ والاستيعابِ، فكانَ نظمُهُ مثلَ الشَّرحِ في الوضوحِ، رصينَ المبنى، رزينَ المعنى، لَا بُدَّ منهُ للمبتدي، ولَا غنى عنهُ للمنتهي.
وقد اتَّضحَ لي عندَ البدءِ بتحقيقِ هذَا النَّظمِ ما اكتنزَهُ مِنْ قيمةٍ وقوَّةٍ علميَّةٍ ما لمْ أُدركهُ مِنْ قبلُ لعدمِ وجودِ دراسةٍ جادَّةٍ ومستفيضةٍ عليهِ، ولأجلِ هذَا أطلتُ النَّفَسَ في تحقيقِهِ ووضعِ الدِّراسةِ عليهِ.
1 / 9
كما إنَّ العمريطيَّ لم يحظَ بدراسةٍ جادَّةٍ وافيةٍ تُوثِّقُ سيرتَهُ الذَّاتيَّةَ ومسيرتَهُ العلميَّةَ، على الرّغمِ من ذُيوعِ منظوماتِهِ العلميَّةِ وشُيُوعِهَا وكثرةِ الشُّروحِ عليهَا سواءٌ في الفقهِ أو الأصولِ أو النَّحوِ.
وقدْ أردتُّ من خلالِ هذا البحثِ تسليطَ الضَّوءِ على أهميَّةِ المنظوماتِ العلميَّةِ عامَّةً، وأهميَّةِ ضبطِهَا وتحقيقِهَا تحقيقًا علميًّا رصينًا، بالإضافةِ إلى التَّنبيهِ على نُجعَةِ تحفُّظِهَا في ضبطِ متونِ وأصولِ العلومِ خاصَّةً، فكمْ أمضَى كثيرٌ من طلبةِ العلمِ في الجامعاتِ منْ سنواتٍ في دراسةِ العلومِ الشَّرعيَّةِ، ثمَّ لمْ يخرجُوا منهَا إلَّا ببعضِ الفتاتِ الذي لَا يُسمِنُ ولَا يُقيتُ، لأنَّ أصولَهَا ومتونَهَا لمْ تُقيَّدْ بالحفظِ والمذاكرةِ وكثرةِ التَّكرارِ.
وليسَ بخافٍ على طالبِ العلمِ ما يتميَّزُ بِهِ النَّظمُ مِنْ سهولةٍ في الحفظِ، واستدامةٍ في الذِّهنِ، وعذوبةٍ في السَّمعِ، وسلاسةٍ في العرضِ، واستقامةٍ معَ الفهمِ، وسرعةِ استحضارٍ عندَ الطَّلبِ، فقدْ قيلَ: مَنْ حفظَ المتونَ حازَ الفنونَ، ومَنْ حفظَ المنظوماتِ بلغَ المقاماتِ (^١)، وقالَ الرَّحبيُّ في الفرضيَّةِ: (… فاحفظْ فكلُّ حافظٍ إمام).
***
_________
(^١) هاتان المقولتان متداولتان كثيرًا عند ذكر أهمية وفائدة المنظومات العلمية، لم أقف على قائلها.
1 / 10
الخطوات المتَّبعةُ في التَّحقِيق:
وقدْ اتَّبعتُ في هذَا التَّحقيقِ الخطواتِ الآتيةَ:
أوَّلًا: قابلتُ النَّظمَ على خمسِ نسخٍ خطِّيَّةٍ:
١ - رمزتُ لكلِّ نسخةٍ بحرفٍ يدلُّ عليهَا: فنسخةُ وزارةِ الأوقافِ المصريَّةِ ب (ق)، ونسخةُ مديريَّةِ أوقافِ جنين ب (ج)، ونسخةُ وزارةِ الأوقافِ الكويتيَّةِ ب (ك)، ونسخةُ المكتبةِ الظَّاهريَّةِ ب (ظ)، ونسخةُ المكتبةِ الأزهريَّةِ ب (ز).
٢ - اعتمدتُ نسخةَ وزارةِ الأوقافِ الكويتيَّةِ (ك) كنسخةِ أصلٍ وإنْ لمْ تكنِ الأقدمَ، إلَّا أنَّهَا الأصحُّ والأصوبُ، ثمَّ قدَّمتُ الأقدمَ فالأقدمَ مِنَ المخطوطاتِ وفقَ التَّاريخِ المدوَّنِ على نُسخِ المخطوطِ.
