الغمائم، أو كأنما كنت في حاجة إلى بعض قطرات من الدمع أتفرج بها مما أنا فيه، فلما بكى الباكون وبكيت لبكائهم وجدت في مدامعهم شفاء نفسي، وسكون لوعتي، أو كأنما كنت أرى أن جمال العالم كله في الشعر، وأن الشعر هو ما تفجر من صدوع الأفئدة الكليمة، فجرى من عيون الباكين مع مدامعهم، وصعد من صدورهم مع زفراتهم.
تلك أيامي التي سعدت بها برهة من الدهر، ومر لي فيها أحسن ما مر لأحد، والتي لا أزال أذكرها بعد مرور تلك الأعوام الطوال، فأكاد أشرق بدمعي لذكراها، ثم انثنيت فوجدت يدي صفرا منها، وإذا أنا بين يدي هذا العالم المظلم المقشعر عالم الحقيقة، والألم فنظرت إليه نظر الغريب الحائر إلى بلد لا عهد له به، ولا سكن له فيه فرأيت مخازيه وشروره وظلمة أجوائه، واغبرار سمائه، وقتال الناس بعضهم بعضا على الذرة والحبة، والنسمة والهبوة١، واتساع مسافة الخلف بين دخائل القلوب وملامح الوجوه، وسلطان القوة على الحق، وغلبة الجهل على العلم، واقفار القلوب من الرحمة، وجمود العيون عن البكاء، وعجز الفقراء عن فتات موائد الأغنياء، وتمضغ الأغنياء بلحوم
_________
١ الهبوة: الغيرة
1 / 22