Le Christianisme et ses coutumes chez les Arabes préislamiques
النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية
Genres
واشتهر بينهم شهداء نجن الذين ماتوا في سبيل دينهم في وسط العرب فعرفوهم بأصحاب الأخدود لأن ذا نواس الطاغية الحميري اليهودي ألقاهم في أخاديد أضرم فيها النار فاستشهدوا لكرامة دين المسيح وإليهم أشار القرآن سورة البروج حيث قال (ع١ ٩): (وَالسّمَآءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قُتِلَ أَصْحَابُ الاُخْدُودِ النّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَىَ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاّ أَن يُؤْمِنُواْ بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الّذِي لَهُ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللهُ عَلَى كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) .
أما ذو نواس فحاربه الحبش وغلبوه وانتزعوا من بلاد اليمن من يده وفيه يقول عمرو بن معدي كرب (كتاب العرائس للثعلبي ص٣٨٦ وكتاب البدء والتاريخ ٣: ١٨٣):
أتوهدني كأنك ذو رعين ... بأنعم عيشة أو ذو نواس
وقدمًا كان قبلك في نعيم ... وملكٍ ثابت في الناس راسي
فقد تم عهده من عهد عاد ... عظيم قاهر الجبروت قاسي
فأمسى أهله بادوا وأمسى ... ينقل في أناس من أناسِ
ومما درى به أيضًا عرب الجاهلية من أمور النصارى نظام كنيستهم من رئيس ومرؤوس كالبطاركة والمطارنة والكهنة والمؤمنين مع مالهم من الطقوس الدينية والأسرار المقدسة والعادات التقوية وقد أثبتنا لك في الفصول السابقة بيانًا لانتشار النصرانية في جزيرة العرب فليراجع.
الفصل الخامس
في الأمثال العربية المنقولة عن الأسفار المقدسة
يعرف القراء ما كان للأمثال الدارجة من الشهرة والاعتبار بين عرب الجاهلية فإنهم أودعوها أخبارهم وضمنوها حكمهم وكانوا يحلون بها صدور محافلهم ويدرجونها في خطبهم وينظمونها في أسلاك قصائدهم وينقلونها في أنحاء جزيرتهم حتى ضرب المثل في يرها فقالوا: أسير من مثل وإنما فضلوها لأربع فوائد وجدوها فيها كما قال أحدهم: اجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في غيره من الكلام إيجاز اللفظ وإصابة المعنى وحسن التشبيه وجودة الكناية، وهذه الخواص تنطبق كلها مع غرائز العرب وأطباعهم إذ عرفوا بالرزانة والتروي في الكلام وإيراد الحكم البليغ باللفظ الوجيز، وقد أشار صاحب شفر الملوك الثالث إلى حكمة العرب هذه عند كلامه عن حكمة سليمان وقد سماههم هناك بأهل المشرق فقال: (٤: ٣٠): "ففات حكمة سليمان حكمة جميع أهل المشرق" ثم ذكر بع العرب المشهورين بذلك.
ولما ظهر الإسلام وأخذ اللغويون يجولون لاف أحياء العرب ليجمعوا شعرهم ومآثرهم الأدبية جعلوا لأمثالهم ِأنًا عظيمًا، وكان أول من أخذ يجمعها شعرهم شرية وصحار العبدي كانا في عهد الخلفية معاوية بن أبي سفيان ولكليهما كتاب في الأمثال واشتهر بعدهما المفضل الضبي في أوائل الدولة العباسية وقد طبعت أمثاله في الأستانة ثم تبعه أبو عبيد القاسم بن سلام وله كتاب الأمثال السائرة ثم الأصمعي وأبو زيد وأبو عبيدة النحوي ثم هشام الكلبي صاحب كتاب أمثال حمير ثم ابن الأعرابي وله تفسير الأمثال وابن قتيبة مؤلف حكم الأمثال ثم العسكري مؤلف جمهرة الأمثال حتى قام الميداني شهاب الدين أحمد النيسابوري (+٥٣٩ ١١٤٥م) فوضع كتابه مجمع الأمثال وضمنه نيفًا وستة آلاف مثل جمعها من أكثر من خمسين كتابًا ورتبها على حروف المعجم (ونحن نشير في كلامنا إلى طبعة بولاق سنة ١٢٨٤) .
وقد راجعنا ما تيسر لنا من هذه المجاميع لعلنا نقف على أصول تلك الأمثال فوجدنا عددًا منها نقل بلفظه عن أسفار العهدين القديم والحديث ما يدل على أن قائليها عرفوا كتب النصارى المنزلة وخالطوا النصارى ولعل قومًا منهم كانوا نصارى فلم يصعب عليهم أن يضربوا الأمثال نقلًا عن كتب كانوا يسمعونها في مجتمعاتهم الدينية.
وها نحن نورد هنا هذه الأمثال إثباتًا لقولنا ونشير إلى الآيات الكتابية المأخوذة عنها، ولم ننقل غير الأمثال الراقية إلى عهد الجاهلية أو أوائل الإسلام ما يدل على هذا النفوذ النصراني بين العرب ونقسم هذا الفصل أربعة أقسام.
1 / 127