٣ - أثبتُّ في المتنِ اللفظَ الصَّحيحَ، وبيَّنتُ الفروقَ بينَ النُّسخِ في الحاشيةِ ومبرِّراتِ اعتمادِ اللفظِ الصَّحيحِ في المتنِ، وعندَ الاختلافِ المتباينِ اعتمدتُ ضبطَ (الفشنيِّ) مِنْ شرحِهِ (تحفةُ الحبيبِ) على النَّظمِ، وأوردتُّ في الحاشيةِ وجهَ ذلكَ بنصِّهِ.
٤ - أهملتُ مِنَ الاختلافاتِ والفروقِ ما كانَ مِنْ قبيلِ الرَّسمِ الإملائيِّ - حيثُ كُتبَتْ نسخةُ (ك) بالرَّسمِ القرآنيِّ - وأثبتُّ في الرَّسمِ الرَّاجحَ المتَّفقَ عليهِ في مجامعِ اللغةِ العربيَّةِ وفقَ القواعدِ الإملائيَّةِ.
1 / 11
٥ - كمَا أهملتُ منْ الفروقِ الإملائيَّةِ ما لَا يُخلُّ بالنَّظمِ كالتَّسهيلِ والإمالةِ، وأثبتُّ ما يخلُّ بالوزنِ العروضيِّ للبيتِ، مثالُ ذلكَ: كلمةُ (البايع) بالتَّسهيلِ أهملتُ الإشارةَ إليهَا لانتظامِ الوزنِ، أمَّا كلمةُ (ما) بتسهيلِ كلمةِ (ماء) فقدْ أشرتُ إليهَا لأثرِهَا في اختلالِ النَّظمِ.
٦ - أهملتُ الإشارةَ إلى مكانِ البياضِ في نسختي (ج) و(ظ)، لأنَّهُ أتى على نصفِ المخطوطِ، بمَا يرهقُ الحاشيةَ ممَّا لَا فائدةَ منهُ كبيرةً.
ثانيًا: قابلتُ النَّظمَ بأصلِهِ (متنِ أبي شجاعٍ)، وبيَّنتُ في الحاشيةِ ما خالفَ بهِ النَّاظمُ أصلَهُ، وما زادَ عليهِ، وما حذفَ منهُ، وما غيَّرَ في ترتيبِهِ أو تعدادِهِ، مِنْ غيرِ إيرادِ كلامِ أبي شجاعٍ، مُفصِّلًَا تارةً ومُجمِلًَا أُخرى حسبَ ما تقتضيهِ الحاجةُ.
ثالثًا: ضبطتُ النَّظمَ بالشَّكلِ ضبطًَا تامًَّا.
رابعًا: أكثرتُ مِنْ تقسيمِ المسائلِ على الكتبِ والأبوابِ والفصولِ، ووضعتُ العناوينَ الفرعيَّةَ المناسبةَ لكلِّ مجموعةٍ مِنَ الأبياتِ تحملُ الموضوعَ ذاتَهُ، مُستعينًَا بتقسيمِ الأصلِ والنَّظمِ، وكذلكَ تقسيمِ (الفشنيِّ) لشرحِهِ على النَّظمِ، وذلكَ تبيانًا لهَا، وتسهيلًَا لحفظِهَا، وجريًَا على شرطِ الأصلِ والنَّاظمِ بكثرةِ التَّقسيمِ، وذلكَ في قولِهِ بيانَا لمنهجِ الأصلِ:
مَعْ كَثْرَةِ التَّقْسِيمِ فِي الكِتَابِ … وَحَصْرِهِ خِصَالَ كُلِّ بَاب
1 / 12
والتزامِهِ هوَ بذلكَ في قولِهِ:
وَقَدْ مَشَيتُ مَشْيَهُ فِي الغَالِبِ … فِي عَدِّهِ وَحَدِّهِ المُنَاسِب
مُرَتِّبًَا تَرْتِيبَهُ. . . . . . . . . … . . . . . . . . . . .
