ما أسمج وجه الحياة من بعدك يا بني، وما أقبح صورة هذه الكائنات في نظري، وما أشد ظلمة البيت الذي أسكنه بعد فراقك إياه، فلقد كنت تطلع في أرجائه شمسا مشرقة تضيء لي كل شيء فيه، أما اليوم فلا ترى عيني مما حولي أكثر مما ترى عينك الآن في ظلمات قبرك.
بكى الباكون والباكيات عليك ما شاءوا، وتفجّعوا ما تفجعوا، حتى إذا استنفدوا ماء شئونهم، وضعفت قواهم عن احتمال أكثر مما احتملوا، لجئوا إلى مضاجعهم فسكنوا إليها، ولم يبق ساهرًا في ظلمة هذه الليل وسكونه غير عينين قريحتين، عين أبيك الثاكل المسكين، وعين أخرى أنت تعلمها.
لقد طال علي الليل حتى مللته، ولكنني لا أسأل الله أن ينفرج لي سواده عن بياض النهار؛ لأن الفجيعة التي فجعتها بك يا بني لم تبق بين جنبي بقية أقوى بها على رؤية أثر من آثار حياتك، فليت الليل باقٍ حتى لا أرى وجه النهار، بل ليت النهار يضيء فقد مللت هذا الظلام.
دفنتك اليوم يا بني، ودفنت أخاك من قبلك، ودفنت من قبلكما أخويكما، فأنا في كل يوم أستقبل زائرًا جديدًا، وأودع ضيفًا راحلًا، فيا لله لقلب قد لاقى فوق ما تلاقي القلوب، واحتمل
1 / 63