"وكان بنو عبد المدان بنو مربعًا مستوى الأضلاع والأقطار مرتفعًا عن الأرض يصعد إليه بدرجة على مثال بناء الكعبة فكانوا يحجونه هم وطوائف من العرب ممن يحل الأشهر الحرم ولا يحج الكعبة ويحجه خثعم قاطبة".
فبقوله أن بني كانوا يحجونه دير نجران أوشضع نو صريح نصرانيتهم، وبنو خثعم كانوا ينتسبون إلى خثعم بن أنمار بن معد بن عدنان، وكانوا يسكنون في البحرين وفي اليمن مع عبد القيس وبجيلة وحاربوا سابور ملك الفرس مع إياد (C.de perceval: Hist، des Arabes.II، ٤٨-٤٩) .
(ص١٣٢ س١٣) وإلى طي ينسب دير سلسلة الذي كان في جهات الكوفة قبل الإسلام وهو سلسلة بن غنم بطن من طيء (اطلب تاريخ الطبري ج١ ص٢٤٠٣) وهناك دير حرقة ودير أم عمرو.
القسم الثاني
في الآداب النصرانية في عهد الجاهلية
الجزء الأول
أتينا في قسمنا الأوّل بما وقفنا عليه من النصوص التاريخيّة والشواهد الثابتة العيانيّة عن نفوذ النصرانيّة في كل أنحاء العرب حتى أقصاها بعدًا وأنحاها حدًّا ثمّ عدّدنا القبائل التي نسب إليها عمومًا أو إلى بعض بطونها التديّن بالدين المسيحي.
وها نحن اليوم نباشر بالقسم الثاني من كتابنا نجمع فيه ما ينوط بآداب نصارى العرب في الجاهليّة. ونريد بالآداب كلّ ما خلفوه لنا من مآثرهم في الكتابة واللغة والأمثال والحكم والإنشاء والشعر والخطب ممّا رواه عنهم ائمّة الأدباء الذين جمعوا شوارد اللغة العربيّة وآثارها في القرن الثاني بعد الإسلام. فإنّ هذه البقايا مع ما تضعضع منها بتوالي الزمان تنبئ بترقي النصرانيّة بين أهل الجاهليّة وتثبت من وجه آخرسعة نفوذها في جزيرة العرب. ويضاف إلى هذه المآثر الأدبيّة عادات ألفها عرب الجاهليّة قبل الإسلام واستعاروها من النصارى فتجدهم في أطوارحياتهم الدينيّة والمدنيّة يتقلّدونهم ويأخذون مآخذهم حتى لا نكاد نرى في بعض الأنحاء أثرًا من وثنيّتهم السابقة. فكلّ هذه الظواهر يشهد عليها الشعراء القدماء والرواة الذين نقل الكتبة المسلمون عنهم أخبار الجاهليّة فنثبتها على علاَّتها مع الإشارة إلىمواضعها كما فعلنا سابقًا.
الفصل الأول
النصارى والكتابة العربية
أوَّل خدمة أدَّاها نصارى العرب لقومهم تعليمهم الكتابة. وهي قضيَّة يشهد عليها تاريخ الكتابة العربيَّة وأصولها.
لَّما ظهر الإسلام في العشر الثاني من القرن السابع للمسيح لم تكن جزيرة العرب كما زعم البعض حديثة العهد بالكتابة. وإنما كانت الكتابة شائعة في بعض الأنحاء دون غيرها. فكان لأهل اليمن كتابة شائعة في بعض الأنحاء دون غيرها. فكان لأهل اليمن كتابة يسمُّونها المسند شاعت في بني حمير بينها وبين الكتابة الحبشَّية في كثير من الحروف شبه ظاهر. وكانت حروفها منفصلة. وقد جاء سيَّاح الفرنج كأرْنو وهالوي وغلازر من آثارها في هذه السنين الأخيرة ألوفًا من الكتابات يرقى عهد أوَّلها إلى ما قبل المسيح بنحو ٤٠٠ أو ٥٠٠ سنة ومنها ما كتب في القرون التابعة للميلاد حتى القرن السادس. وهذه الكتابة التي حلُّوا أسرارها ونشروها في عدّة تآليف صابئيَّة ليست عربيَّةً كما ظنَّ البعض منهم كابن خلدون في مقدَّمتِه "٢: ٣٤١ من طبعة باريس" حيث قال: "وكان لحميركتابة تسمَّى المسند ... ومن حمير تعلَّمت مضر الكتابة العربيَّة إلاَّ أنهم لم يكونوا مجيدين لها".
1 / 67