خامسًا: أشرتُ في الحاشيةِ لما ينبغي على مطالعِ هذَا النَّظمِ حفظُهُ وما لَا ينبغي شغلُ نفسِهِ بهِ - وهوَ قليلٌ - كالأبياتِ المبينةِ لمَا تشتملُ عليهِ الصَّلاةُ مِنْ عددِ السَّجداتِ والرَّكعاتِ، وكذلكَ استبدالُ الأبياتِ المتعلِّقةِ بالفرائضِ بالمنظومةِ الرَّحبيَّةِ لشمولِهَا وتفوُّقِهَا.
سادسًا: ضبطتُ عددَ الأبياتِ بالتَّرقيمِ، ووضعتُ الأرقامَ بينَ شطري كلِّ بيتٍ.
سابعًا: عرَّفْتُ الغَامضَ مِنَ الألفاظِ أو المصطلحاتِ الفقهيَّةِ الواردةِ في النَّظمِ، مُستعينًَا بكتابِ (المصباحِ المنيرِ) للفيوميِّ.
خطَّةُ البحثِ:
وقدْ قسَّمتُ البحثَ إلى أربعةِ أبوابٍ، كمَا يأتي:
البابُ الأوَّلُ: ترجمةُ الإمامِ العمريطيِّ: واشتملَ هذَا البابُ على ستَّةِ مباحثَ، وهيَ:
المبحثُ الأوَّلُ: اسمُهُ ونسبُهُ.
المبحثُ الثَّاني: مولدُهُ ووفاتُهُ.
1 / 13
المبحثُ الثَّالثُ: حياتُهُ العلميَّةُ.
المبحثُ الرَّابعُ: شيوخُهُ وتلاميذُهُ.
المبحثُ الخامسُ: كتبُهُ وآثارُهُ.
المبحثُ السادسُ: منزلتُهُ بينَ العلماءِ وثناؤُهُمْ عليهِ.
البابُ الثَّاني: نهايةُ التَّدريبِ نظمُ غايةِ التَّقريبِ: واشتملَ على أَحَدَ عشرَ مبحثًا، كمَا يأتِي:
المبحثُ الأوَّلُ: عنوانُ الكتابِ الصَّحيحِ.
المبحثُ الثَّاني: نسبةُ الكتابِ إلى المؤلِّفِ.
المبحثُ الثَّالثُ: أصلُ نظمِ نهايةِ التَّدريبِ.
المبحثُ الرابعُ: قيمةُ النَّظمِ العلميَّةُ.
المبحثُ الخامسُ: منهجُ المؤلِّفِ في النَّظمِ.
المبحثُ السَّادسُ: مصادرُ النَّاظمِ في (نهايةِ التَّدريبِ).
المبحثُ السَّابعُ: المنظوماتُ الأخرى لمتنِ أبي شجاعٍ.
المبحثُ الثَّامنُ: نقولُ العلماءِ عنْ النظمِ.
المبحثُ التاسعُ: الشُّروحُ على نظمِ نهايةِ التَّدريبِ.
المبحثُ العاشرُ: النُّسخُ الخطيَّةُ للنَّظمِ في العالمِ.
المبحثُ الحادي عشرَ: الجهودُ السَّابقةُ في النَّظمِ.
1 / 14
البابُ الثَّالثُ: وصفُ النُّسخِ الخطيَّةِ: واشتملَ على وصفٍ لخمسِ نُسَخٍ خطيَّةٍ لنظمِ (نهايةِ التَّدريبِ)، وهيَ:
أوَّلًا: نسخةُ وزارةِ الأوقافِ المصريَّةِ (ق) (١١٢٧ هـ).
ثانيًا: نسخةُ المكتبةِ الأزهريَّةِ بمصرَ (ز) (لَا تاريخَ لهَا).
ثالثًا: نسخةُ المكتبةِ الظَّاهريَّةِ بدمشقَ (ظ) (١١٧٨ هـ).
رابعًا: نسخةُ وزارةِ الأوقافِ الكويتيَّةِ (ك) (١١٨٢ هـ).
خامسًا: نسخةُ مديريَّةِ أوقافِ جنين (ج) (١٢٩٥ هـ).
البابُ الرَّابعُ: تحقيق نهاية التدريب نظم غاية التقريب.
