قال أبو القاسم الجنيد: أرقت ليلة فقمت إلى وردي فلم أجد ما كنت أجد من الحلاوة، فأردت أن أنام فلم أرقد، فقعدت فلم أطق القعود، ففتحت الباب وخرجت، فإذا برجل مغطى بعباءة مطروح على الطريق، فلما أحس بي رفع رأسه وقال: يا أبا القاسم، إلى الساعة؟ فقلت: قمت يا سيدي من غير موعد، فقال: بلى، سألت محرك القلوب أن يحرك إلي قلقك، قلت: قد فعل، فما حاجتك؟ قال: متى يصير داء النفس دواءها؟ قلت: إذا خالفت النفس هواها صار دواؤها، فأقبل على نفسه فقال لها: اسمعي، لقد أجبتك بهذا الجواب سبع مرات، فأبيت إلا أن تسمعيه من الجنيد، فقد سمعت، وانصرف عني ولم أعرفه ولم أقف عليه.
سعدون المجنون
قال مالك بن دينار: دخلت جبانة بالبصرة، فإذا أنا بسعدون المجنون فقلت له: كيف حالك؟ قال: يا مالك، كيف يكون حال من أصبح وأمسى يريد سفرا بعيدا بلا أهبة ولا زاد، ويقدم على رب عدل حاكم بين العباد؟ ثم بكى بكاء شديدا، فقلت: ما يبكيك؟ فقال: والله ما بكيت حرصا على الدنيا ولا جزعا من الموت والبلاء ، ولكن بكيت ليوم مضى من عمري لم يحسن فيه عملي، أبكاني والله قلة الزاد وبعد المفازة والعقبة الكئود، ولا أدري بعد ذلك أأصير إلى الجنة أم إلى النار؟
فسمعت منه كلام حكمة فقلت له: إن الناس يزعمون أنك مجنون، فقال: وأنت اغتررت بما اغتر به بنو الدنيا؟ زعم الناس أني مجنون وما بي جنة، ولكن حب مولاي قد خالط قلبي وأحشائي وجرى بين لحمي وعظمي، فأنا والله من حبه هائم مشغوف، فقلت: يا سعدون لم لا تجلس الناس وتخالطهم؟ فأنشد يقول:
كن عن الناس جانبا
وارض بالله صاحبا
قلب الناس كيف شئت
تجدهم عقاربا
خذوا الحكمة
قال ذو النون المصري: وصف لي رجل من أهل المعرفة في جبل «أكام» فقصدته، فسمعته يقول بصوت حزين وبكاء وأنين:
Page inconnue