L'Appel de la Vérité

Abd Ghaffar Makkawi d. 1434 AH
77

L'Appel de la Vérité

نداء الحقيقة: مع ثلاثة نصوص عن الحقيقة لهيدجر

Genres

يبدأ هيدجر أول خطوة على هذا الطريق بالسؤال عن طبيعة الشيء-الأداة، وهو يوضح سؤاله بالتأمل في لوحة الحذاء للرسام الشهير فان جوخ، فاللوحة توحي بالكثير: بعناء الفلاح وتعبه، بهمومه وجهده وإصراره، هنا نجد هيدجر يستعيد تحليلاته السابقة للأداة في «الوجود والزمان» ويضيف إليها. إن ماهية الأداة تكمن في استخدامها، كما تكمن في إشارتها إلى «عالمية» العالم الذي نعيشه فيه، ووجودنا مع الآخرين الذين صنعوا هذه الأداة أو الذين يستعملونها، ولكن الأمر لا يقف عند هذا الحد، فأهم ما تدل عليه هو الاطمئنان إليها والاعتماد عليها، وهذا يؤدي بنا إلى العالم الذي نحيا فيه، وإلى الأرض التي هي جزء من هذا العالم، هل تتحقق هذه الوظيفة في كل أداة؟ هل هناك أدوات متميزة دون غيرها؟ لنصرف النظر عن هذه الأسئلة ولنعد إلى لوحة الحذاء! إنها تجعلنا ننفتح على عالم الفلاح بكل ما فيه من صبر وعناء، وهي لا تكتفي بهذا بل تجعلنا أيضا ننفتح على الأرض التي «تحضر» أيضا من خلاله،

154

لعل هذا الطريق الجانبي الذي بحثنا فيه عن الأداة لم يكن بعيدا كل البعد عن طريق العمل الفني، فقد تأملنا لوحة فان جوخ لنعرف منها طبيعة هذه الأداة التي صورها لنا الفنان، فإذا بها تكشف لنا عنها من حيث هي موجود محدد، والكشف هنا مرادف للإظهار، فالعمل الفني يكشف عن موجود معين في حالته التي هو عليها، وهذا الكشف يعود بنا إلى المعنى الأصلي ل «الأليثيا» أو الحقيقة من حيث هي لا تحجب، ولهذا لن يدهشنا الآن أن يقول هيدجر: «إن الحقيقة تحدث في العمل (الفني)، وذلك حين يتم فيه تفتح الموجود من حيث ماهيته وحالته التي هو عليها.»

155

حقيقة الموجود تحدث في العمل الفني، أو تضع نفسها فيه بالفعل، هذا الوضع الذي ينطوي على معنى الصيرورة والفاعلية مرادف كما قلنا «للإحضار» و«الإظهار»، ولا بد لنا الآن من تتبع هذه الظاهرة التي تظهر نفسها بنفسها، إذا أردنا أن نصل إلى ما يميز العمل الفني عن الأداة وعن الشيء الخالص، وإذا كان العمل الفني «وضعا» للحقيقة أو إحداثا وإظهارا لها، فكيف نفهم معنى الحقيقة وعلاقتها بماهية العمل الفني؟

هنا يلجأ هيدجر إلى تقديم أنموذج جديد لعمل فني آخر، وهو يختار المعبد الإغريقي القديم تعبيرا عن الحب المتأصل في نفسه لكل ما شاده اليونان أو فكروا فيه! وإذا كنا في المثال السابق (حذاء الفلاح) قد رأينا كيف يعكس العمل الفني صورة للأداة ويظهر وظيفتها وماهيتها من حيث هو موجود، فإن المعبد لا يصور شيئا ولا يعكس أي شيء، ومع ذلك فإن أمرا هاما يحدث فيه: «إن المعبد هو الذي ينظم ويجمع حوله وحدة تلك المسالك والعلاقات التي يكتسب فيها الميلاد والموت، والنقمة والنعمة، والانتصار والعار، والصمود والانهيار - صورة الكائن الإنساني ومصيره».

156

هذه العلاقات التي يذكرها هيدجر في العبارة السابقة هي ما نسميه باسم «العالم»، في هذه العلاقات يحيا البشر وتتم مسيرتهم في عصر معين نحو قدر مرسوم، وهي التي تحدد سبيلنا إلى فهمهم ومعرفة رؤيتهم لعالمهم ونظرتهم إلى أنفسهم.

ولكن المعبد لا «يظهر» طبيعة العالم وحده، فقد شيد بناؤه في مكان محدد، ووقوفه هناك - أو ما بقي منه من أطلال - هو الذي يظهر المكان نفسه، وإن شئنا الدقة فهو لا يظهر المكان أو المحل الذي وضع فيه، وإنما يظهر «الفيزيس» أو «الأرض » التي يتأسس عليها كل مكان، وليست الأرض ولا العالم بمجموعة من الأشياء والكائنات وضعت بجانب بعضها البعض، ليسا موضوعا يمكن أن نراه، وإنما هما - إن صح هذا التعبير - إطار غير موضوعي نلتزم به وننفتح فيه على الوجود ونقدم الشهادة على طبيعة فهمنا له: «وما بقيت مسالك الميلاد والموت والبركة واللعنة تضعنا في الوجود، وحيثما تمت القرارات الحاسمة في تاريخنا فأخذناها على عاتقنا أو تخلينا عنها، أو تجاهلناها ثم سألنا عنها؛ هناك يكون العالم .»

157

Page inconnue