***
وفي الختامِ فإنَّني أهيبُ بطلبةِ العلمِ والفقهِ أنْ يعكفُوا على هذَا النَّظمِ حفظًَا وفهمًَا ودرسًَا، وخيرُ العملِ أدومُهُ وإنْ قلَّ، فحفظُ عشرةِ أبياتٍ وفهمُهَا وتثبيتُهَا في الذَّاكرةِ، خيرٌ مِنَ الحفظِ السَّريعِ الذي ما يلبثُ أنْ ينفلتَ منْ قيدِهِ وعقالِهِ، وممَّا يعينُ على تثبيتهَا كثرةُ التَّكرارِ لهَا، وإدامةُ الاستشهادِ بهَا وعملُ الدُّروسِ والشُّروحِ والحواشي عليهَا.
وأسألُ اللهَ العليَّ القديرَ أنْ يتقبَّلَ هذَا الكتابَ خالصًَا مخلصًَا لوجهِهِ الكريمِ، وأنْ يضعَ لهُ القبولَ والنَّفعَ عندَ طلبةِ العلمِ.
1 / 15
اللهمَّ إنْ كانَ توفيقًا فمنكَ وحدكَ، فلكَ الحمدُ والمنَّةُ، وإنْ كانَ تقصيرًا فمنِّي، فاعفُ عنِّي برحمتكِ يا أرحمَ الرَّاحمينَ.
وآخرُ دعوانَا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ
وكتبه
د. عبد الكريم محمد جراد
1 / 16
البابُ الأوَّلُ
ترجمةُ الإمامِ العمريطيِّ
لمْ تعطِنَا كتبُ التَّراجمِ والتَّواريخِ ترجمةً وافيةً للإمامِ العمريطيِّ رحمهُ اللهَ تعالى، وهوَ منْ هوَ في ذيوعِ صيتِهِ، وشيوعِ نظمِهِ، ورسوخِ قدمِهِ في العلمِ والفقهِ، وقدْ بذلتُ الجهدَ في بيانِ أقصى ما يُمكنُ مِنْ ترجمتِهِ … مستقصيًَا ذلكَ منْ كتبِ التَّراجمِ، ومعاجمِ المطبوعاتِ، وفهارسِ المخطوطاتِ، ونُقُولِ العلماءِ، أبيِّنُهُ فيمَا يأتي:
***
المبحثُ الأوَّلُ: اسمُهُ ونسبُهُ:
يحيى (شرفُ الدِّينِ) بنُ موسى (نورُ الدِّينِ) بنُ رمضانَ بنُ عميرةَ … أبو الخيرِ، العمريطيُّ، الشَّافعيُّ، الأنصاريُّ، الأزهريُّ (^١).
***
_________
(^١) هدية العارفين ٦/ ٥٢٩، والأعلام للزركلي ٨/ ١٧٤. وقد ورد في خاتمة نظمه في منع القهوة:
كلتاهما للشرف العمريطي … ذي العجز والتقصير والتفريط
الأزهري الشافعي الأنصاري … والمرتجي عفوًا من الغفار
1 / 17
المبحثُ الثَّاني: مولدُهُ ووفاتُهُ:
ولدَ بقريةِ (عمريط)، مِنْ أعمالِ (بلبيس) منْ نواحي الشَّرقيَّةِ بمصرَ وتُوفي بعدَ عامِ (٩٨٩ هـ = ١٥٨١ م) (^١).
***
المبحثُ الثَّالثُ: حياتُهُ العلميَّةُ:
العمريطيُّ منْ أعيانِ القرنِ العاشرِ، نحْويٌّ، فقيهٌ منْ فقهاءِ الشَّافعيَّةِ أُصوليٌّ، ناظمٌ، اشتهرَ بنظمِهِ لعلومٍ مُختلفةٍ، في الفقهِ، والأصولِ، والنَّحْوِ وغيرهَا ممَّا سنأتي على ذكرهِ، وقدْ آتاهُ اللهُ سلاسَةً في النَّظمِ، وجودةً في السَّبكِ، وسهولةً في المعنى، ودِقَّةً في المبنى، فجمعتْ منظوماتُهُ بينَ قوَّةِ
_________
(^١) ورد في (هدية العارفين ٦/ ٥٢٩) أنَّ وفاة العمريطي كانت سنة (٨٩٠ هـ)، وهو خطأ، لأن العمريطي فرغ من نظمه للتحرير سنة (٩٨٨ هـ)، كما هو مدوَّنٌ في فهرس الأزهرية (٧/ ٨٩)، وذكر الزِّركليُّ في الأعلام (٨/ ١٧٤) أنه توفي بعد عام (٩٨٩ هـ)، وهو مستقى من خاتمة نظم الورقات:
وتم نظم هذه المقدمة … أبياتها في العد در محكمة
في عام طاء ثم ظاء ثم فاء … ثاني ربع شهر وضع المصطفى
فبين أنه أتم نظم الورقات عام (٩٨٩ هـ) على حساب الجمل عند العرب، حسب المعادلة الآتية: (ط =٩، ظ = ٩٠٠، ف = ٨٠). ولم يُعثر له على تاريخ ولادة. انظر البلدانيات ص ٢٣٠، ولب اللباب ٢/ ٣٧٥، وهدية العارفين ٦/ ٥٢٩.
