الفقراء، ورأيت الترائي بالرذيلة حتى ادعاها لنفسه، وأنحلها إياها من لا يتخلق بها طلبًا لرضى الناس عنه برضاه عنها، ورأيت البراءة من الفضيلة حتى فر بها صاحبها من وجوه الساخرين به، والناقمين عليه فرار العاري بسوأته، والموسوم بخزيته، ورأيت الرجل والمرأة وقد سرًّا١ كل منهما ثوبه عن جسمه وألقاه بين يديه، ثم تقايضا فلبست قباءه، وليس غلالتها فأصبح امرأة لها من النساء التكسر والتبرد، وأصبحت رجلًا من الرجال والتوقح والتشطر٢ ورأيت الدين وهو دوحة السلام الخضراء التي يستظل بها الضاحون٣ من لفحات الحياة، وزفراتها قد استحال في أيدي الناس إلى سهام مسمومة يحاول كل منهم أن يصيب بها كبد أخيه فلا يخطئها، ورأيت ضلال الأسماء عن مسمياتها، وحيرة مسمياتها بينها، واضطراب الحدود والتعاريف عن أماكنها ومواقفها حتى دخل فيها مالم يكن داخلا، وخرج منها مالم يكن خارجا، فسمى الشح اقتصادا والكرم إسرافا والحلم جبنًا، والسماجة جرأة والسفاهة براعة، والفجور فتوة والتبذل حرية، واشتبهت طرق الفضيلة ومسالكها على من يريد ركوبها
_________
١ سرا الثوب عن جسمه ألقاه عنه.
٢ تشطر صار شاطرا والشاطر هو من أعيا أهله خبثا.
٣ الضاحي المنكشف للشمس.
1 / 23