شربت الكأس الأولى فخرج الأمر من يدي. كل كأس شربتها جنتها على الكأس الأولى. أما هي فلم يجنها على غير ضعفي وقصور عقلي على إدراك خداع الأصدقاء والخلطاء.
لم تكن شهوة الشراب مركبة في الإنسان كبقية الشهوات فيعذر في الانقياد إليها كما يعذر في الانقياد إلى غيرها من الشهوات الغريزية، فلا سلطان لها عليه إلا بعد أن يتناول الكأس الأولى، فلم يتناولها؟ يتناولها لأن الخونة الكاذبين من خلانه وعشرائه خدعوه عن نفسه في أمرها؛ ليستكملوا بانضمامه إليهم لذتهم التي لا تتم إلا بقراع الكؤوس وضوضاء الاجتماع، ولو علمت كيف خدعوه وزينوا له الخروج عن طبعه ومألوفه، وأي ذريعة تذرعوا بها إلى ذلك لتحققت أنه أبله إلى النهاية من البلاهة، وضعيف إلى الغاية التي ليس وراءها غاية.
أنا ذلك الأبله، وذلك الضعيف، فاسمع كيف خدعني الأصدقاء وزينوا لي ما يزينه الشيطان للإنسان.
قالوا إن حياتك حياة هموم وأكدار، ولا دواء لهذا الأدواء إلا الشراب، وقالوا إن الشراب يزيد رونق الجسم ويبعث نشاطه، وأنه يفتق اللسان، ويعلم الإنسان البيان، وأنه يشجع الجبان، ويبعث في القلب الجرأة والإقدام. هذا ما سمعته
1 / 58