1 / 18
النَّظمِ ودقَّةِ العلمِ، وطارَتْ شُهرتُهَا في الآفاقِ وبينَ العلماءِ، فكثُرَ شُرَّاحُهَا وانتشرَ حُفَّاظُهَا ودارسُوهَا.
***
المبحثُ الرَّابعُ: شيوخُهُ وتلاميذُهُ:
لعلَّ انقطاعَ العمريطيِّ للنَّظمِ وعكوفَهَ على التَّأليفِ، كانَ السَّببَ وراءَ عدمِ اشتهارِ أسماءِ شيوخِهِ وتلاميذِهِ، ولمْ يُذكرْ مِنْ أسماءِ شُيوخِهِ أحدٌ وأمَّا تلاميذُهُ فقدَ ذكرَ المحبيُّ (ت ١١١١ هـ) أنَّ الشَّيخَ أحمدَ بنَ محمَّدٍ البُقاعيَّ العرعانيَّ (ت ٩٢٨ هـ) رحلَ إلى مصرَ، وأخذَ عن الشَّيخِ العمريطيِّ، وغيرِهِ مِنَ العلماءِ (^١).
***
المبحثُ الخامسُ: كتبُهُ وآثارُهُ:
إنَّ جميعَ ما تركَهُ العمريطيُّ منْ مُصنَّفاتٍ، إنَّمَا هيَ منظوماتٌ لمتونٍ علميَّةٍ مشتهرِةٍ، ولعلَّ كتابَ (هدايةُ المشتاقِ الهائمِ إلى رؤيَا النَّبيِّ ﷺ)، مؤلَّفٌ غيرُ منظومٍ، وكذلكَ كتابَهُ في منعِ القهوةِ الذي نظمَهُ بعدَ ذلكَ، وهذِهِ الكتبُ والمنظوماتُ هيَ:
_________
(^١) انظر خلاصة الأثر ١/ ٣١٥.
1 / 19
١ - الدُّرَّةُ البهيَّةُ نظمُ الآجرُّوميَّةِ (^١). ومتنُ الآجروميَّةِ في النَّحوِ … لمحمَّدِ بنِ محمَّدٍ بنِ داودَ الصنهاجيِّ المعروفِ ب (ابنِ آجرُّومَ) (ت ٧٢٣ هـ).
٢ - تسهيلُ الطُّرقاتِ نظمُ الورقاتِ (^٢). ومتنُ الورقاتِ في أصولِ الفقهِ لأبي المعالي عبدِ الملكِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ حيوَيهِ الجوينيِّ (ت ٤٧٨ هـ).
٣ - نهايةُ التَّدريبِ نظمُ غايةِ التَّقريبِ (^٣). ومتنُ غايةِ التَّقريبِ في الفقهِ الشَّافعيِّ، للقاضي أبي شجاعٍ، أحمدِ بنِ الحسينِ الأصفهانيِّ (ت ٥٩٣ هـ).
٤ - التَّيسيرُ نظمُ التَّحريرِ (^٤). والمتنُ هوَ (تحريرُ تنقيحِ اللبابِ) في الفقهِ الشَّافعيِّ، للقاضي زكريَّا بنِ محمَّدٍ الأنصاريِّ (ت ٩٢٦ هـ).
٥ - المقدِّمةُ المنصورةُ في منعِ القهوةِ المشهورةِ (^٥). والمتنُ والأصلُ كلاهُمَا للعمريطيِّ ﵀، أشارَ لذلكَ في خاتمةِ النَّظمِ:
لخَّصتُهَا في نحوِ ثلثِ أصلِهَا … وأصلُهَا مشهورةٌ مِنْ قبلِهَا
_________
(^١) طبع في مكتبة آل ياسر - مصر - ١٤١٥ هـ - بتحقيق: محمد بن عبد الرحيم العامري.
(^٢) طبع في دار الصميعي مع متن الورقات الأصل - الرياض - ١٤١٦ هـ.
(^٣) طبع في دار البشائر الإسلامية - بيروت - ١٤٢٢ هـ - بتحقيق: محمد حسن حبنكة الميداني.
(^٤) طبع في المطبعة الميمنية - ١٣١٤ هـ - بهامش شرح نظم التحرير للشرقاوي، وطبع بمطبعة دار إحياء الكتب العربية - لعيسى بابي الحلبي - بهامش كتاب بهجة الحاوي للماوردي.
(^٥) توجد نسخة منها في مكتبة جوتا - ألمانيا - رقم الحفظ: ٢١٠٧، ونسخة في مكتبة الملك فيصل للبحوث - رقم: (١٢٣٥ - ٩ - ف)، بعنوان: منظومة في تحريم القهوة، ووردت في فهارس آل البيت بعنوان (نظم في ذم القهوة) ر ١٠٢٨.
1 / 20
كلتاهُمَا للشَّرفِ العمرطي … ذي العجزِ والتَّقصيرِ والتَّفريط
٦ - المجمعُ في نظمِ اللُّمعِ. ومتنُ اللمعِ في الرِّياضيَّاتِ والفرائضِ لأحمدَ بنِ محمَّدٍ بنِ عليٍّ الهائمِ، المقدسيِّ (ت ٨٨٧ هـ) (^١).
٧ - هدايةُ المشتاقِ الهائمِ إلى رُؤيَا النَّبيِّ ﷺ (^٢).
***
المبحثُ السادسُ: منزلتُهُ بينَ العلماءِ وثناؤُهُمْ عليهِ:
إنَّ اهتمامَ العلماءِ بمَا نظمَهُ الإمامُ العمريطيُّ يبرزُ بشكلٍ جليٍّ، مِنْ خلالِ النُّقولاتِ عنهُ، والاستشهادِ بهِ، وكذلكَ الشُّروحِ والحواشي على ما نظمَهُ، فممَّنْ نقلَ عنهُ واستشهدَ بنظمِهِ:
١ - سليمانُ بنُ محمَّدٍ بنِ عمرَ البجيرميُّ (ت ١٢٢١ هـ) في كتابِهِ (تحفةُ الحبيبِ على شرحِ الخطيبِ) (^٣).
_________
(^١) توجد منه نسخة في مركز الملك فيصل - السعودية - الرياض - رقم الحفظ: (١٦٤١ - ٢ - فك) و(ج ٣٥٠/ ٩)، ومكتبة الجامعة - لبنان - بيروت - رقم الحفظ: (٢٥٢/ ٢).
(^٢) توجد نسخة في المكتبة الأزهرية - القاهرة - رقم (١٥٨ مجاميع/٣٥٨٣).
(^٣) انظر ص ١/ ٨٣، وص ١/ ٤٨٥.
1 / 21
٢ - أبو بكرٍ (المشهورُ بالبكريِّ) بنُ محمَّدٍ شطَا الدِّمياطيُّ (ت بعد ١٣٠٢ هـ)، في حاشيتِهِ على إعانةِ الطَّالبينَ للمليباريِّ (ت ٩٧٨ هـ) (^١).
٣ - عبدُ العزيزِ بنُ محمَّدٍ بنِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عبدِ المحسنِ السَّلمانُ (ت ١٤٢٢ هـ)، في كتابِهِ (الأسئلةُ والأجوبةُ الفقهيَّةُ) (^٢).
وأمَّا الشُّرَّاحُ على ما نظمَهُ العمريطيُّ، فهم:
١ - أحمدُ بنُ حجازيِّ بنِ بديرٍ الفشنيُّ (ت بعد ٩٧٨ هـ)، شرحَ نظمَ (نهايةِ التَّدريبِ)، في كتابِهِ: (تحفةُ الحبيبِ شرحُ نظمِ غايةِ التَّقريبِ) (^٣).
٢ - عبدُ الوهابِ الشَّواحُ، الجوهريُّ، في كتابِهِ (نزهةُ اللبيبِ شرحُ نظمِ غايةِ التَّقريبِ) (^٤).
٣ - إبراهيمُ بنُ حسنَ الأحسائيُّ (ت ١٠٤٨ هـ)، لهُ (شرحُ الدُّرَّةِ البهيَّةِ في نظمِ الآجروميَّةِ) (^٥).
_________
(^١) انظر ١/ ٩٠.
(^٢) انظر على سبيل المثال لا الحصر المواضع الآتية: (١/ ١٦، ٢/ ١٣٩، و٤/ ٤٧٢، و٥/ ٤٠٧، و٦/ ٦٧، و٧/ ٢٧).
(^٣) هذبه قاسم النوري باسم: (تهذيب تحفة الحبيب شرح نظم غاية التقريب)، وطبع في دار المثابة.
(^٤) توجد نسخة منه في المكتبة الأزهرية - القاهرة - (٢٦١١ - جوهري ٤١١٢١).
(^٥) توجد نسخة منه في مكتبة الدولة - ألمانيا - برلين - ر ٦٦٩٣.
1 / 22
٤ - محمَّدُ بنُ عنقاءٍ الشَّريفُ (ت ١٠٥٤ هـ)، لهُ كتابُ: (غررُ الدُّررِ الوسيطيَّةِ شرحُ المنظومةِ العمريطيَّةِ) (^١).
٥ - محمدٌّ القبانيُّ (ت ١١٣٥ هـ)، لهُ شرحُ العمريطيَّةِ في الفقهِ الشَّافعيِّ (^٢).
٦ - محمَّدُ حجازيُّ بنُ محمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ، الواعظُ القلقشنديُّ (ت ١٠٣٥ هـ)، قالَ المحبيُّ: (ولهُ قطعةٌ على نظمِ الشَّيخِ العمريطيِّ للتَّحريرِ) (^٣).
٧ - إبراهيمُ بنُ محمَّدٍ البيجوريُّ (ت ١٢٧٧ هـ)، له (فتحُ ربِّ البريَّةِ على الدُّرَّةِ البهيَّةِ نظمُ الآجروميَّةِ) (^٤).
٨ - عبدُ اللهِ بنُ حجازيِّ بنِ إبراهيمَ الشَّرقاويُّ (ت ١٢٢٧ هـ)، قالَ
_________
(^١) توجد نسخة منها في مكتبة اليمن - صنعاء - رقم الحفظ: نحو ٤٨، ٤٩. وقد حققه كلٌّ من محمد حسن العمري، وفائز زكي محمد دياب- جامعة الإمام محمد بن سعود- كلية اللغة العربية.
(^٢) ولا أدري هل هو نظمه على الغاية، أم على التحرير، توجد نسختان منها في المكتبة العباسية - البصرة - النسخة الأولى كتبت بيد الشارح (ج-١١٣ - ١١٦ ص) ف. م ٥٤، ونسخة كتبت عام ١١٨٠ هـ (هـ-٨٧ - ١١٢ ص) ف. م ٥٤.
(^٣) خلاصة الأثر ٤/ ١٧٦.
(^٤) طبع في مطبعة مصطفى البابي الحلبي - القاهرة - ١٣٤٣ هـ.
1 / 23
الجبرتيُّ: (لهُ حاشيةٌ على التَّحريرِ، ونظمِ يحيى العمريطيِّ) (^١).
٩ - عبدُ الحميدِ بنُ محمَّدِ عليٍّ قدسُ، الشَّافعيُّ (ت ١٣٣٥ هـ)، وسمَّى شرحَهُ: (لطائفُ الإشاراتِ على تسهيلِ الطُّرقاتِ لنظمِ الورقاتِ في الأصولِ الفقهيَّةِ) (^٢).
١٠ - أبو محمَّدٍ السالميُّ، له: (المواهبُ السنيَّةُ على الدُّرَّةِ البهيَّةِ) (^٣).
***
_________
(^١) عجائب الآثار ٣/ ٣٧٥. وحلية البشر ١/ ٤٤٧. وحاشيته على التحرير طبعت في دار الكتب العلمية - بيروت - تحقيق: محمد عبد القادر عطا - ١٩٩٧ م.
(^٢) طبع بمطبعة مصطفى البابي الحلبي - ١٣٦٩ هـ /١٩٥٠ م.
(^٣) نشرته وزارة التراث القومي العمانية - ١٤٠٦ هـ.
1 / 24